icon
التغطية الحية

توماس فريدمان: إسرائيل تحارب على 6 جبهات وعلينا أن نقلق

2023.10.27 | 18:42 دمشق

آخر تحديث: 27.10.2023 | 18:42 دمشق

مركبات عسكرية إسرائيلية خارج سديروت بالقرب من الحدود مع غزة
مركبات عسكرية إسرائيلية خارج سديروت بالقرب من الحدود مع غزة
The New York Times- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

كتب هذه المقالة الصحفي توماس ل. فريدمان الذي يكتب مقالات رأي متخصصة في الشؤون الخارجية لدى صحيفة نيويورك تايمز منذ عام 1995، وقد انضم إلى فريق هذه الصحيفة منذ عام 1981 كما عمل مديراً لمكتبها في بيروت عام 1982، ثم مديراً لمكتبها في القدس عام 1984، وبعدها عمل مراسلاً دبلوماسياً في واشنطن عام 1989، ثم مراسلاً للبيت الأبيض ومراسلاً في الشأن الاقتصادي. ألف كتاب "من بيروت إلى القدس" الذي فاز بالجائزة الوطنية للكتاب في عام 1989، وألف عدداً من الكتب الأخرى منها: "حار ومسطح ومزدحم" والذي حقق أعلى مبيعات على مستوى العالم، كما نال عدة جوائز بولتزر عن تقاريره الصحفية.

حصل فريدمان على إجازة في الدراسات المتوسطية من جامعة برانديز عام 1979، وفي عام 1978 حصل على شهادة الماجستير في الدراسات المعاصرة حول الشرق الأوسط من جامعة أوكسفورد. ووينشر اليوم مقالات رأي في صحيفة نيويورك تايمز كل أحد وأربعاء.

إن كانت إسرائيل تهمك، فعليك أن تقلق عليها أكثر مما فعلت في أي وقت آخر منذ عام 1967، إذ في ذلك الحين، هزمت إسرائيل جيوش ثلاث دول عربية، وهي مصر وسوريا والأردن، فيما أصبح يعرف بحرب الأيام الستة. ولكن إن أمعنت النظر اليوم، فستكتشف أن إسرائيل تحارب اليوم في حرب مؤلفة من جبهات ست.

لا بُدَّ من التخلي عن خطة الضم

دخلت في هذه الحرب عناصر فاعلة لا تمثل دولاً، كما شاركت فيها دول وشبكات اجتماعية وحركات أيديولوجية، والمجتمعات الموجودة في الضفة الغربية وكذلك فصائل سياسية إسرائيلية، لذا فهي أشد حرب تعقيداً، ولكن ثمة شيء واضح أمامي وضوح الشمس: وهو أن إسرائيل لا يمكن أن تنتصر في هذه الحرب المؤلفة من ست جبهات بمفردها، أي أنها يمكن أن تمنى بهزيمة إلا في حال حشدت هي والولايات المتحدة تحالفاً دولياً.

لدى إسرائيل اليوم للأسف رئيس وزراء هو بنيامين نتنياهو، وائتلاف حكومي لا يريد، بل لا يمكنه أن يقدم حجر الأساس اللازم لتشكيل هذا التحالف العالمي، وحجر الأساس هنا يقوم على إعلان إسرائيل عن إنهاء توسعها في بناء المستوطنات في الضفة الغربية، مع إصلاح العلاقات مع السلطة الفلسطينية بحيث تصبح شريكاً فلسطينياً شرعياً وموثوقاً بوسعه أن يحكم غزة بعد حماس وأن يرسم حل الدولتين بشكله الأوسع ليشمل الضفة الغربية.

إذا كانت إسرائيل تطالب خيرة حلفائها بمساعدة الدولة اليهودية على تحقيق العدالة في غزة في الوقت الذي تطالبهم بصرف النظر عن بنائها لمملكة استيطانية في الضفة الغربية، وهدفها الصريح هو الضم، فإن ذلك يمثل حالة تنافر على المستوى الاستراتيجي والأخلاقي أيضاً.

كما أن ذلك لن يجدي نفعاً، إذ لن يتوفر أمام إسرائيل الوقت ولا المساعدات المالية ولا الشرعية ولا الشراكة الفلسطينية ولا الحلفاء الدوليين الذين ستحتاج إليهم لتنتصر في هذه الحرب المؤلفة من ست جبهات.

بيد أن كل تلك الجبهات الست ماتزال متوارية اليوم، على الرغم من أن الجميع يراها بأم عينه.

