تركيا حلت جميع الملفات الخارجية إلا الملف السوري!

2024.02.27 | 08:06 دمشق

آخر تحديث: 27.02.2024 | 08:06 دمشق

تركيا حلت جميع الملفات الخارجية إلا الملف السوري!
+A
حجم الخط
-A

بعد فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية، ترسخت سياسة صفر مشكلات من خلال الحكومة التركية الجديدة التي تواجه تحديات كبيرة، ومن أصعب هذه التحديات هو تحسين الوضع الاقتصادي الذي تدهور كثيرا منذ جائحة كورونا، ويبدو أن أنقرة فهمت أن مفتاح الاقتصاد الجيد هو تطوير العلاقات السياسية مع الدول الأخرى، وإن كان هناك ملفات خلافية مع بعض الدول هذا لا يعني القطيعة بل هذا يتطلب تجميد النقاط الخلافية والتركيز على المصالح المشتركة.

بناءً على سياسة صفر مشكلات تقاربت تركيا مع العديد من الدول، ومنها الدول الخليجية، ونرى حاليا أن العلاقات التركية الخارجية لم تقتصر على عودة العلاقات فحسب، بل على تطوير العلاقات التركية الخليجية على الأصعدة كافة السياسية الاقتصادية الثقافية الدفاعية فلقد شهدنا توقيع كثير من الاتفاقيات التركية الإماراتية التي تهدف لرفع التبادل التجاري بين البلدين، وشهدنا أيضا توقيع اتفاقيات حول موضوع الصناعات الدفاعية مع السعودية، ومن هذا نفهم أن تركيا لم تكتف بعودة العلاقات مع الدول الخليجية بل تحاول التعاون مع هذه الدول من خلال مشاريع استراتيجية طويلة الأمد، إيمانا من أنقرة بأن تحسين الوضع الاقتصادي المتمثل بالتغلب على التضخم وانخفاض معدل الدولار أمام الليرة التركية هو عملية طويلة الأمد تحتاج إلى سنوات.

هدف كل الزيارات كان التقارب رغما عن الخلافات، والزيارة الأخيرة للرئيس التركي أردوغان إلى اليونان تعد صفحة جديدة بين البلدين طوت خلفها صفحات صعبة لكلا البلدين كانت تنذر بصدام عسكري مباشر بين تركيا واليونان

بعد الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا، رأينا بعض التقارب التركي اليوناني بعد مرحلة طويلة من التوتر المستمر بين البلدين، لهذا حاولت أثينا استغلال ظروف الزلزال لتتقارب مع أنقرة، وطبعا في هذه الحالة أنقرة كانت مستعدة لهذا التقارب، بسبب التحديات الكبيرة التي تواجهها تركيا، ومع مرور الوقت رأينا تكثيف للزيارات المتبادلة بين مسؤولي الدولتين، وهدف كل الزيارات كان التقارب رغما عن الخلافات، والزيارة الأخيرة للرئيس التركي أردوغان إلى اليونان تعد صفحة جديدة بين البلدين طوت خلفها صفحات صعبة لكلا البلدين كانت تنذر بصدام عسكري مباشر بين تركيا واليونان.

على الرغم من الدعم التركي لأذربيجان ضد أرمينيا، بسبب إقليم قرباغ، فإن مصالح تركيا طويلة المدى تعمل على تطوير نهج أكثر إيجابية تجاه أرمينيا وفتح طرق تجارية مباشرة إلى أذربيجان وغيرها من الجمهوريات التركية في آسيا الوسطى والحد من النفوذ الغربي والروسي في جنوبي القوقاز من خلال موطئ قدم لها في المنطقة من خلال ممر زنغازور، لهذا بعد انتصار أذربيجان في إقليم قرباغ، تركيا انتهجت سياسة هادئة تجاه أرمينيا ويبدو أن تركيا قد أقنعتها بأن نتائج التعاون بين أرمينيا وتركيا ستكون أفضل من نتائج العداء بين هاتين الدولتين اللتين تمتلكان موضعا جيو سياسيا من الممكن استثماره بشكل ثنائي.

