icon
التغطية الحية

حديث ثقافي.. دريد لحام والكوميديا

2021.06.29 | 06:09 دمشق

حديث ثقافي.. دريد لحام والكوميديا
خطيب بدلة
+A
حجم الخط
-A

اعتدنا خلال السنوات العشر الماضية، أن نضع السياسة والمواقف الثورية مقابل الأدب والفن، ونعتبر أدبَ مَن لا يقف في صف الثورة، أو فَنَّه، غيرَ جدير بالاهتمام. وأعتقد أن هذا موقف ذو طبيعة انفعالية، يفتقر إلى الحد الأدنى من الموضوعية، وإنه لمن الصواب إعادة النظر فيه.  

لكي نفهم شخصيةَ الفنان السوري دريد لحام، على حقيقتها، نتذكر الهتاف الذي كان شائعاً أيام مظاهرات الوحدة مع مصر، وهو (هادا اليوم الـ كنا نريدو، عبد الناصر يا عكيدو).. وأما لسان حال دريد فيقول عن حكم حافظ الأسد: هادا الحكم الـ كنا نريده!.. وهو، بهذا، يمثل تفكير شريحتين اجتماعيتين تقفان عادة إلى جانب الأنظمة الحاكمة، أولاهما "الشريحة المستفيدة" من وجود هذا النظام، وثانيتهما الشريحة التي تركن إلى الأمان الزائف، وترفض أي نوع من التغيير في المجتمع، مهما كانت الأسباب.

دريد لحام، وهو الآن في سن الـ 87 من عمره، كان وما يزال منسجماً مع نفسه في هذه القناعة، وقد قال قبل سنة من الآن، في حوار مع قناة "الجماهيرية الليبية"، إن الربيع العربي (هو يسميه الخريف العربي) مؤامرة "كونية" على الأمة العربية، وإن الذين قاموا بالثورات جواسيس، يقبضون من الخارج لأجل تخريب بلادهم. ولذلك، من المستغرب أن يُلام على موقفه المؤيد لنظام الأسد الإجرامي، وأن يَأمل منه بعضُ الثوار أن يتغير فجأة ويقول لأزلام النظام: (أما كفاكم قتلاً بالشعب، وتنكيلاً، وتهجيراً، وسرقة لأمواله؟).

يبدو دريد لحام، في الأعمال التي شارك في كتابتها، أو قام بإخراجها، متناغماً مع بروباغاندا نظام الأسد التي وصفها الأستاذ ميشيل كيلو بأنها تهتف للوحدة العربية في خطابها الإعلامي

هو لم يقل لهم (كفاكم قتلاً)، وفي ذات الوقت وللأمانة، لم يَدْعُ إلى القتل والتهجير والتدمير، ولا ندري، فقد يكون في سريرته يتضايق من ذلك، ولكنه يُبقي هذه الجرائمَ في خانة "المسكوت عنه"..

يبدو دريد لحام، في الأعمال التي شارك في كتابتها، أو قام بإخراجها، متناغماً مع بروباغاندا نظام الأسد التي وصفها الأستاذ ميشيل كيلو بأنها تهتف للوحدة العربية في خطابها الإعلامي، وتسلك في سياساتها سلوكاً انفصالياً، ولعله منسجم أيضاً مع كونه سفيرَ الأمم المتحدة للنوايا الحسنة، بدليل أنه أظهر ذات يوم حسن نية زائداً عن اللزوم، إذ دعا اللاجئين السوريين للعودة إلى البلاد، مبدياً استعداده لأن ينقلهم بسيارته من الحدود أو المطارات إلى بيوتهم.. وكأن مشكلة الذين يفكرون بالعودة إلى بلدهم تتعلق بالمواصلات! دريد لحام يعرف، ولا أظنه يجهل أن العائدين إلى الوطن يُشحطون، أولاً إلى قبو فرع أمني ما، حيث يتم التنكيل بهم، ويُلْعَن "سلسفيل" أجدادهم، ويمكنه بعد ذلك أن ينقل مَن بقي منهم على قيد الحياة، من القبو المذكور إلى البيت.

ملاحظة: عندما شاهدتُ مسلسل "سنعود بعد قليل" الذي اقتبسه رافي وهبي عن الفيلم الإيطالي "الجميع بخير" وأخرجه الليث حجو، لاحظت أن رسم شخصية (نجيب) - التي لعبها دريد لحام - شبيهة جداً بشخصيته الواقعية من حيث موقفه الضبابي، التوافقي بين مؤيدي النظام والثوار، مع ميل ظاهر إلى جهة النظام، ولا أستبعد أن يكون "رافي" قد تقصد ذلك أثناء التأليف، وأنه وضع في حسبانه أن يسند المخرج هذا الدور له.

دريد لحام دمشقي، مولود في حي الأمين، سنة 1934، يحمل شهادة في العلوم الكيميائية، مع دبلوم تربية، وأثناء الدراسة الجامعية كان يشارك في الأنشطة الثقافية والفنية، وعمل في التدريس، وفي وقت مبكر من افتتاح التلفزيون، دعاه المدير الأستاذ صباح قباني للالتحاق به، لكونه قد سمع بموهبته حينما كان في الجامعة.

