تغيب بشار الأسد عن جنازة رئيسي.. أزمة ثقة تتفاقم بين النظام وطهران

2024.06.04 | 05:43 دمشق

بشار الأسد يعزي خامنئي
+A
حجم الخط
-A

مما لاشك فيه أن العلاقات الإيرانية مع النظام السوري باتت تعاني أزمة ثقة واضحة بين الطرفيين، والتي برزت من خلال العلاقة الأخيرة التي سادها الفتور بين الطرفين  وكانت القشة التي قسمت ظهر البعير في العلاقات هو تأخر بشار الأسد عن حضور جنازة الرئيس إبراهيم رئيسي، حيث اكتفى النظام بداية بإرسال رسائل التعزية وإعلان التضامن والحداد مع إيران .

التغيب السوري الواضح عن المراسم الرسمية بتاريخ 21 من أيار 2024 لوداع الرئيس الإيراني، أظهر أن الأزمة ما يزال يستعر لهيبها تحت الرماد على الرغم أن العلاقة لم تفكك بينهما ولم تنقطع العلاقات بين البلدين. ولكنها أظهرت مدى الفجوة التي باتت تتسع بين الطرفين بشكل واضح والتي انعكست بغياب بشار الأسد الحليف والصديق المقرب للنظام النظام الإيراني والذي دخل مع طهران في تحالف وطيد عندما اندلعت الثورة السورية حيث استعان بميليشياتها وخبراتها وأموالها لقمع انتفاضة الشعب الأعزل.

لقد حضر مراسم الجنازة نحو 70 دولة ممثلة بوفود رسمية منها من هي قريبة من النظام الإيراني ومنهم من حضر لأول مرة منذ تأسيس النظام الجديد كما حال مصر، التي شاركت بوزير خارجيتها وتونس برئيسها المختلف مع توجهات الثورة الإيرانية، وحتى الوفود الخليجية التي ما تزال تأمل بإدارة العلاقات مع إيران بمفهوم حسن الجوار.

لكن بشار الأسد كان غائبا عن المشهد بالرغم من أنه حاول تبرير عدم مشاركته في الجنازة الرسمية بالقول إنه سيأتي لاحقًا، وبالفعل زار بشار الأسد إيران ليرفع رصيده عند المرشد الأعلى وخاصة بعد اعتماد سفير سعودي جديد في دمشق بعد القطيعة وكأنه ذهب لكي يساوم كالعادة.

منذ عودة بشار الأسد إلى الجامعة العربية في قمة الرياض حاول أن يقدم خطة واضحة للعودة إلى الحضن العربي من خلال الابتعاد التدريجي عن إيران ومحورها. وبالتالي على الدول العربية احتضان الأسد وتقديم يد العون له حيث كانت النظرية القائمة مع العرب الخطوة مقابل خطوتين لكن الأسد فشل فشلا ذريعا في الوفاء بتعهداته أمام الدول العربية وشاهدنا بأن الكبتاغون كان سيد الموقف والذي ما يزال يهدد أمن الدول العربية وتحديدًا المملكة الأردنية .

وحتى في قمة المنامة التي حضر فيها الأسد ولم تُعطَ له كلمة ظنًا بأنه سيعتذر ولن يذهب للمشاركة في القمة العربية لكنه فاجأ الجميع  بالحضور الصامت.

إذن الأسد يعيد تموضعه من جديد بعد فشله في التوجه نحو الحضن العربي، فحاول التوجه نحو الغرب والاستدارة المفروض أن يمارسها لكي تقع هذه الأهداف في تموضعه الجديد دون فك الارتباط بالنظام الإيراني.

بالفعل زار بشار الأسد إيران ليرفع رصيده عند المرشد الأعلى وخاصة بعد اعتماد سفير سعودي جديد في دمشق بعد القطيعة وكأنه ذهب لكي يساوم كالعادة

نحن نراقب عملية  طوفان الأقصى والمشاركة الكاملة للمحور الإيراني في المواجهات حيث كان نظام الأسد مبتعدا عنها وعن الدخول فيها لا بإطلاق الصواريخ ولا بإطلاق البيانات التصعيدية أو إخراج المظاهرات المؤيدة للحرب التي تخوضها إيران وحليفتها حماس، بالرغم من أن الصواريخ الإيرانية من خلال الحرس الثوري وحزب الله كانت تطلقها من سوريا وكذلك حركة الميليشيات كانت واضحة في هذا الإطار، عزل لذلك نظام الأسد نفسه عن هذه المواجهة لكنه حاول في خطابه بمؤتمر البعث الذي عقد بتاريخ  5 من نيسان 2024 تحت عنوان "إعادة تموضع البعث الجديد" حيث أطلق الصرخة بوجه المعارضة السورية محاولا تحديها بأنها لم تطلق صاروخا  باتجاه إسرائيل، ولم  تشارك في أي مظاهرات لدعم غزة. وكأن الأسد يحمل مسؤولية التقاعس في دعم غزة للمعارضة البعيدة جدًا عن خط المواجهة مع العدو الإسرائيلي وهي لا تستطيع إخراج الناس للتظاهر كي لا يطلق الرصاص عليهم من قبل النظام نفسه، ومع ذلك خرجت مظاهرات تضامنا مع غزة في الشمال.

طبعًا الأسد يعلم جيدًا ذلك ولكنه يعفي نفسه من كل هذه الأسئلة التي تطرح عليه لعدم المشاركة في القتال وكونه جزءًا أساسيًا من "محور الممانعة"، وبهذا الشيء حاول أن يبعد نفسه ونظامه من المواجهة بالرغم من أن الطائرات الحربية والمسيرات والصواريخ الإسرائيلية تتمختر فوق دمشق وتضرب أهدافا حية ومواقع ومخازن وأماكن تصنيع سلاح تستخدمها ايران، حيث يتم إتلافها وإنزال إصابات عديدة في صفوف الميليشيات الإيرانية والحشود الولائية. 

