icon
التغطية الحية

حادثة طعن نهر إبراهيم توحي بالكثير.. عن العنف ضد السوريين في لبنان

2023.05.17 | 15:16 دمشق

ئءؤر
الشاب اللبناني ساجد عمرو الذي تعرض للطعن إثر مشاهدته لأحد المسلحين وهو يعتدي على لاجئ سوري في لبنان
Middle East Eye - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

بعد أيام من عيد الفطر، اقتحم عشرون شخصاً بينهم مسلحين متجر محمد عمرو الكائن في منطقة نهر إبراهيم بلبنان، واعتدوا بالضرب والطعن على ولديه ساجد (13 عاماً) وأخوه يوسف (18 عاماً) حتى كادا أن يفارقا الحياة. غطت الدماء الأرضية وأصابت طلقتان السقف، وألقي القبض على المهاجمين ثم أطلق سراحهم واحتفل معهم رئيس البلدية ووصفهم البعض بالأبطال. القصة وما فيها: ظنت العصابة أن الفتى والشاب هما لاجئين سوريين.

تعتبر تلك المدينة الواقعة شمالي لبنان، والتي تجمع بين البحر والجبل، مكاناً آمناً وفيها يتعايش الناس من سائر الأديان، بحسب ما ذكره أغلب قاطنيها.

إذ عند الساعة 8:30 مساء في الـ 28 من نيسان الفائت، كان الفتى اللبناني ساجد (13 عاماً) وأخوه يوسف (18 عاماً)، يساعدان والدهما محمد عمرو في متجره، وفي تلك الأثناء شاهدا ثلة من المسلحين يحملون هراوات معدنية ومسدسات، ثم هاجموا سورياً مجهول الهوية في الخارج.

وحول تلك الحادثة يحدثنا ساجد فيقول: "شهد شقيقي الحادثة دون أن يفعل شيئاً، وفجأة، اقترب أحدهم منه وضربه بعصا غليظة، فحاول شقيقي الدفاع عن نفسه عبر ركله، وعندها اجتمع عشرون شخصاً عليه، وأشهروا سكاكينهم وشرعوا بطعنه، ثم سحبوا مسدساً، وأطلقوا النار على الأرضية، والسقف، وبعدها طعنوني في رأسي".

 

 

أما يوسف الذي تعرض لأربع طعنات، فقد نجا من الهجوم الذي أسفر عن كسر أنفه وجرح اضطر معه الأطباء لرتقه بعشرين غرزة، وخلال تلك الفترة، أخذ ساجد يتناول عشرة أدوية مختلفة حتى لا ينفتح جرحه، وعلى الرغم من انتهاء الوجع، وقدرة الفتى على العودة إلى المدرسة، إلا أنه تحدث إلينا عن الحادثة وفمه مطبق عند الفكين، وأخذ يصفها بعبارات قصيرة موجزة.

 

سيب
الشاب اللبناني ساجد عمرو الذي تعرض للطعن إثر مشاهدته لأحد المسلحين وهو يعتدي على لاجئ سوري في لبنان

 

وعن الحادثة يحدثنا محمد فيقول: "كادت السكين التي طعنت بها أن تفتك بي"، إذ كان في البيت عندما شاهد الهجوم عبر كاميرا مراقبة قبل أن يندفع إلى مسرح الجريمة، ويعلق على هذا بقوله: "شعرت بأني ولدي شارف على الموت".

تتألف عصابة المسلحين الذين نفذوا هذا الهجوم من رجلين يعملان في سلك الشرطة وبعض المواطنين اللبنانيين الذين زعموا بأنهم يعملون لدى بلدية نهر إبراهيم، وبأن عليهم فرض حظر تجوال عند الساعة التاسعة ليلاً، وقد تم فرض ذلك حقاً قبل ستة أشهر على كل المتاجر في المدينة.

وعلق على ذلك نزار دكاش، أحد كبار المديرين في مكتب البلدية، حيث قال: "حددنا ساعات الدوام ليلاً لنرفع الحالة الأمنية، لأن المهاجرين السوريين الذين لا يملكون أوراقاً قانونية يدخلون المنطقة دون أن يخضعوا لرقابتنا".

يخبرنا محمد بأن العصابة تفتش المحال القريبة من متجره بصورة دورية كما كانت تضايق أصحابها، وأغلبهم من التابعية السورية، إذ كان ذلك دافعهم الحقيقي ليلة الهجوم، لا فرض حظر تجوال كما زعموا.

