icon
التغطية الحية

حديث الهجرة: مهاجرون يسردون قصص رحلتهم للحصول على الجنسية الأميركية

2022.09.19 | 15:56 دمشق

السورية-الأميركية هناء الخلف
السورية-الأميركية هناء الخلف
فريسنو بي - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

كانت هناء الخلف في الخامسة والعشرين من عمرها وأماً لخمسة أولاد عندما بدأت الحرب السورية في عام 2011. تتذكر لحظات النزوح فتقول: "كانت القذائف في كل مكان" بعد ذلك عبرت الحدود إلى الأردن حيث عاشت هي وأسرتها كلاجئين إلى أن منحوا حق اللجوء في عام 2016 من قبل الحكومة الأميركية.

تقيم الخلف اليوم في شمال شرقي فريسنو، حيث تم تحديد مقابلة الجنسية لها في يوم 29 حزيران، أي بعد ستة أيام على وضعها لمولودها الثامن. وتخبرنا الخلف بأن الحصول على الجنسية الأميركية أهم شيء في العالم، بالنسبة لها ولبناتها، حيث تخبرنا من خلال مترجم فوري، بعدما صار عمرها اليوم 36 عاماً: "أريد أن أدرس أكثر وأن أصبح ممرضة، كما أريد أن أعمل وأدفع الضرائب هنا، ولهذا أشجع بناتي على التركيز على دراستهن، وبما أننا أصبحنا جميعاً أسرة من المواطنين، لذا بوسعنا أن نثبت أنفسنا بسهولة وأن نقدم أفضل ما لدينا للبلد الذي منحنا جنسيته".

انضمت الخلف لقائمة ناخبي مقاطعة فريسنو وستنتخب للمرة الأولى بحياتها في الانتخابات التي ستجري في شهر تشرين الثاني المقبل، ولهذا تخبرنا بأن حريتها في التعبير عن نفسها امتياز لم تتمتع به من قبل.

والخلف واحدة من بين سبعة مهاجرين أجريت مقابلات معهم من أجل هذا الخبر خلال خوضهم لمراحل مختلفة من رحلة الهجرة، إذ من بين هؤلاء السبعة هنالك ثلاثة أصبحوا مواطنين ولديهم حماسة كبيرة للإدلاء بأصواتهم في شهر تشرين الثاني.

في الوقت الذي تختلف فيه أسباب ترك البلد الأصلي بالنسبة لكل مهاجر من بين هؤلاء السبعة، وبالرغم من أنهم اختاروا مسارات مختلفة لحياتهم، حتى يصلوا لما وصلوا إليه اليوم، إلا أن أحلامهم متطابقة إلى حد كبير، وتتلخص بالتمتع بامتياز العيش في مجتمع آمن ومستقر وحر، والمشاركة في العملية الديمقراطية.

يظهر شوقهم للديمقراطية في تفاصيل القصص التي سردوها، وفي الرحلات الخطيرة التي قطعوها، وفي جبال من أوراق المعاملات الرسمية التي قدموها لمصلحة الهجرة والجنسية الأميركية، وفي الرفض الذي قوبلوا به مرات عديدة، والذي وصل في بعض الأحيان للتهديد بالترحيل، إلا أن ذلك الشوق يظهر أيضاً في استعدادهم للتخلي عن كل ما هو مألوف بالنسبة لهم، وحماستهم للعيش في كنف ثقافة ولغة غريبة عليهم، وتنازلهم عن الروابط الأسرية والعلاقات المقدسة.

إذ كانت آخر مرة رأت فيها الخلف أمها وشقيقاتها عندما افترقن في مخيم اللاجئين بالأردن قبل أكثر من ست سنوات.

ما سبب قدومهم لأميركا؟

 تخبرنا كلاريسا بيتروتشي وهي منسقة مشاريع خاصة تعمل لصالح مشروع فالي لدمج المهاجرين، بأنها أدركت بأن الوقت قد حان للرحيل عن بلدها المكسيك عندما بدأت الأمور: "تصبح غريبة بعض الشيء، إلا أن النساء لا يعاملن في الولايات المتحدة بالطريقة ذاتها" التي يعاملن بها في المكسيك، ولهذا: "كان علي أن أتعايش مع تلك الأنواع من التعليقات الجنسية، بما أن الأمور التي تعتبر تحرشاً ينظر إليها على أنها أمر طبيعي هنا، ولهذا لم أشعر بالراحة أبداً".

كلاريسا يوم حصولها على الجنسية
كلاريسا يوم أدائها لليمين لتحصل على الجنسية الأميركية

 

وبما أنها كانت موظفة لدى الحكومة المكسيكية، لذا فقد سعت للانتقال إلى القنصلية في الولايات المتحدة، وتم لها ذلك، وهناك التقت بزوجها الأميركي وتزوجته، وأصبح لديهما ولدان، وعن ذلك تقول: "أعتقد أننا جميعاً كمهاجرين لدينا حلم واحد وهو أن نصبح مواطنين في يوم من الأيام، كما أنني سعيدة بمشاركتي في العملية الديمقراطية، إذ إننا جميعاً نشعر بالفخر لذلك، ثم إننا ممتنون لأننا أصبحنا جزءاً من هذا الشعب"، ولهذا فهي تترقب اليوم الذي ستصوت فيه في تشرين الثاني المقبل.

