تركيا والعودة لسياسة الصدام مع إسرائيل

2023.11.01 | 07:49 دمشق

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في نيويورك (الأناضول)
+A
حجم الخط
-A

بعد تكهنات كثيرة عن الموقف التركي الذي وُصف بالغامض أحياناً والمحايد أحياناً أخرى ها هو الرئيس رجب طيب أردوغان يضع النقاط على الحروف في حربه النفسية مع إسرائيل، إذ وصفها بأنها تتصرَّف كتنظيم إرهابي ينفّذ عمليات قتل وإجرام وإبادة جماعية، فيما وصف حماس بالحركة التحررية الجهادية.

هذه التصريحات تعيد إلى أذهاننا المواقف التركية الأردوغانية الحادة والصدامية مع إسرائيل ولعل أشهرها المواجهة الكلامية العنيفة مع الرئيس الإسرائيلي وقتها بيريز في دافوس 2009 والمشهورة بـ"One minute"، والذي قال فيها إنكم تتقنون قتل الأطفال بشكل جيد ليأتي بعدها العدوان الإسرائيلي على سفينة مافي مرمرة والتي كانت متجهة نحو غزة لفك الحصار عنها مما أدى إلى مقتل عشرة أشخاص من المواطنين الأتراك، عام 2010، ما زاد في التوتر الكبير بين الطرفين.

ورغم عودة الهدوء السياسي نوعاً ما بين الطرفين بعد اعتذار إسرائيل ودفع تعويضات لأُسر الضحايا، إلا أنّ التصريحات العنيفة من حين إلى آخر بقي يشنها الرئيس أردوغان ضد تل أبيب ونتنياهو بالذات، والذي قال عنه في مرات عدة بأنه مجرم حرب وقاتل، ومما زاد في تعميق الخلاف التركي الإسرائيلي اعتراف الرئيس الأميركي ترامب بالقدس كعاصمة لإسرائيل، ما دعا تركيا إلى طلب عقد اجتماع منظمة التعاون الإسلامي على مستوى الرؤساء، مرتين.

لا شك في أن عملية طوفان الأقصى هي السبب الرئيسي لتصريحات أردوغان الأخيرة، وهذا يعني أن العلاقات بين أنقرة وتل أبيب ستعود لمرحلة الصفر في الأيام المقبلة ولن تعود طالما بقي نتنياهو في السلطة

لا شك في أن عملية طوفان الأقصى هي السبب الرئيسي لتصريحات أردوغان الأخيرة، وهذا يعني أن العلاقات بين أنقرة وتل أبيب ستعود لمرحلة الصفر في الأيام المقبلة ولن تعود طالما بقي نتنياهو في السلطة، وربما ستحتاج عودة العلاقات جلسة ثانية كالتي عقدها أردوغان في 21 أيلول الماضي مع قيادات منظمات يهودية في أميركا (شارك وقتها قرابة 60 من تلك القيادات) لكن هذا لن يحصل إلا بعد توقف العدوان على غزة.

نتنياهو الذي قال إن خارطة الشرق الأوسط ستتغير لصالح إسرائيل، لكن يبدو اليوم أن العكس هو الصحيح، فكل ما تمر به إسرائيل اليوم هو كارثي بالمعنى الحرفي لكل مشاريعها الاقتصادية فلا يمكن للخط التجاري أن يمر من الهند باتجاه إسرائيل وكل هذه الصواريخ التي تنطلق من غزة، ولا يمكن لمشروع مثل هذا أن يقوم ما لم يكن هناك هدوء وسلام واستقرار حقيقي في المنطقة.

وهذا لن يتحقق ما لم يتم حل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين ولعل عملية طوفان الأقصى أثبتت ذلك وهذا الأمر في مجمله يخدم تركيا ومصر بشكل كبير، وهما اللتان استبعدتا من المشروع الكبير الذي كانت تقوده الولايات المتحدة الأميركية، وهذا يعني أيضاً العودة بالتفكير التقليدي للطرق التجارية التي تمر عبر تركيا الدولة التي تصل بين أسيا وأوروبا جغرافياً.

وفي الوقت نفسه سيخدم في عودة العلاقات التركية المصرية وبشكل استراتيجي واقتصادي كبير جداً وربما خارطة الشرق الأوسط التي تغيرت خلال العقد الفائت ستتحول إلى شكل مغاير لكن هذه المرة على حساب إسرائيل التي خسرت حتى الآن إضافة لما سبق، مشاريعها الخاصة في إنشاء خطوط الطاقة المنطلقة من شواطئها نحو أوروبا، التي ألغت عقودها في توريد الغاز من روسيا بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا.

وأخيراً يمكن القول إن الصدام التركي الإسرائيلي هذه المرة سيكون لصالح تركيا وأن الموقف الأخير الذي اتخذه أردوغان سيزيد من الشعبية له سواء في داخل تركيا أو خارجها، وحتى التصرفات العنصرية التي شهدتها تركيا مؤخراً ضد بعض الأطراف العربية قد تتلاشى بسبب الموقف التركي من القضية الفلسطينية إضافة لما يحدث في غزة من قتل للأبرياء من المدنيين.