بل
محمد عمرو والد الشابين الذين تعرضا للهجوم أمام متجره في نهر إبراهيم بلبنان

"يتصرفون كعصابة"

بحسب ما ذكره الأهالي، فقد زادت تلك المجموعة من سلوكياتها العدوانية ووجودها المتسلط حول المحال في المنطقة خلال الشهر الفائت، والذي تزامن من انتشار موجة من الخطاب المعادي للاجئين مع التضييق على السوريين في مختلف بقاع البلد.

وفي رد على عملية الطعن، أعلنت الجماعة بأنها ظنت بأن الشابين سوريان، حسبما أخبرنا محمد، إلا أن الأسرة لبنانية وتدير متجراً في ذلك الشارع، وأضاف محمد: "كانوا يعرفون هذا تماماً، لأن اثنين ممن هاجمونا كانوا من زبائن المحل".

وسواء أكانوا سوريين أم لا، فقد طعنوا شاباً في الثالثة عشرة من عمره بلا سبب... وحتى لو كان الصبي سورياً، لا يحق لهم طعنه، على حد تعبير والد الشقيقين.

في حين شكك بعض الأهالي بأن المهاجمين أتوا في البداية لاستهداف العمال السوريين في المنطقة، لكنهم تهجموا بعد ذلك على الشابين لأنهما شهدا ما كان يحدث يومها، إذ يقول أحد أهالي المنطقة، وهو شخص رفض الكشف عن اسمه: "لعلهم كانوا تحت تأثير المخدرات، إذ إنهم يتظاهرون بأنهم ميليشيا، لكنهم يتصرفون كعصابة".

يعتبر دكاش الهجوم الذي استهدف شابين لبنانيين مجرد حادثة، وذلك لأن المهاجمين كانوا يبحثون عن سوريين زادت تصرفاتهم المخالفة للقانون عن حدها، كما انتقد السوريين لأنهم يتسببون بالفوضى، ويضرون بالمنافسة في سوق العمل في منطقته.

في لبنان، يشير كثيرون بأصابع الاتهام للسوريين على اعتبار أنهم السبب في كل الويلات الاقتصادية التي يعيشها البلد، خاصة بعد وقوع لبنان ضحية لأسوأ أزمة اقتصادية على مستوى العالم، بعد سنوات من سوء الإدارة على الصعيد المالي والفساد الذي استشرى في ظل النخبة الطائفية الحاكمة والتي دفعت بأكثر من 82% من سكان لبنان نحو حالة من الفقر على مستويات متعددة.

غذت هذه الأزمة المشاعر المعادية للسوريين بحسب رأي سامي نادر مدير معهد بلاد الشام للشؤون الاستراتيجية، والذي يقول: "من الواضح بأن السوريين ليسوا مسؤولين عن الأزمة، إلا أن وجودهم ضخمها، وطالما بقيت الأزمة خارج نطاق السيطرة، فستصبح قضية اللاجئين السوريين أصعب كما سيغدو من الصعب تقبلها أو تحملها من قبل غالبية اللبنانيين".

في تقرير نشرته منظمة World Refugee ومجلس الهجرة خلال عام 2021، تم التوصل إلى نتيجة مفادها بأنه في الوقت الذي يضغط فيه اللاجئون على البلد، لم يتسبب هؤلاء بظهور الأزمة الاقتصادية في لبنان التي بدأت في عام 2019، بما أن جذورها تعود للفترة التي سبقت قدومهم إلى ذاك البلد.

وفي الفترة ذاتها، وصفت خطة الاستجابة للأزمة في لبنان أزمة اللاجئين بالأزمة الإنسانية التي ظهرت داخل أزمة اقتصادية.

المكاسب السياسية المترتبة على العنصرية

صب القادة اللبنانيون أنفسهم الذين تسببوا بحالة التضخم الكبيرة والفقر الذي يعيشه لبنان جام غضبهم وكرههم على اللاجئين السوريين، حيث غدا موضوع اللاجئين أداة بأيدي الأحزاب السياسية برأي نادر. وفي الوقت الذي يتنافس فيه السياسيون على مقعد الرئاسة، بما أن البلد تعيش حالة فراغ على المستوى التنفيذي منذ شهر تشرين الأول الماضي، تحول السوريون إلى هدف سهل وإلى كبش فداء على مذبح الفشل في طرح إصلاحات مهمة.