أولاً، دخلت إسرائيل في حرب شاملة ضد حماس في غزة وما حولها، وفي هذه الحرب كما نرى اليوم، ما تزال حماس تتمتع بإمكانيات احتياطية كبيرة مكنتها من شن هجوم بحري على إسرائيل يوم الثلاثاء، إذ أطلقت يوم الأربعاء صواريخ بعيدة المدى على ميناء إيلات الواقع جنوبي إسرائيل وكذلك على ميناء حيفا في الشمال.

من المرعب أن نشاهد حجم الموارد التي خصصتها حماس لترسانتها بدلاً من أن تخصصها لدعم رأس المال البشري في غزة، وكيف نجحت في إخفاء ذلك عن إسرائيل والعالم بأسره، كما لابد أن نلاحظ الفرق بين مستوى الفقر الجلي الذي يعانيه البشر في غزة، ومدى ثراء الأسلحة التي جمعتها حماس ونشرتها.

ممارسات نتنياهو وحكومته خدمت حماس

لطالما حلمت حماس بتوحيد الجبهات المحيطة بإسرائيل على المستوى الإقليمي والعالمي، غير أن استراتيجية إسرائيل عملت دوماً على منع حدوث ذلك، إلى أن وصلت إلى السلطة في شهر كانون الأول الماضي حكومة نتنياهو الائتلافية الحالية المؤلفة من متشددين دينياً ومتعصبين للقومية اليهودية، فبدأت تتصرف بطريقة سمحت بتعزيز حالة توحيد الجبهات المعادية لإسرائيل.

كيف حدث هذا؟ على الفور بدأ المتعصبون للقومية اليهودية في حكومة نتنياهو بتهديد الوضع الراهن في الحرم القدسي الشريف، واتخذت تلك الحكومة خطوات لفرض قيود أشد على الفلسطينيين الذين تعود أصولهم للضفة الغربية وغزة والمحتجزين في السجون الإسرائيلية، كما وضعت مخططات لتوسع هائل في المستوطنات الإسرائيلية ضمن الضفة الغربية وذلك لمنع قيام دولة فلسطينية مجاورة. فكانت تلك أول حكومة إسرائيلية تجعل من ضم الضفة الغربية هدفاً معلناً في اتفاق الائتلاف الحكومي.

وإضافة لكل ذلك، بدت الولايات المتحدة كمن شارف على عقد اتفاقية تقوم بموجبها السعودية بتطبيع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع إسرائيل، ليصبح ذلك أهم إنجازات نتنياهو في سياق إثبات قدرة إسرائيل على إقامة علاقات طبيعية مع الدول العربية والإسلامية دون التقرب من الفلسطينيين ولو شبراً واحداً.

وهذا ما أدى لظهور جبهة ثانية: وهي جبهة إسرائيل ضد إيران ووكلائها، وعلى رأسهم حزب الله في لبنان وسوريا، والميليشيات الإسلامية في سوريا والعراق وميليشيا الحوثي في اليمن.

جبهة حزب الله الباردة

خلال الأيام القليلة الماضية، أطلقت كل تلك الأطراف مسيرات وصواريخ باتجاه إسرائيل أو على القوات الأميركية الموجودة في العراق وسوريا، وأعتقد بأن إيران، مثلها مثل حماس، ترى فيما تبذله الولايات المتحدة وإسرائيل من جهد لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية والإسلامية خطراً استراتيجياً بوسعه أن يعزل إيران ومن والاها في المنطقة. وفي الوقت ذاته، أرى بأن حزب الله بات يدرك بأنه في حال قضت إسرائيل على حماس بعدما أعلنت عن نيتها القيام بذلك، فإن حزب الله سيصبح هدفها التالي، كما أنه سيصبح أضعف في ظل غياب حماس التي تستنزف طاقة الجيش الإسرائيلي وتصرف انتباهه عن حزب الله. ولهذا السبب قرر حزب الله أنه من الضروري فتح جبهة ثانية ضد إسرائيل، ولكن ضمن أدنى الحدود وأقلها درجة.

نتيجة لذلك، اضطرت إسرائيل لإخلاء نحو 130 ألف مدني من حدودها الشمالية إلى جانب الآلاف من الإسرائيليين الذين أخلوا مناطقهم الواقعة جنوب غربي الحدود مع غزة. وهذا النزوح الكبير تسبب بضغط هائل على السكن وعلى بيت المال في إسرائيل.

