icon
التغطية الحية

حاتم علي مسيرة ناجحة ووفاة مفاجئة

2020.12.29 | 19:27 دمشق

whatsapp_image_2020-12-29_at_1.18.04_pm.jpeg
فاطمة ياسين
+A
حجم الخط
-A

كل شيء متوقع الحدوث حتى موت المخرج حاتم علي، الخبر مؤكد وقد صدم الجميع رغم توقع كل شيء، كان وحيدا في غرفة في فندق عاصمة عربية يحضّر عملا ما، توقف قلبه على نحو مفاجئ وترك كل شيء خلفه، لتشتعل مواقع التواصل بالخبر المحزن.. خرج الحزن على شكل أوراق نعي على طول الوطن السوري الممتد على قارات العالم وبحارها، لا يختلف على تفوقه وإبداعه سوريان، حرك الدراما خلف الكاميرا وأمامها وملأ الورق الأبيض كأديب، وكان مميزا دائما وسيبقى مكرسا في إرثٍ تركه في الذاكرة..

قبل خمس سنوات من نكسة حزيران، وفي مكان بجوار معاركها القليلة ولد حاتم علي، وانتقل إلى دمشق، ومن هناك تخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية قسم التمثيل في العام 1986، مثّل أول أدواره التلفزيونية تحت إدارة المخرج هيثم حقي في مسلسل دائرة النار في العام 1988، وفي العام ذاته أصدر مجموعة قصصية بعنوان موت مدرس التاريخ العجوز، ولكن حاتم علي المولع بالدراما كان أكثر رسوخا من الأديب، فتابع مشوارا تمثيليا مميزا وعمل تحت إدارة المخرجين: مأمون البني، وغسان جبري، وعلاء الدين كوكش، ومحمد عزيزية، ونجدت أنزور، قبل أن تنطلق طاقاته الدرامية كمخرج في العام 1995 مع مسلسل فارس المدينة، مرة أخرى يفارق حاتم علي الممثل ليتقمص المخرج بصورة أعمق وأكثر أثرا رغم أنه لم يتخلَ عن الممثل بشكل نهائي، فكان يشارك في أعمال زملائه من المخرجين، وأحيانا يترك لنفسه دورا صغيرا في مسلسلاته، ليلعبه بشكل شخصي.. حاتم علي الذي توزع على ثلاثة ميادين، الأدب والتمثيل والإخراج، كان في كل ميدان يترك علامة فارقة وإن ترك كمخرج أثراً أمضى على المستوى المحلي والعربي.

 

الفصول الأربعة

بدايات المخرج المميزة كانت مع مرايا ياسر العظمة فقد أخرج موسمي 98 و99، ورغم أن نصوص العظمة مفصلة على قياسه ومجالاتها الإخراجية ضيقة، إلا أن حاتم علي وجد ثغرة تشعر المشاهد بدور إخراجي واضح على مدى لوحات الموسمين، ويمكن تمييزهما من بين كل مواسم مرايا العديدة.. انطلق حاتم علي بعدها ليبدع مسلسله الخالد الفصول الأربعة، وبدا متناغما ومتفهما لنصوص زوجته الكاتبة دلع الرحبي وزميلتها السيناريست المميزة ريم حنا، فقد لاقى المسلسل قبولا عارما وجارفا في الشارع السوري، وساعد موقع يوتيوب فيما بعد في وصول المسلسل إلى شرائح أخرى ما زالت تستعيده بين الحين والآخر لتجريب ذاك المذاق الدرامي الخاص المطعم بكوميديا عائلية لطيفة مع عمق مناسب لتأمين فرجة ممتعة، وقد أفسح نجاحه في هذا المسلسل الطريق إلى الانطلاق في قفزة نوعية أخرى كان عنوانها الزير سالم.

في الزير سالم المكتوب بريشة ممدوح عدوان، خلطت السيرة الشعبية بالحدث التاريخي، بإسقاطات زمنية راهنة فخرجت دارما من نوع جديد لا تختص بزمان معين يمكن استعادتها هي الأخرى مرارا دون أن تفقد من نكهة مذاقها الشهي، كان الإخراج في هذا المسلسل بطلا جديدا أضيف إلى بطولة النص وبطولة الممثلين، وأخذت شخصية الزير مكانا شعبيا جديدا بعد عرض هذا المسلسل، لتبدأ بعده سلسلة تاريخية قدم فيها حاتم علي دروسا في التاريخ والدراما عبر مسلسلات: ربيع قرطبة، صقر قريش، وصلاح الدين الأيوبي.. تخللتها عودة سريعة إلى جزء ثانٍ متميز من الفصول الأربعة، ليتابع بعدها تألقه التاريخي في ملوك الطوائف، ولكن قبله كان قد أخرج ملحمته المعاصرة التغريبة الفلسطينية والتي لخص فيها رحلة الخروج الفلسطيني والشتات والغربة، في تكثيف عميق لقصة شعب اقتلعت جذوره من أرضه وتغرب وتشتت في أكبر مؤامرة حاكتها الأمم ضد هذا الشعب، وكان حاتم علي على الموعد فقدم الدراما وكأنه يقطع مشاهد من وقائع يومية ويخلدها على أشرطة درامية مؤثرة.

 

أيقونة جميلة

جاءت مرحلة حاتم علي التالية وتميزت بانتقائية راقية عبر فيها عن نفسه أكثر مما عبر عن النصوص التي قدمها فتنبى عملا جريئا وفريدا في الدراما عندما قدم شخصية عمر بن الخطاب، وجسدها حية ومتحركة ومتكلمة طيلة مسلسل رمضاني شاهده الجميع دون أن يلقى عبارة اعتراض واحدة، وكأنه نال تفويضا وإجماعا عاما ليخوض في التابو الذي خاف منه الجميع، قدم بعده مسلسل العراب في قصة شيقة عرّى فيها الفساد على طريقته الهادئة المعبرة، وبعدها كان على موعد مع مسلسل مصري بعنوان كأنه مبارح، وكما فعل سابقا في مسلسل الملك فاروق، أدار حاتم علي ممثلين من بيئة مختلفة بكفاءته المعهودة نفسها خلال كل تلك الفترة الزمنية الغنية.. وكما ذكرنا لم يستسلم حاتم لدوره كمخرج فقط لفترات طويلة، فقد كان يجد لنفسه بين المسلسل والتالي دورا تمثيليا يقوم به كتمرين وإحماء بين مسلسلين يقوم بإخراجهما أو يمثل في مسلسل من إخراجه ليشاهد كل ما يدور أمام الكاميرا وخلفها.

في أمسية باردة وعام مضن مضى على السوريين بين المعاناة في الداخل والخارج نعت الدراما العربية مخرجا فذا، ذا بصيرة نافذة وقدرة فريدة على التنفيذ، ليبقى أيقونة جميلة وذكرى عطرة.