بما أن البلد تعيش حالة فراغ على المستوى التنفيذي منذ شهر تشرين الأول الماضي، تحول السوريون إلى هدف سهل وإلى كبش فداء على مذبح الفشل في طرح إصلاحات مهمة

سنت الدولة اللبنانية خلال الشهر الماضي سلسلة من الإجراءات التي تحدد مكان إقامة أكثر من مليون ونصف المليون سوري يعيشون في البلد بحسب تقديرات الحكومة، وتعهدت بمواصلة حملة العودة الطوعية وهي عبارة عن مجموعة من الإجراءات التي وضعت للضغط على اللاجئين السوريين ودفعهم للعودة إلى بلدهم التي دمرتها الحرب.

وخلال الفترة عينها، رحل الجيش اللبناني ما لا يقل عن 168 سورياً في شهر نيسان، بحسب تقرير نشرته الشبكة السورية لحقوق الإنسان، كما وثقت منظمة العفو الدولية عمليات اعتقال وتجنيد إجباري بحق لاجئين سوريين تم ترحيلهم من لبنان، وذلك بمجرد عودتهم إلى سوريا، وهذا ما دفعها لإدانة عمليات الترحيل ووصفها بأنها تمثل انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي.

وسرعان ما تبعت العديد من البلديات من سبقها في فرض تلك الإجراءات، حيث أخذت كل منها تفرض قيودها الخاصة على السوريين المقيمين فيها.

ومن بينها بلدية نهر إبراهيم، إذ يقول دكاش بإن البلدية تنفذ مداهمات بين الفينة والأخرى لضمان إقامة السوريين بشكل قانوني، وقال: "نريد من السوريين الذي لا يحملون وثائق أن يرحلوا لأننا لا نستطيع أن نبقيهم بشكل مخالف للقانون، خاصة في هذه القرية الصغيرة".

بيد أن الحكومة اللبنانية فرضت شروطاً جعلت من المستحيل بالنسبة لأي سوري الحصول على إقامة قانونية في لبنان، وهكذا أصبحت غالبية السوريين (أي 80% منهم) بلا إذن - إقامة قانونية، كما أصبحوا عرضة للغرامات والاعتقال والحبس والترحيل.

احتفال العصابة

كل من يتعرض للاقتحام أو الاعتقال في لبنان يبقى بلا حماية قانونية في الغالب الأعم، وذلك لأن النظام القانوني في لبنان يميز بشكل واضح ضد اللاجئين السوريين، بحسب رأي فاضل فقيه، المدير التنفيذي للمركز اللبناني لحقوق الإنسان.

فقد شهد هذا المركز زيادة في عدد الانتهاكات التي ارتكبت بحق سوريين مؤخراً، وذكر فقيه بأن القضاة "يتغاضون في الغالب عن الانتهاكات التي يتعرض لها سوريون" ويحاولون حماية مرتكبي حوادث العنف.

في حادثة نهر إبراهيم، صدر قرار بحبس من نفذوا الهجوم، ولكن بعد مرور فترة قصيرة أخلي سبيلهم دون أن يتعرضوا لأي عقوبة أخرى.

وبعد إخلاء السبيل، أقيم احتفال لمن طعن ساجد عمرو، حضره موظفون في البلدية بينهم المحافظ نفسه كما أخبرنا محمد، وأضاف: "لقد وصفوه بالبطل".

في هذه الأجواء التي يفلت فيها المجرمون من العقاب، يزداد الخوف بين أصحاب المحال التجارية والأهالي القاطنين بالقرب من تلك المتاجر في مدينة نهر إبراهيم.

يدير هاني، وهو شاب هرب من حلب إلى لبنان في عام 2016، متجراً صغيراً في تلك البقعة، وعنها يقول: "زاد الوضع توتراً أكثر من ذي قبل، حيث أصبح الناس يخشون من الترحيل"، وهذا ما جعل السوق خاوياً على عروشه بسبب الخوف من عناصر البلدية الذين يتسببون بوقوع مشكلات.

وهنا يخبرنا الشخص الذي رفض الكشف عن اسمه: "أحس بعدم الأمان بعد كل ما حدث، لاسيما منذ أن صاروا يتجولون ومعهم بنادقهم ومسدساتهم، إذ لم يعد هناك من يحمي السوريين أو المواطنين من أمثالي".

المصدر: Middle East Eye