القيمة الاستراتيجية للسردية المهيمنة

تمثل الجبهة الثالثة عالم شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها من السرديات الرقمية التي تدور حول الجانب الطيب والجانب الشرير، إذ عندما يصبح العالم معتمداً على بعضه بهذا الشكل، وعندما لا يمكن إخفاء أي شيء بفضل الهواتف الذكية وشبكات التواصل الاجتماعي، وعندما يصبح بمقدورنا أن نسمع همس بعضنا بعضاً، عندئذ تصبح للسردية المهيمنة قيمة استراتيجية حقيقية. وهكذا تلاعبت حماس بكل سهولة بوسائل التواصل الاجتماعي، إذ سرعان ما أنحت باللائمة على إسرائيل بسبب الصاروخ الذي ضل طريقه فأصاب أحد المشافي بغزة، وفي ذلك ما يثير القلق إلى أبعد الحدود، لأن تلك السرديات ترسم شكل القرارات التي تتخذها الحكومات والسياسيون كما تحدد العلاقة بين كبار المتنفذين ومن يعملون لديهم. نصيحتي هنا: في حال غزت إسرائيل غزة فعلاً، فلا بد أن تتعرض الشركات في كل مكان لمطالبات شديدة من قبل موظفيها لدفعها إلى شجب إسرائيل أو حماس.

تمثل الجبهة الرابعة الصراع الفكري/الفلسفي بين الحركة التقدمية في العالم وإسرائيل، وأعتقد بأن بعض عناصر تلك الحركة التقدمية التي أرى أنها كبيرة ومتنوعة، قد خسرت حواملها الأخلاقية في هذه القضية، إذ مثلاً شاهدنا عدداً من المظاهرات التي خرجت في جامعات أميركية وأخذت تتهم إسرائيل بشن هجوم وحشي على حماس، كما دافعت عن حماس لكونها انخرطت في نضال مشروع مناهض للاستعمار، إذ يبدو بأن هؤلاء المتظاهرين التقدميين يعتقدون بأن إسرائيل تقوم على مشروع استعماري، وبأن الأمر لا يقتصر فقط على مستوطنات في الضفة الغربية، ولهذا لا يحق لليهود أن يتمتعوا بحق تقرير المصير أو الدفاع عن النفس في تلك الأرض، سواء أكانوا داخل الحدود التي رسمت بعد 1967 أو قبلها.

بالنسبة لطبقة المثقفين التي يقلقها على ما يبدو أمر احتلال دول لدول أخرى ولهذا تنكر حق هذه الدول في حكم نفسها بنفسها، لم نجد أي مظاهرة تقدمية خرجت في أي جامعة ضد أكبر قوة ظالمة في الشرق الأوسط اليوم، ألا وهي إيران، إذ إلى جانب سحقها للنساء المطالبات بحرية أكبر في الفكر واللباس، تسيطر طهران فعلياً على أربع دول عربية، وهي لبنان وسوريا واليمن والعراق، وذلك من خلال وكلائها، ففي لبنان الذي أعرفه جيداً، لم تتمكن هذه الدولة من انتخاب رئيس جديد لها طوال عام، ويعود أحد أسباب ذلك إلى رفض إيران السماح للشعب اللبناني باختيار أي رئيس له لا يرضح  لرغبات إيران ويلتزم بمصالحها على الدوام. ولهذا أضحى الشعب اللبناني المستقل عاجزاً عن إزاحة قبضة إيران عن البرلمان والحكومة، تلك القبضة التي تتجلى بصورة أوضح من خلال فوهات بنادق حزب الله. ولقد نقلت صحيفة ميدل إيست آي في عام 2014 عن علي رضا زكاني وهو أحد النواب عن مدينة طهران في البرلمان الإيراني تفاخره بحكم إيران لأربع عواصم عربية وهي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.

ولتحويل هذا الصراع المعقد البعيد عن المنطقية الذي يتنافس فيه شعبان على أرض واحدة إلى حرب استعمارية يحتاج الأمر إلى اقتراف عملية تحايل فكرية، أو كما كتب الإسرائيلي يوسي كلين هاليفي في صحيفة تايمز أوف إسرائيل يوم الأربعاء الماضي: "حتى تنحي بلائمة الاحتلال وعواقبه كلها على إسرائيل يجب عليك أن تصرف النظر عن تاريخ عروض السلام الإسرائيلية والرفض الفلسطيني، وحتى تصم إسرائيل بالكيان الاستعماري عليك أن تشوه القصة الفريدة التي تدور حول عودة شعب اجتث من جذوره إلى أرضه، غالبيته من اللاجئين القادمين من الجاليات اليهودية المتضررة في الشرق الأوسط".

ولكن ثمة شيء آخر فاسد على المستوى الفكري ألا وهو قبول السردية الاستيطانية التي أتى بها اليمين الإسرائيلي، بعدما انتشرت مؤخراً في الداخل الإسرائيلي، والتي تصف عنف حماس بالهمجي ومن الواضح بأنه لا علاقة تربطه بما فعله المستوطنون، وعليه فإن بناء المزيد من المستوطنات أمر مقبول.