بدأ إرسال التلفزيون أيام الوحدة، في "الإقليم الشمالي"، سورية، و"الإقليم الجنوبي"، مصر، في يوم واحد، هو 23 تموز 1960، ذكرى انقلاب الضباط الأحرار على الملك فاروق.. وكان يبث على الهواء، برامجَ ثقافية، وتمثيليات قصيرة، ومنوعات، ومن أوائل الذين ظهروا على الشاشة: نهاد قلعي، ودريد لحام، ورفيق السبيعي، ومحمود جبر، وتاج باتوك.. ومن معدي البرامج والمخرجين برزت أسماء عادل خياطة (القادم من ألمانيا)، وسامي جانو، وهيام طباع، وخلدون المالح، وشملت برنامج المنوعات مشاهد كوميدية خفيفة بعنوان "سهرة دمشق" كان يقدمها نهاد قلعي ودريد لحام.

ساهم المخرج القادم حديثاً من إيطاليا، خلدون المالح (1938- 2016)، في تأسيس التلفزيون السوري، وكان من ضمن اللجنة التي قررت تعيين نهاد قلعي موظفاً فيه، وفي تلك الفترة قدم برنامجاً تلفزيونياً بعنوان "الإجازة السعيدة" معتمداً على الثنائي دريد ونهاد.

نأتي الآن إلى الاتهامات التي كانت توجه إلى دريد لحام، ومنها أنه يفتقر إلى الغيرية، يحاول (تجيير) أي عمل فني لمصلحته، وأنه كان يطعن بالذين عملوا معه، مثل نهاد قلعي ومحمد الماغوط ورفيق السبيعي، وكذلك الراحل عمر حجو صاحب فكرة مسرح الشوك، الذي ذكر أمامي، ذات مرة، أن دريد لحام حينما حضر أحد عروض مسرح الشوك بصفة متفرج، قال إنه مستعد أن يعمل ضمن هذا المسرح حتى ولو بصفة عامل إضاءة.

سأسجل هنا بضع ملاحظات، تمثل خلاصة رأيي في هذه الشخصية الإشكالية:

أولاً- دريد لحام ممثل كوميدي مهم جداً، يمتلك العوامل الأساسية الثلاثة التي تلزم للنجاح:

ألف- الموهبة الكبيرة.

باء- الشكل الخارجي، ففي بداياته كانت له هيئة مضحكة، إذ يستطيع أن يدفع شفته السفلى إلى الأمام أثناء الحكي، و"يفنجر عينيه" تحت النظارتين الطبيتين، ويتمتع كذلك بصوت جميل.

تاء- الذكاء، والجرأة، والاجتهاد، والإصرار على النجاح، بدليل أنه، حينما رفض الجمهور شخصيةَ كارلوس، استطاع خلق شخصية محببة مقتبسة من البيئة الاجتماعية شكلاً ومحتوى، هي شخصية غوار.

ثانياً- لا نعرف وجهة نظر دريد لحام بالاتهامات الكثيرة التي توجه إليه، ولكنه، باعتقادي، كان بارعاً في إدارة نجوميته أكثر من غيره. بالإضافة إلى مسألة تبدو غائبة عن الأذهان، وهي (مركزية دريد لحام).. بمعنى أن أي فيلم أو مسلسل أو مسرحية يتوسطها دريد لحام تنجح، ويتألق فيها الآخرون، نهاد قلعي، ورفيق السبيعي، وياسين بقوش، وزياد مولوي، وناجي جبر، وعمر حجو، وكل عمل يلعب دور البطولة فيه ممثل آخر أو أكثر، من دون دريد لحام، لا يحقق النجاح الساحق، وقد رأينا أفلاماً من بطولة ناجي جبر وحده، وزياد مولوي وحده، لم تحقق نجاحاً كبيراً.. ولعل أول من أدرك هذه الحقيقة، وعلى نحو مبكر، هو نهاد قلعي الذي كان يؤلف النصوص، ويجعل الشخصية الأبرز فيها غوار.

ثالثاً- قد يقول قائل إن دريد لحام لم يكن دائماً في مركز البطولة المطلقة، كما في مسلسل الخربة. هنا أجدها مناسبة لأشير إلى أن المسلسلات التي يخرجها الليث حجو، وبالأخص التي كتبها ممدوح حمادة، لا تعتمد البطل النجم الأوحد، بل تعتمد الكاراكترات الكوميدية المتعددة، وعليه يستطيع أي مشاهد أن يقول بأن معظم المشاركين في "الخربة" كانوا أحسن من دريد لحام، كـ باسم ياخور، ومحمد حداقي، ورشيد عساف، وضحى الدبس، ومحمد خير جراح، وجمال العلي، وشكران مرتجى، وحتى ممدوح الأطرش ومشهور خيزران وحنان شقير ظهروا كأنهم نجوم كوميديا كبار.

 

 

كلمات مفتاحية