جميعنا كنا بحاجة صوفيا

2023.03.08 | 07:11 دمشق

ؤءر
+A
حجم الخط
-A

لم أستطع الكتابة قبلاً، اكتفيت بجملة واحدة أمام كلّ ما حدث في السادس من شباط الماضي، كـكثير من السوريين والسوريات، حيث لم تعد تسعفنا خبرة سنوات من تراكم الجمل والكلمات، كنت أقول "الله يلطف فينا" لا شيء أكثر ولا أقل، أتابع خلال عملي وخارجه الأخبار، لم أستطع أن أكون صحفية، كنت سوريّة فقط، أريد لهذا الركام أن يرتفع، أريد لهذا الكابوس أن ينتهي، أو ننتهي جميعاً، بطريقة أقل وجعاً، فليس من المعقول أن نشهد خلال شبابنا فقط، ثورة وحرباً وجوعاً ونزوحاً وتهجيراً وفقداً وزلزالاً.

تعاملنا بما استطعنا مع الكارثة وثبّت العجز أيدينا بمسمار أخير، جعل كثيراً منا نحن السوريين نفكر بالهجرة خارج المنطقة أي خارج الشرق الأوسط، ليس هرباً من قضاء الله، إنما سعياً نحو موت أكثر رحمة، بلا عنصرية بعد إذن القدر؛ دام القلق ثلاثين ليلة، نلتقي مع الأصدقاء بلقاءات أكثر حميمية رغماً عنّا، نودّع بعضنا، نحتضن خوفنا معاً ونحوّله لنكات أحياناً ونوبات من البكاء أحياناً أخرى، إلا أن الحدث الفاصل لأن نستعيد جزءاً من التوازن والأمل كانت "صوفيا" ابنة صديقنا التي ولدت في مطلع آذار، وحملت بعينين دافئتين حباً وزعتّه بالتساوي على كلّ من رآها، أعادت صوفيا الألوان إلى الحياة وأجبرتنا أن  نرسل الورد بالتوازي مع إرسال صناديق المساعدات، كان لصوفيا أثر كبير لأن لا نموت جميعاً من الحزن.

هي وغيرها من السوريات الوليدات، لطالما أشعرنني بأن على هذه الأرض ما يستحق الحياة والنضال والاستمرار، هيَ وكلّ من خرجن من تحت الأنقاض، ولعبن في الشارع بعد كلّ غارة، نحن نتنفس من خلالهنّ، لطالما تمنيت لو أننا لا ننجب، على الأقل بين الخيام، أو في منطقتنا غير الآمنة، لا أرضاً ولا سماء، لكن صوفيا صوّبت لي فكرتي، وأصبحت انتظر أخبار الولادات بدلاً من تجنبها وإطلاق الأحكام.

اختليت بالوليدة الجديدة للحظات، أخبرتها أني أحبها، وأننا سعداء بأنها فتاة، وأنها جميلة رغماً عن كل المقاييس، وشكرتها مطولاً، أنها جاءت إلينا بكل هذه البراءة والحنيّة والطيبة، وأننا بحاجتها. استطاعت دون تخطيط أو دراية أن تحيي كل من زارها وتنشر شعوراً بالطمأنينة حول هويتنا السوريّة.

أقمنا طقوس الاحتفال بالمولود الجديد، وغنينا لها بلهجات مختلفة، فأصبح بيت صديقنا جامعاً بعيداً عن كل ما يجري خارجاً، أخذتنا صوفيا إلى دمشق وبيروت والزبداني وحمص، وأعادت رائحتها جاهزيتنا لاستقبال المصائب التي لا تأتي فرادى على السوريين إلى وضع الاسترخاء، نامت ليلتها الأولى في بيتها ونمنا للمرّة الأولى منذ الكارثة.