كان العيش في الخارج أسلوب حياة بالنسبة لليندا رينلاند من النرويج التي عاشت في تايلاند وبريطانيا وإسبانيا، قبل أن تنتقل للعيش في أميركا في عام 2016، حيث التقت بزوجها الذي كان يعمل طبيب أسنان لدى البحرية الأميركية، ثم استقرا في فريسنو بعد بضع سنوات من السفر حول العالم والعيش في العاصمة واشنطن ثم لوس آنجلوس.

ليندا يوم حصولها على الجنسية
ليندا يوم حصولها على الجنسية الأميركية

 

أصبحت ليندا مواطنة أميركية في عام 2021، وعن فرصة التصويت في انتخابات شهر تشرين الثاني تقول: "إن نشاطي السياسي في الولايات المتحدة سيشعرني بسعادة أكبر مما هي عليه الحال في النرويج، وذلك لأن المخاطر عندما تزيد، فسيزيد إحساسك معها بأهمية ما تفعله".

بحسب ما أورده معهد السياسة العامة في كاليفورنيا، فإن نحو 11 مليون مهاجر، يشكلون ربع السكان الأميركيين الذين ولدوا خارج أميركا، يعيشون في كاليفورنيا. وفي عام 2019، تبين بأن 27% من سكان كاليفورنيا ولدوا خارج البلاد، وأكثر من ضعف تلك النسبة يعيشون في بقية أنحاء الولايات الأميركية.

فيما أورد مشروع فالي لإدماج المهاجرين بأن نحو 900 ألف مهاجر يقيمون في وسط سان هواكين فالي.

هذا وتؤوي الولايات المتحدة خمس المهاجرين في العالم، بوجود أكثر من 40 مليون إنسان مهاجر، أتوا إليها من كل دول العالم تقريباً. إذ يصل أكثر من مليون مهاجر إلى الولايات المتحدة سنوياً.

طلبت عبير قاسم، 35 عاماً، اللجوء خلال زيارتها للولايات المتحدة في عام 2013، ولم تعد تنظر إلى الخلف منذ ذلك الحين، وبما أنها معلمة تحت التمرين، لذا فقد عملت لدى منظمة أطباء بلا حدود في اليمن، وعن تلك التجربة تقول: "لقد تدمر اليمن وتحطم، وبالرغم من وجوده على الخارطة، إلا أنه ليس بمكان صالح للعيش، بل إنه الجحيم بحد ذاته، إذ ليس هنالك تعليم ولا أمن ولا أمان، كما أن وزارة الصحة لم تعد تعمل، إذن كيف يمكن أن نعيش في ذلك البلد؟ لا توجد حرية هناك، ولا شيء مطلقاً، كما أن الكهرباء تنقطع لمدة أربعة أيام".

وأضافت بأن القيود التي تفرض بصورة يومية، ومنها حرمانها من أي قرار يخص حياتها، جعل الأمور أسوأ وهذا ما دفعها للرحيل، وعن ذلك تقول: "كانت أسرتي متفهمة، فقد سمحت لي بأن أفعل ما أريد أن أفعله، سواء الذهاب إلى الكلية والعمل مع الرجال وكذلك أن يكون لدي صديق ذكر، ولكن حتى لو كانت الأسرة متفهمة، فلن يكون بقية أفراد العائلة الكبيرة كذلك"، إذ مثلاً، يتمتع أقاربها الذكور، وعلى رأسهم جدها وأشقاؤها وأعمامها وأجدادها، بل حتى الأباعد منهم "بسلطة التحكم بحياتي، وأن يملوا علي ما لا يجب أن أفعله، وهذا ما صعب أغلب الأمور التي كنت أريد تحقيقها". ولذلك أصبح الوضع لا يطاق، حيث تقول: "عندما تزيد الأمور عن حدها دفعة واحدة، فإن ذلك يدفعك لأن تقول: إذن، لم يعد بوسعي أن أستمر على هذا المنوال، ولهذا علي أن أرحل".

كانت أوديليا تشافيز في السادسة والعشرين من العمر عام 1996 عندما غادرت المكسيك، وعهدت برعاية ابنها الذي كان عمره وقتها خمس سنوات، واسمه خوسيه إدواردو تشافيز لأمها، حيث انطلقت في رحلة خطيرة برفقة العشرات غيرها لتصل إلى حدود كاليفورنيا، ولهذا يتحدث ابنها عن تضحيتها التي لا يمكن لعقل أن يصدقها، إذ يقول: "إنها محتالة، قد مارست كل أنواع الأعمال الغريبة بدءاً من تنظيف البيوت وحتى العمل في المطاعم، بما أنها طاهية عظيمة، كما عملت في الزراعة، وذلك إلى أن لم يعد بمقدورها العمل، إذ إنها شارفت على الخمسين، ولهذا لم تعد ترغب بالعمل في الحقول، فقررت أن تغامر بمفردها، وهي تعمل اليوم مندوبة مبيعات وقد نجحت في عملها كثيراً، وتلك هي قصة نجاتها وبقائها على قيد الحياة".