أما العلاقات التركية المصرية فهي بدأت بمونديال قطر 2022 عندما التقى الرئيس أردوغان بنظيره السيسي في قطر بجهود قطرية، ومنذ ذلك اليوم قرر الزعيمان عودة العلاقات، واتسمت عودة العلاقات التركية المصرية بالبطء الشديد، وهذا بسبب أزمة الثقة التي ترسخت خلال عقد من الزمن بين البلدين، بسبب ملفات خلافية، وكان أهمها ملف الإخوان والملف الليبي، ولهذا نستطيع القول إنَّ الهدف الرئيسي لزيارة الرئيس أردوغان إلى مصر قبل أيام كان، تعزيز الثقة السياسية أي إنها كانت زيارة تأسيسة لتعاون تركي مصري عبر جميع المجالات السياسية والاقتصادية والسياحية والدفاعية من خلال إعادة تأهيل المجلس التركي المصري الاستراتيجي في الزيارة الأخيرة للرئيس التركي لمصر.

الملف الليبي أيضا يشهد تطورات كبيرة، وهذا ما نفهمه من الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى طرابلس حيث لمح الوزير فيدان إلى إمكانية إعادة فتح القنصلية التركية في بنغازي في المستقبل القريب، وهذا طبعا نتيجة التعاون التركي المصري الإماراتي في هذا الملف، حيث اتفقت كل الأطراف على ضرورة إقامة انتخابات تضمن وحدة الأراضي الليبية، وتنهي المرحلة الانتقالية الصعبة في ليبيا.

على الصعيد الدولي أيضا، وافقت تركيا على انضمام السويد إلى حلف الناتو بعد سنتين من الانتظار، وهذا ما سيعزز العلاقات التركية الأوروبية بشكل عام والعلاقات التركية السويدية بشكل خاص.

تركيا وضعت ملف العملية العسكرية على الطاولة، فإن لم تستطع تركيا إقناع الأطراف بسوريا بالخطر الذي يحدق بها، بسبب وجود ميليشيات وتنظيمات انفصالية على حدودها، سيبقى خيار العملية العسكرية الخيار الأخير لتركيا

تركيا حلت جميع الملفات الخارجية إلا الملف السوري! ، هذا الملف الذي أصبح ينغص على القرن التركي الجديد الذي يتسم بسياسة ناعمة واستقرار أمني واقتصاد مزدهر، فالتهديدات الأمنية مستمرة على الحدود التركية السورية وأعداد اللاجئين السوريين لا تزال مرتفعة في تركيا والدول الأخرى، وأكثر ما يقلق أنقرة هو تقسيم سوريا وإنشاء دولة كردية هدفها التمدد بحكم الوجود الكردي الكبير في منطقة الشرق الأوسط، ولهذه الأسباب حاولت القيادة التركية التطبيع مع النظام في دمشق على أساس القرار الأممي 2254 الذي ينص على إقامة حكومة مشتركة بين أعضاء النظام والمعارضة وإنشاء دستور جديد وإجراء انتخابات سورية حرة نزيهة تضمن وحدة الأراضي السورية، ولكن يبدو أن هذا القرار لم يرق للجانب الإيراني الذي دفع الغالي والنفيس خلال عقد من الزمن للتغلغل في الجغرافية السورية عسكريا وعقائديا واقتصاديا، لذلك عملت إيران على عرقلة عملية التطبيع التركي السوري، وإن كان الجانب الروسي مرنا أكثر من الجانب الإيراني، ولكن هو أيضا ما يزال يعتقد بأن النظام بدمشق قابل للتأهيل، ونحن نعلم جيدا أن النظام السوري غير قابل للتأهيل، وأصبح أداة بيد الروسي والإيراني، ولا يملك حق تقرير المصير، والصعوبة في الملف السوري تكمن بتعدد الأطراف وتعدد مصالح الأطراف المتنازعة، فمن الصعب جدا أن نجد حلاً مشتركاً يخدم مصالح سوريا وتركيا وروسيا وإيران والولايات المتحدة في آن واحد، بل إنه شبه مستحيل في الظروف الحالية، لذلك تركيا وضعت ملف العملية العسكرية على الطاولة، فإن لم تستطع تركيا إقناع الأطراف بسوريا بالخطر الذي يحدق بها، بسبب وجود ميليشيات وتنظيمات انفصالية على حدودها، سيبقى خيار العملية العسكرية الخيار الأخير لتركيا.

المشكلة في الملف السوري أنه ملف دولي على الأرض السورية، وتعدد الأطراف في هذا الملف يكبر الفاتورة على الشعب السوري الذي بدأ يفقد الأمل شيئا فشيئا، فلا يوجد حل في الأفق والسنوات تمضي والأطفال السوريون يكبرون، ويترعرعون خارج سوريا وتركيا الجارة لا تستطيع حل هذا الملف، بسبب كثرة الأطراف المتصارعة به، ولهذا أعتقد أن الملف السوري سيكون من أعقد وأخطر الملفات في القرن التركي الجديد.