تهدئة أم مواجهة.. ما هي أولويات الحكومة التركية؟

2023.06.09 | 06:18 دمشق

تهدئة أم مواجهة.. ماهي أولويات الحكومة التركية
+A
حجم الخط
-A

فور إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن تشكيلته الحكومية كُتب الكثير عن هذه الحكومة في محاولة لمعرفة توجهات السياسة التركية خارجياً ولكيفية تعاملها مع الأزمات والملفات الداخلية، داخلياً هناك ارتياح لتعيين صديق الأسواق والمستثمرين محمد شيمشك وزيراً للمالية في محاولة لوقف ارتفاع نسبة التضخم وللحد من أثر انخفاض قيمة الليرة التركية على المواطن التركي، وأيضاً جاء تعيين السيد علي يرلي كايا بمنصب وزير الداخلية بمثابة رسالة تهدئة داخلية نظرا لطبيعة الوزير الهادئة على عكس سلفه السيد سليمان صويلو صاحب التصريحات القوية في مواجهة المعارضة، وكان اللافت في الأمر هو إعلان الرئيس التركي عن حكومته من قصر الرئاسة القديم حيث كان يحكم أتاتورك في رسالة إيجابية تطمينية لجمهور المعارضة، القصر الذي قالت المعارضة إنها ستحكم منه في حال فازت بالانتخابات.

تأتي هذه الرسائل التطمينية للداخل بعد استقطاب كبير في الشارع التركي ولأن حزب العدالة يتطلع لاستعادة بلدية إسطنبول بعد تسعة أشهر، والتي صوتت في الجولتين لمرشح المعارضة، ويحتاج حزب العدالة إلى كثير من العمل لأجل استعادة ثقة الناخب الإسطنبولي به.

وجود السيد هاقان على رأس الديبلوماسية التركية بعد اثني عشر عاما قضاها في رئاسة جهاز المخابرات سيعطيه أوراق قوة كثيرة لأنه على معرفة كبيرة بأدق التفاصيل وبكل تشابكات المصالح بين تركيا وبقية الدول

في الملفات الخارجية وهي الأهم بالنسبة للرئيس التركي وحزبه بعد أن أعلنوا عن مشروعهم المسمى قرن تركيا، يأتي تعيين السيد هاقان فيدان بمنصب وزير الخارجية بمثابة تثبيت مكاسب حالية قبل البحث عن انتصارات ومكاسب جديدة، رجل تركيا القوي وهو المطلع على كل الملفات الحساسة والمساهم الرئيسي بحلحلة كثير من المشكلات وبإعادة فتح الأبواب التي كانت مغلقة في وجه الديبلوماسية التركية سابقا بحكم منصبه برئاسة جهاز المخابرات سيكون له أثر بدفع تلك السياسات للأمام. عادة يتم اللجوء إلى رجال المخابرات والأمن لفتح أي قنوات تفاوض بين الدول سواء كانت بينها علاقات أو كانت شبه مقطوعة ليتم من خلال هذه القنوات التمهيد للقاءات سياسية يتم من خلالها الإعلان عما اتفق عليه خلال المفاوضات الأمنية، وجود السيد هاقان على رأس الديبلوماسية التركية بعد اثني عشر عاما قضاها في رئاسة جهاز المخابرات سيعطيه أوراق قوة كثيرة لأنه على معرفة كبيرة بأدق التفاصيل وبكل تشابكات المصالح بين تركيا وبقية الدول وحدود النفوذ التركي وإمكانيات حلفائها وخصومها معاً، من سوريا وليبيا وأذربيجان وأوكرانيا إلى روسيا وصولاً إلى العلاقة مع دول الخليج والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، كلها ملفات تتقاطع فيها مصالح تركيا مع مصالح دول أخرى متنافسة - متصارعة وما تم تحقيقه في آخر خمس سنوات بعد توسع النفوذ التركي بشكل غير مسبوق منذ تأسيس الجمهورية التركية بحاجة إلي رجل قوي يستطيع تثبيت هذا الوضع والحفاظ عليه.

بما يتعلق بالتضخم هناك تحد كبير فالمدن الكبرى صوتت لمرشح المعارضة لأن آثار التضخم كانت ظاهرة في إسطنبول وأنقرة أكثر من غيرهما

حكومة الرئيس أردوغان يواجهها تحديان رئيسيان على المستوى الداخلي: الأول يتمثل بإعادة إعمار مناطق الزلزال في الجنوب التركي ليعود الملايين من الأتراك لمدنهم وبلداتهم، والثاني هو التضخم والذي التهم رواتب الأتراك ومدخراتهم. بما يتعلق بإعادة إعمار مناطق الزلزال هناك ارتياح بشكل عام لأداء الحكومة، وانعكس هذا الارتياح على صناديق الاقتراع، حيث صوتت معظم المدن المتضررة من الزلزال للرئيس التركي. وبما يتعلق بالتضخم هناك تحد كبير فالمدن الكبرى صوتت لمرشح المعارضة لأن آثار التضخم كان ظاهرة في إسطنبول وأنقرة أكثر من غيرهما، وهذا يتطلب كثيرا من العمل، وتعيين الاقتصادي الشهير محمد شيمشك في الحكومة قد يساعد على كبح جماح الأزمة الاقتصادية في حال توفرت له الإمكانيات والمزيد من الوقت.

خارجياً هناك الكثير من التحديات التي تنتظر الحكومة التركية الجديدة ويأتي الملف السوري في مقدمتها، ومع تعيين وزير خارجية قوي لا أتوقع أن يكون هناك تغيير كبير في السياسة التركية تجاه النظام والمعارضة، تركيا تريد فتح قنوات دبلوماسية مع النظام وصولا إلى تطبيع معه بشرط بقاء قواتها في سوريا، وهي تريد من هذا التطبيع شرعنة وجودها العسكري، وفي ذات الوقت النظام رفع السقف عالياً بعد التطبيع العربي معه وقال إنه لن تكون هناك علاقات بينه وبين الأتراك قبل الانسحاب التركي من سوريا، أو جدولة الانسحاب على أقل تقدير، والسيد حاقان على دراية كاملة بكل حيثيات الشأن السوري بشقيه السياسي والميداني شمال سوريا.

بعد أول اجتماع للحكومة قال الرئيس التركي: لقد أدركنا بأن تركيا أكبر من حدودها الحالية. هذه الرؤية مع مشروع قرن تركيا وسبقه مشروع الوطن الأزرق بحاجة إلي حكومة متجانسة يتمتع وزراؤها بخبرات كبيرة كل في مجاله لأجل المحافظة على قوة تركيا الحالية، وتعيين رئيس جهاز المخابرات على رأس الديبلوماسية التركية مع اختيار ديبلوماسي على رأس جهاز المخابرات يعني أن هناك انسجاما كبيرا بين المؤسستين سيعطي قوة أكثر للوزير هاقان في جولاته الديبلوماسية القادمة، وإذا عدنا للملف السوري أعتقد أن هناك مناطق جديدة ستكون تحت سيطرة المعارضة بالشراكة مع الجيش التركي ويمكن أن يحمل لنا الربيع القادم أي بعد الانتهاء من الانتخابات البلدية الكثير من الإجابات، وسواء بعمليات عسكرية أو ديبلوماسية فإن تغيير الجغرافيا الحالية قادم.