تضخم دور حزب الله مقدمة لنهايته

2019.11.20 | 18:13 دمشق

anshab_hzb_allh_mn_swrya.jpg
+A
حجم الخط
-A

لم يخفِ حزب الله منذ تأسيسه في بداية الثمانينيات من القرن الماضي هويته الأيديولوجية والسياسية، حيث أعلن بكل وقاحة أنه ذراع للحرس الثوري الإيراني، وتابع تبعية مطلقة لسيده "الولي الفقيه"، كما لم يخبئ مصدر تمويله، متحدياً كل الأعراف والأصول القانونية والأخلاقية بإعلانه أنه يتلقى "معاشاته وأسلحته وعتاده من إيران"، وبالتالي من الطبيعي أن نقول عنه إنه ليس حزباً له الصفة الوطنية، وإنما ميليشيا إيرانية بالكامل من حيث الانتماء والولاء والتوجه، ولا تعدو لبنانيته سوى أن لبنان هي نقطة انطلاقه، وأن عناصره مولودون في لبنان لا أكثر.

استغلت إيران تراجع الدور العربي الرسمي في الدفاع عن القضايا العربية، واتخذت من اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982 فرصة لإرسال عناصر من الحرس الثوري لتأسيس ما صار يُعرف بحزب الله، الذي جعل من مهمة تحرير لبنان غطاء وشعاراً يتستر فيه من أجل توسيع قاعدته الشعبية، وأسر الطائفة الشيعية وتحويل انتمائها إلى إيران. وتحت ذلك الستار وبدعم هائل من إيران ومن نظام الأسد الأب تمكن من تصفية جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، وتصفية الكثير من رموزها بما فيهم شخصيات ثقافية وسياسية من الطائفة الشيعية، مما جعل منه في النهاية جهة وحيدة حصرية محتكرة لـ "المقاومة والممانعة".

ثمة محطات في لبنان جعلت منه قوة كبرى لا يُستهان بها، وتفوق قدرة الجيش اللبناني، الأولى عام 2000 عقب انسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني، والثانية مع اغتيال رفيق الحريري عام 2005، والثالثة في أعقاب حرب تموز 2006 مع إسرائيل التي "جعلت من زعيمه شخصية شعبية في العالم العربي"، والرابعة اجتياحه لبيروت في أيار 2007، حيث أظهر نفسه أنه القوة الوحيدة المتحكمة في مصير لبنان على المستويين الداخلي والخارجي، وهو الأمر الذي ترسخ في اللقاء الذي جمع  أحمدي نجاد مع كل من بشار الأسد وحسن نصر الله (كرئيس لبنان) في دمشق عام 2010، وبين أن ميليشيا نصرالله ليست دولة داخل دولة، وإنما الدولة في بلد لا دولة فيه.

وهو الأمر الذي ترسخ في اللقاء الذي جمع  أحمدي نجاد مع كل من بشار الأسد وحسن نصر الله (كرئيس لبنان) في دمشق عام 2010، وبين أن ميليشيا نصرالله ليست دولة داخل دولة، وإنما الدولة في بلد لا دولة فيه

ترسخت الزعامة الإيرانية في المحور الذي أسسته بين سوريا الأسد وميليشيا نصر الله، وعُرف بـ"محور المقاومة والممانعة"، والذي لم يكن سوى ترسيخ لاحتلال إيراني غايته قمع تطلعات الشعوب في الكرامة والحرية، وكانت أولى تجارب "مقاومته" في سوريا عقب اندلاع الثورة فيها، حيث لم تتأخر ميليشيا نصر الله عن التدخل ضد إرادة معظم السوريين، دعماً لـ "العمود الفقري" للمقاومة، حيث انتشرت تلك الميليشيا ومعها عناصر من الحرس الثوري الإيراني على عموم الجغرافيا السورية وبالتدريج، كاشفة عن وجهها "المقاوم" الحقيقي: الحرب ضد الشعوب، وهو الموقف الذي يتكرر اليوم في الثورة في لبنان. 

كان لتورط حزب الله في سوريا آثار كبيرة على أمن لبنان وتوازنه الطائفي الهش، حيث زاد من حدة التوتر السياسي والطائفي، كما فقد دوره المزعوم كقوة "مقاومة" لإسرائيل، والتفت نحو ترتيبة في لبنان ترسخ تبعيته الكاملة لإيران، حيث أجبر الجميع على تسوية الرئاسة في لبنان عام 2016، بعد تحالف مع عون وتياره العنصري، ذلك التحالف الذي جعل من مضايقة اللاجئين السوريين بأشكال لا تمت للبشر بصلة، الذين هجرتهم ميليشيا نصر الله وإيران، هدفاً أساسياً له، بغية إجبارهم على العودة إلى حتفهم لدى نظام الأسد، تحت ذرائع تافهة وعنصرية كالتي يلوكها جبران باسيل، الناطق الرسمي لذلك التحالف.   

نتيجة للمواقف الدولية، وخاصة الأميركية، التي اعتبرت من محاربة الإرهاب الإسلامي المتمثل في الحركات الجهادية (داعش والقاعدة) هدفاً وحيداً لها، والدعاوى الإيرانية بمشاركتها في تلك الحرب، وهي في جزء منها لحماية نظام الاستبداد -المسبب الأساسي لكل أشكال الإرهاب- خرجت إيران ومعها ميليشيا نصر الله كقوى "منتصرة" تسيطر بشكل مباشر على ثلاث عواصم عربية من بغداد إلى بيروت مروراً بدمشق، مرسخة حالة من تبعية القرار في تلك العواصم لقرار "الولي الفقيه" في طهران، في ما يشبه إلى حد بعيد النظام الاستعماري.       

خرجت إيران ومعها ميليشيا نصر الله كقوى "منتصرة" تسيطر بشكل مباشر على ثلاث عواصم عربية من بغداد إلى بيروت مروراً بدمشق، مرسخة حالة من تبعية القرار في تلك العواصم لقرار "الولي الفقيه" في طهران

كما تظهر الانتفاضات الحالية في العراق ولبنان، التي انطلقت رداً على المظالم الاقتصادية التي سببتها السياسات الإيرانية في تلك البلاد والتي استنزفت موارد البلاد خدمة لميليشياتها، وعلى الفساد المستشري الذي تحميه تلك الميليشيات، لكنها في جوهرها ثورة على الهيمنة الإيرانية وميليشياتها، وأهمهم ميليشيا نصر الله، الذي تجاوز دوره المحلي لدور إقليمي ملتحم بالدور الإيراني، مما جعل الخلاص منه ومن وراءه الهيمنة الإيرانية احتمالاً كبيراً، خاصة بعد امتداد التظاهرات إلى إيران نفسها احتجاجاً على حالة الإفقار والقمع والإنفاق على طموحاتها التوسعية.

رغم أن التحديات كبيرة أمام تلك الشعوب، لكن ما تظهره من إصرار وعزيمة في مقاومة تلك الهيمنة، ومن خلفها رموز الفساد والقمع المحلية، يضع البلاد على السكة الصحيحة، والتي غايتها التحرر من الهيمنة الإيرانية وميليشياتها، والذي هو المقدمة الضرورية لنيل كرامتها وحريتها لكون إيران أصبحت أشبه بالديناصور في المنطقة من بغداد إلى بيروت مروراً بدمشق، فإن فرصة شعوب المنطقة في استرداد كرامتها وحقوقها، واحتمال الخلاص من إيران وميليشياتها بفضل نضال شعوب تلك البلدان بات وارداً.

كلمات مفتاحية