تقاسيم على مقام السيادة الوطنية

2021.12.14 | 05:14 دمشق

test5.jpg
+A
حجم الخط
-A

هل تتذكرون ما قاله وزير الخارجية السوري السابق "وليد المعلم"، في تصريحه الشهير: (من يريد العدوان على سوريا لا يوجد لديه مبرر إلا بالتنسيق معنا)، يومئذ كان وليد المعلم يُطلق تعريفاً جديداً لمعنى السيادة الوطنية الأسدية.

بعد ذلك التصريح بفترة قصيرة، وكان حينذاك قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني "قاسم سليماني"، يجول ويصول في سوريا، صرّح أحد المسؤولين الإيرانيين أن سوريا أصبحت المحافظة الإيرانية الـ 35 ، كان ذلك هو الترجمة الإيرانية للسيادة الوطنية الأسدية.

ولم يَطُل الأمر حتى  دخل الروس، والأميركان، والأتراك وكل من له موطئ قدم في سوريا، على ترجمة مصطلح السيادة الوطنية، وفق الرؤية الجديدة التي أطلقها خبير المصطلحات الأشهر في التاريخ، قائد سوريا العبقري بشار الأسد.

صدر مؤخراً كتاب جديد للصحفي الإسرائيلي "باراك رافيد"، عنوانه: (سلام ترامب: اتفاقيات إبراهيم وإعادة تشكيل الشرق الأوسط)، وكما هو معروف فإن اتفاقات "إبراهيم" أو "أبراهام بالعبرية"، هو الاسم الرسمي الذي أُطلق على اتفاقيتي التطبيع اللتين جرى إبرامهما، برعاية أميركية، بين "إسرائيل" من جهة، وكل من "الإمارات العربية المتحدة" في 13 آب 2020م، ثم "البحرين" في 11 أيلول 2020م.

"رافيد" قام مؤخراً بنشر مقال، قال فيه إنه أجرى مقابلتين مع الرئيس الأميركي السابق "ترامب"، بعد خسارته الانتخابات الرئاسية أمام "بايدن"، والذي يترأس الولايات المتحدة اليوم، وأشار إلى أن ترامب كان غاضباً من صديقه "نتنياهو" إلى حد أنه شتمه، واعتبره ناكراً للجميل، لأنه - أي نتنياهو- سارع إلى تهنئة "بايدن"، قبل الإعلان رسمياً عن فوزه، واعتبر ترامب ذلك تنكّراً لمواقف كثيرة فعلها من أجله، ومن أجل "إسرائيل"، مواقف متعددة، كالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، والإسراع في توقيع "اتفاقات إبراهيم"، وتوقيع قرار الاعتراف رسمياً بسيادة "إسرائيل"، على هضبة الجولان السورية، يقول "ترامب":

(خذ الجولان على سبيل المثال، لقد كانت صفقة كبيرة، يقول الناس إنها كانت هدية بقيمة 10 مليارات دولار، لقد فعلت ذلك قبل الانتخابات مباشرة (يقصد الانتخابات الإسرائيلية)، مما ساعده (نتنياهو) كثيراً ... وهو الذي كان سيخسر الانتخابات، إذاً لم يكن ذلك من أجلي، لقد صعد كثيراً بعد أن فعلت ذلك. ارتفع 10 نقاط أو 15 نقطة، بعد أن أخذت قرار مرتفعات الجولان).

ببساطة شديدة يخبرنا "ترامب"، أنه دفع بلدين عربيين للتعجيل بتوقيع اتفاقات مع "إسرائيل"، ووقع اعترافاً رسمياً بسيادة "إسرائيل" على مرتفعات الجولان السورية المحتلة منذ عام 1967م، كي يساعد صديقه "نتنياهو" في الانتخابات التي كانت ستجري بعد شهر، ولكي يجنبه خسارة كانت شبه مؤكّدة، ولهذا ظهر "نتنياهو" إلى جانب "ترامب" وهو يوقع القرار، لا بل قام "ترامب" وباستعراض مبتذل، بتقديم القلم الذي وقّع به الاعتراف هدية لـ "نتنياهو".

ما فعله "ترامب"، لم يكن إلا الترجمة الأميركية لمصطلح السيادة الوطنية الأسدية

الفضيحة فيما قاله "ترامب"، هو استهتاره الصفيق بالدول التي وقعت "اتفاقات إبراهيم"، لدرجة أن تصبح العلاقات العربية الإسرائيلية ليست أكثر من حملة إعلانية، لخدمة مرشح لانتخابات تجري في "إسرائيل"، والفضيحة الأكبر هي أن يصبح القانون الدولي، وسيادة الدول، بلا أدنى أهمية ولا اعتبار، فيوقع "ترامب" بصفته رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، على اعتبار الجولان السوري جزءاً من السيادة الإسرائيلية، لكأنما الجولان ليست ملكاً لشعب، ولدولة، وكأنما سوريا بلد مُباح ومُستباح، لكي يكون مادة في مزاد انتخابات الآخرين، لكن ما فعله "ترامب"، لم يكن إلا الترجمة الأميركية لمصطلح السيادة الوطنية الأسدية.