خوسيه برفقة أمه
خوسيه برفقة أمه في مأدبة أقامتها جامعة فرينسو باسيفيك لتوزيع جوائز

 

على الرغم من مرور ربع قرن تقريباً على العمل في أعمال تقصم الظهر في الولايات المتحدة، إلا أن أوديليا لم تسجل رسمياً هناك كمهاجرة، ولهذا لم تستطع أن ترى والدتها التي عهدت إليها بتربية ابنها قبل سنوات طويلة، إذ على الرغم من أنها تحلم برؤيتها، إلا أنها تعرف بأن السفر إليها بالطريقة التي أتت بها ليس بخيار.

أصبح عمر ابنها خوسيه 28 عاماً الذي وصل إلى الولايات المتحدة وعمره 11 عاماً، وحصل على إقامة دائمة، وينتظر فرصة حصوله على الجنسية، ولهذا يخبرنا عن أمه فيقول: "لقد أتت لأننا كنا نعيش في مدينة مكسيكو، وكانت أماً عزباء ولم يكن بمقدورنا تدبر أمورنا، ولهذا قررت أن تحاول السفر إلى الولايات المتحدة، وبقيت فترة حتى تسنى لها ذلك، أي أن الأسباب كانت اقتصادية، وأنا متأكد أن هنالك أسبابا تتصل بالأمن وكل ما حدث هناك، ولكن في الوقت ذاته، عندما لا تحس براحة على المستوى الاقتصادي يصبح ذلك كل همك، ولكن بما أننا نقيم هنا، لذا صرنا نفكر بالحرية والديمقراطية، أي أننا محظوظون".

أوديليا تشافيز وهي تعمل في الحقول
أوديليا تشافيز وهي تعمل في جني العنب من أجل الزبيب

 

غادرت بليسينغ آنيايبونا، 47 عاماً، نيجيريا برفقة أولادها الخمسة في شهر آب الماضي، فوصلت إلى فريسنو لتبحث عن حياة جديدة لها في أميركا و"مستقبل مشرق" لأولادها.

ومن بين الأسباب التي دفعتها للرحيل عن بلدها تراجع الفرص الاقتصادية، وانعدام الأمن، وانقطاع الأطفال عن الدراسة بسبب الإضرابات المستمرة التي يطلقها العاملون في السلك التعليمي، وعن ذلك تقول: "من الصعب أن تتوقع ما الذي سيحدث في الغد في نيجيريا".

الطريق الطويل والملتوي لتحقيق الحلم الأميركي

وصفت لنا عبير قاسم معاناتها والعذاب الذي عاشته مع الهجرة، فقالت: "عندما تقدم طلب لجوء، تشعر كأنك معلق في الهواء، فأنت لا تدري أين ستصبح أو ما الذي يتعين عليك فعله... وهل يجب عليك أن تبدأ بالقيام بشيء ما؟ وهل ستحصل على قبول أم رفض لطلب لجوئك؟ وما الذي ستفعله بعد ذلك؟ بعد ذلك هنالك خطة أخرى تحتم عليك المثول أمام المحكمة، فإن وافقوا عليك فهو الخير، وإن لم يوافقوا، فإن كل ما ستفعله لابد أن تحوم حوله إشارات استفهام دوماً. إلا أن هنالك نهاية لهذا الدرب، ولكن هنالك الكثير من الطرق التي عليك أن تسير فيها لتصل إلى وجهتك، أي أن العملية صعبة على المستوى العاطفي والعقلي، بل إنها من أصعب الأمور التي مرت علي طوال تسع سنوات"، بيد أنها ترى، كما يرى أغلب المهاجرين، بأن الجائزة تستحق أن يحارب المرء من أجلها، وتلك الجائزة تتمثل بحلم الحصول على الجنسية الأميركية، وتمثل قيم الديمقراطية والحقوق والحرية والفرص والمساواة، وعن ذلك تقول: "إن هذه الجنسية تساوي المليارات، ولا أعني هنا المال، بل أعني أهميتها على المستوى العاطفي والعقلي والجسدي، ثم إن هذه البلاد تستحق أن تبدي ولاءك وإخلاصك لحريتها وفرصها وكل شيء تجده فيها. وهذا ما يجعلك تحبها، إذ لا يوجد شيء هنا لا يمكن أن تحبه، كما أنك لن تحبها فقط لمجرد إحساسك بالأمان.. إنك تتمتع هنا بحق إخبار الرئيس بكل شيء، في حال ارتكابه لأي خطأ، كما أتمتع بحق تقرير شكل حياتي، فأنا لم آتِ من بلد كنت أملك فيه هذا الخيار، أما هنا فقد صار بوسعي أن أقيم علاقة أو أن أمتنع عنها، كما بإمكاني أن أشرب هنا أو ألا أشرب".

المصدر: فريسنو بي