أرى هنا نزاعاً إقليمياً بين شعبين على الأرض ذاتها، وهذه الأرض يجب أن تقسم بالتساوي بينهما قدر الإمكان، وتعتبر هذه التسوية حجر الزاوية لتحقيق أي نجاح ضد حماس، لذا إن كنت عزيزي القارئ ممن يؤيدون حل الدولتين، فأنت صديقي، وإن كنت ضده، فأنت لست بصديقي.

الحاجة لسلطة فلسطينية خالية من الفساد

تمثل الجبهة الرابعة الداخل الإسرائيلي والأراضي المحتلة، إذ في الضفة الغربية، يهاجم المستوطنون اليهود اليمينيون الفلسطينيين، كما يعرقلون الجهود التي يبذلها الجيش الإسرائيلي للسيطرة على تلك المنطقة بالتعاون مع قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية التي يترأسها محمود عباس. وهنا علينا أن نتذكر بأن السلطة الفلسطينية تعترف بحق إسرائيل في الوجود بموجب اتفاقيات أوسلو، لذا من المريع أن تنفجر هذه الجبهة وتتحول إلى مواجهة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، لأن الأمل سيضعف حينئذ في السعي للحصول على مساعدة السلطة الفلسطينية في حكم غزة.

ولكن لن يكون هنالك أي أمل لتحقيق ذلك في حال عدم إصرار الفلسطينيين في الضفة الغربية وحول العالم على تأسيس سلطة فلسطينية أشد فاعلية وغير فاسدة، بعد أن مضى وقت طويل على ذلك، والذنب هنا ليس ذنب إسرائيل وحدها، بل ذنب الفلسطينيين أيضاً.

الجبهة الإسرائيلية المضطربة

تمثل الجبهة السادسة إسرائيل نفسها، وما يجري بين مواطنيها اليهود، وقد تم التعتيم على هذه الجبهة في الوقت الراهن، لكنها ماتزال موجودة تحت السطح، وتمثل الصدام الذي تسببت بظهوره استراتيجية نتنياهو السياسية في الداخل، والقائمة على مبدأ: فرق تسد، فقد بنى هذا الرجل أمجاده على المستوى السياسي عبر تأليب فصائل المجتمع الإسرائيلي ضد بعضها بعضاً، فدمر وحدة المجتمع التي تعتبر ضرورية لكسب أي حرب.

ثم مضت حكومته بتلك الاستراتيجية إلى أقصى حدودها بعد وصولها إلى السلطة خلال شهر كانون الأول الماضي، عندما تحركت من فورها لتجرد المحكمة العليا في إسرائيل من السلطات التي تخولها التحقق من قرارات السلطتين التنفيذية والتشريعية.

وبسبب هذه العملية، دفع نتنياهو بالآلاف من الإسرائيليين للخروج كل يوم سبت من أجل حماية ديمقراطيتهم، الأمر الذي حرض الطيارين لدى سلاح الجو وغيرهم من المقاتلين في قوات النخبة إلى تعليق خدمتهم العسكرية الاحتياطية، وذلك عندما أعلنوا بأنهم لن يخدموا في بلد يتحول حكمه نحو الديكتاتورية، وهذا ما أدى لظهور انقسامات شتتت إسرائيل وجيشها في الوقت الخطأ، إلا أن هذا لا يعني وجود وقت مناسب لذلك على الإطلاق.

كيف تنتصر في حرب مؤلفة من ست جبهات؟ أكرر: فقط عندما يكون لديك ائتلاف يضم شعباً ودولاً تؤمن بالقيم الديمقراطية وحق الشعوب في تقرير مصيرها. لذا، قبل أن تشكل إسرائيل حكومة بوسعها تشكيل هذا التحالف، فلن يكون أمامها أي وقت، كما لن تجد أي موارد أو أي شريك فلسطيني أو الشرعية التي تحتاج إليها لتقضي على حماس في غزة. ولهذا من المرجح لها أن تحارب إلى جانب الولايات المتحدة بما أنها الحليف الحقيقي الوحيد الدائم بالنسبة لها.

تقع قوة هذا التحالف على عاتق جو بايدن، بما أنه أضفى على هذه الأزمة مجموعة من المبادئ الجوهرية الأساسية حول دور أميركا في العالم، وحول الحق مقابل الباطل، والديمقراطية مقابل الاستبداد، وقد لا يأتي مرة أخرى رئيس آخر حاملاً هذه المبادئ في المستقبل القريب.

أي بمعنى أصح، يمكن القول بإن بايدن أوجد رأس مال للعمل الدبلوماسي المحدود بزمن معين، وقدم كل ذلك للإسرائيليين وللسلطة الفلسطينية، ولهذا على الطرفين أن يستغلا ذلك بكل حكمة.

 

المصدر: The New York Times