في مقلب آخر، وفي الفترة نفسها التي أهدى فيها "ترامب" الجولان السوري لصديقه "بيبي"، وبفعل يفوق بصفاقته ما فعله كل من "ترامب ونتنياهو"، يصرح الرئيس الروسي، "فلاديمير بوتين" أن: (الزيادة الحاصلة في تصدير الأسلحة الروسية إلى دول العالم، رغم المنافسة الشديدة في هذا المجال، يقف وراءها الاختبار العملي لهذه الأسلحة في سوريا).

لا بدّ هنا من الإشارة إلى أن القوات الروسية ارتكبت منذ تدخلها في سوريا في أيلول 2015م، أكثر من 350 مجزرة بحق الشعب السوري، واستهدفت أكثر من 220 مدرسة و210 مستشفيات ومراكز طبية.

نعم بكل هذه الصفاقة، يتباهى بوتين بزيادة مبيعات الأسلحة لبلاده بعد أن أثبتت فعاليتها في لحم الشعب السوري، وفي تدمير سوريا، وببساطة أيضاً هذه كانت الترجمة الروسية لمصطلح السيادة الوطنية الأسدية.

أُعلن مؤخراً، أن تركيا قامت بحفر خندق موازٍ لحدودها مع سوريا، لكنّه داخل الأراضي السورية، يبعد عن الحدود 35 كم، ويزيد طوله عن 230 كم، وفسرت تركيا ذلك بأن ذلك الخندق هو ضروري لحماية أمنها القومي، وهو ترجمة تركية لمصطلح السيادة الوطنية الأسدية.

كل الشعوب تسأل قادتها عما فعلته من أجلهم، وتحاسبهم، قبل أن تعيد منحهم ثقتها، إلا في هذه البلاد المنكوبة، المباحة، المستباحة

إذا كان "نتنياهو" يريد تحسين فرص فوزه بانتخابات بلاده عبر تقديم نصر ما لشعبه، حتى لو كان بالاعتماد على صديق له، أو كان عبر تجاوز كل المعايير الدولية القانونية، والأخلاقية، والسياسية في ترسيخ احتلال أرض ليست له، وليست لأميركا، بل هي ملك دولة ذات سيادة، وملك شعب يعيش على أرضه عبر التاريخ. وإذا كان "بوتين" يقدم تبريره للشعب الروسي، بأن ما يفعله في سوريا هو لمصلحة روسيا، حتى لو كان تبريره مغمّساً بدم المدنيين الأبرياء، وكانت رائحة الجريمة البشعة تفوح منه، وإذا كانت إيران تخطط فعلاً لابتلاع سوريا، وإذا كانت تركيا تريد حماية أمنها القومي و..و.. فما الذي سيقوله بشار الأسد للسوريين وهم يرون الآخرين الذين يتقاسمون بلادهم بعد أن فعل بها ما فعل؟ وبعد أن أضعفها إلى حد أن يستبيحها الآخرون، وتصبح أرضها مشاعاً، وشعبها مستباحاً، وكيف سيُعرب لهم فهمه الجديد للسيادة الوطنية؟

كل الشعوب تسأل قادتها عمّا فعلته من أجلهم، وتحاسبهم، قبل أن تعيد منحهم ثقتها، إلا في هذه البلاد المنكوبة، المباحة، المستباحة، فإنها تستسلم لطغاتها، يدمرونها، ويقتلون أبناءها، ويهجرونهم، وينهبون مافيها، ثم يرغمون من تبقى على أن يصوّت لهم.

ليس السؤال برسم الطغاة، فهم لم يصلوا إلى طغيانهم لأن شعوبهم باركتهم، ومنحتهم ثقتها، بل هو برسم من يغمضون أعينهم عن مصير أوطانهم، وعن مصير أجيالهم، ويرون أن الوطن مختصر بطاغية، وأن معنى الحياة وغايتها أن يكونوا عبيداً له.

طوال ما يزيد على نصف قرن من حكم عائلة الأسد لسوريا هل يمكن لأي سوري أن يتجاهل ما فعلته هذه العقود بسوريا، وإلى أين أوصلتها، وكم سيحتاج الشعب السوري من الإمكانات والوقت، لكي يستعيد ما كانت عليه سوريا قبل حكم هذه العائلة؟

لا يحتاج الأمر إلى كثير من العناء، فهذا الخراب الممتد على مساحة سوريا، وهؤلاء السوريون الهاربون من جحيم عائلة الأسد، والمنتشرين على مساحة العالم، وهؤلاء السوريون المحاصرون في خيامهم بالبرد والجوع، وهذا القهر الذي يلفّ سوريا من كل جهاتها، ألا يكفي للدلالة على دور عائلة الأسد، وماذا ينتظر سوريا فيما لو بقي بشار الأسد في موقع السلطة؟