لكن المشكلة التي أزعجت نظام الأسد ظهور تلميحات من النظام الإيراني عبر الصحف وشاشات التلفزة المقربة من إيران بأن عدد هذه الضربات الموجعة التي تلقتها إيران في سوريا ناتجة عن اختراقات للأجهزة الأمنية السورية من الموساد، وهي محاولة إيرانية لتحميل الفشل الأمني الإيراني لسوريا ونظامها وأجهزتها الأمنية حيث باتت تعلو الأصوات بأن هناك اختراقا أمنيا في سوريا وهذه الاتهامات دفعت برئيس أحد الأجهزة الأمنية السورية للقول لزواره الذين طرحوا هذا الموضوع إن طرح شبهة من هذا النوع "قد يكسر الجرة بين الأصدقاء".

إن التوتر الذي بلغ ذروته في الأشهر الماضية بين الطرفين عندما أرسلت الأجهزة الأمنية الإيرانية "رسالة مكتوبة" إلى نظيرتها السورية اشتكت فيه تلميحا من خرق أمني كبير لدى الجانب السوري ينعكس نجاحًا في الاستهدافات الإسرائيلية المتكررة للأراضي السورية، لتلي مطالبات إيرانية من دمشق بمنح أراضٍ زراعية وامتيازات المشاريع وإدارة قطاعات حيوية أسوة بالجانب الروسي، الذي تتولى شركات منه إدارة مناجم الفوسفات ومصانع للسماد وقطاعات أخرى كانت مملوكة ومدارة من قبل شركات حكومية سورية في الماضي.

لكن الاغتيالات المتكررة للمستشارين الإيرانيين كانت تدفع بالكثير من الأصوات القريبة من طهران للقول بوجود اختراق أمني أو تغاضٍ سوري كبير عما يحدث خصوصًا أن هؤلاء القادة عملوا في سوريا في سنوات الحرب، في ظروف أصعب وأكثر انكشافًا من الناحية الأمنية، وعلى عدة جبهات، ولم يقتل منهم هذا العدد الكبير.

إيران تلقت في القنصلية ضربة موجعة لا تقل أهمية عن عملية اغتيال قاسم سليماني. حيث كان زاهدي قد وصل إلى سوريا قبل نحو 24 ساعة من الهجوم وكان يقيم في مجمع السفارة هو  واثنان آخران من كبار القادة، وذلك وفقاً لما ذكره مصدر إيراني آخر طلب مثل باقي المصادر عدم ذكر اسمه بسبب حساسية الأمر.

وجاء تدمير مقر القنصلية الإيرانية في دمشق الذي تعرض للقصف وأدى إلى سقوط 13 شخصًا، بينهم العميد محمد رضا زاهدي، القيادي في "فيلق القدس" - الفرع الخارجي لـ"الحرس الثوري الإيراني"، ليرفع من حدة التوتر بين الطرفين، حيث أعلن مصدر إيراني تأكيده أن محمد رضا زاهدي القيادي الكبير في الحرس الثوري كان قد وصل إلى سوريا قبل الضربة بيوم واحد، فإن زاهدي اضطلع بدور مهم في "إدارة ترسيخ النشاط الإيراني في سوريا ولبنان، وأن هذه  الضربة تشكل تصعيدًا خطيرًا في الحملة الإسرائيلية الأوسع نطاقًا لتقويض النفوذ الذي اكتسبته إيران في سوريا على مدى العقد الماضي.

إن طهران البراغماتية ستغض النظر عن الخلاف وستعدّل أساليبها في ضوء الهجوم، من دون الخوض في مزيد من التفاصيل مع دمشق. وأنه لم يعد هناك أي مكان آمن في سوريا بعد تعدي إسرائيل على الأعراف الدبلوماسية.

إذن ما تزال التوترات الواضحة بين الطرفين وخاصة أن إيران لا تريد فك الارتباط مع نظام الأسد بعد كل الذي دفعته من أموال وجهود وقدرات في قتل الشعب السوري لبقاء نظامه بطريقة هزلية، لكنها اليوم أيضا لا تريد الدخول في صراع ومواجهات مع الأجهزة الأمنية التابعة للنظام, فهذه الأجهزة سوف تفتش عن حماية جدية تساعدها في البقاء والمواجهة. وربما العديد من هذه الأجهزة سوف تطلب الحماية الروسية التي تضع روسيا على المكانة الإيرانية الميدانية نفسها ويصبح القرار أكثر تمركزا بيد الروس، بعد أن بات القرار السوري بيد الحرس الثوري وميليشياته، لكن موت رئيسي قد يتطلب تجميد هذا الصراع وعدم فتح أبواب المواجهة مع دمشق وعدم اتهامها بالتواطؤ مع الموساد الإسرائيلي لأنه بات معروفا بأن الاختراق الكبير للجسم الإيراني من الموساد الإسرائيلي وتصريحات لمسؤولين كبار مثل (الرئيس السابق أحمدي نجاد وعلي يونس وزير الاستخبارات السابق) وهذا يؤكد بأن الصراع بات مفتوحًا والهوة تتسع بين الجيش والحرس الثوري ولم يعد بالإمكان إخفاء هذه الإخفاقات الإيرانية ورميها على النظام السوري الذي أصبح يفتش عن بديل لحمايته لأنه بات يعرف أن أي تسوية قادمة ستبتلع نظامه لمصلحة إيران وحرسها الثوري.

كلمات مفتاحية