icon
التغطية الحية

تركيا أغلقت المعابر مع سوريا وآلاف المرضى في خطر ومعاناة مروعة

2020.05.12 | 15:23 دمشق

sqq.jpg
سيارات إسعاف في معبر باب الهوى شمال إدلب (إنترنت)
تلفزيون سوريا - عبدالله الموسى
+A
حجم الخط
-A

يعاني آلاف المرضى بحالات حرجة في شمال غرب سوريا، من انعدام سبل علاجهم بعد إغلاق تركيا لحدودها ضمن قيود الحد من انتشار وباء كورونا، وعدم توفّر مراكز طبية في مناطق سيطرة المعارضة، قادرة على التعامل مع حالات خطيرة مثل السرطان والأمراض القلبية والعصبية وغيرها.

وبحسب إحصائيات مكتب التنسيق الطبي في معبر باب الهوى، فقد دخل خلال العام الفائت 2019، من معبر باب الهوى وحده، أكثر من 10 آلاف مريض لتلقي العلاج في تركيا، وأرسل المكتب الطبي إلى تركيا 3942 حالة إسعاف، و5948 "حالات باردة" من بينها 2014 حالة سرطان و1972 حالة قلبية و470 حالة عصبية و52 حالة لتركيب أطراف و1440 حالة مختلفة.

وفي حين دخل من المعبر منذ بداية العام، 309 حالات إسعاف و710 حالات باردة في كانون الثاني، و349 حالة إسعاف و669 حالة باردة في شباط؛ بدأت الأعداد بالانخفاض في آذار إلى 257 حالة إسعاف و367 حالة باردة، ثم كان عدد حالات الإسعاف في شهر نيسان 15 حالة، أما الحالات الباردة فقد كانت "صفر".

ونستعرض هذه الإحصائيات لإظهار الأعداد الكبيرة التي تحتاج للدخول إلى تركيا على أمل الحصول على علاج وإجراء عمليات لا يمكن إجراؤها في الداخل السوري، وهذه الإحصائيات لمعبر باب الهوى فقط، حيث هنالك أيضاً معبر الراعي شمال شرق حلب.

ومع إغلاق تركيا لحدودها ومن بينها الحدود السورية، كثُرت الدعوات على وسائل التواصل الاجتماعي لحالات مروّعة من أمراض عدة، تطالب تركيا بالسماح لهم بالدخول، ونجحت حملات التواصل الاجتماعي هذه في إدخال حالتين فقط، إحداهما في الثاني من الشهر الجاري لطفل يعاني من مشكلة قلبية عمره 10 أعوام، والحالة الأخرى هي لطفلة سورية في إدلب تعاني من مرض السرطان.

وقال مدير العلاقات والإعلام في معبر  باب الهوى الأستاذ مازن علوش لموقع تلفزيون سوريا، منذ بداية أزمة جائحة كورونا وبالتحديد الـ 13 من آذار الفائت، قام الجانب التركي بإغلاق المعبر أمام حركة المسافرين والمرضى واقتصر العمل فيه منذ ذلك الوقت على دخول الشحنات التجارية والإغاثية، وقبل ذلك كان الجانب التركي يسمح بشكل يومي بإدخال 30 حالة مرضية باردة وعدد غير محدود من الحالات الإسعافية. وسطياً من 10 إلى 15 حالة يومياً.

وأضاف علوش أنه بعد أن انتشرت مناشدات من الأهالي لإدخال بعض الحالات الخطيرة للعلاج في تركيا قام الجانب التركي بالاستجابة لبعض هذه الحالات وبدأ يقبل دخول بعض الحالات استثنائياً، شرط أن تكون بحالة خطر على الحياة. وذلك بعد تنسيق مباشر مع إدارة معبر باب الهوى التي تقوم بتقديم هذه الحالات مصحوبةً بالأوراق الثبوتية اللازمة.

وعلى الرغم من كل ذلك، أوضح علوش بأنه منذ 22 من نيسان الفائت وحتى الآن دخلت 35 حالة إسعاف استثنائية فقط وكانت حالات خطرة جداً. في حين لم تدخل أي حالة باردة عن طريق مكتب التنسيق الطبي في المعبر.

ويومياً يتم تقديم طلبات لحالات "باردة" للدخول إلى تركيا، لكن الجانب التركي لا يسمح إلا بدخول الحالات الإسعافية الخطرة جداً، وحتى لو سمح الوالي بدخول بعض الحالات فإن المكتب الطبي التركي هو صاحب القرار الاخير.

أما في ريفي حلب الشمالي والشرقي، فقد أوضح مدير معبر باب السلامة العميد قاسم قاسم لموقع تلفزيون سوريا بأنه ومنذ أكثر من عام، تم نقل عملية الإحالات الطبية إلى معبر الراعي، حيث كانت تأتي لجنة مؤلفة من 10 من أطباء أتراك كل يوم خميس إلى معبر الراعي لدراسة الحالات التي تقدمت بطلب للدخول إلى تركيا للعلاج، وهذه اللجنة هي من تقرر. ومعبري الراعي وباب السلامة تم إغلاقهما أيضاً بالكامل.

 

مرضى السرطان

تحدثت العديد من التقارير الإعلامية عن ازدياد واضح في أعداد مرضى السرطان في شمال غرب سوريا، وحاول أطباء تفسير ذلك دون إمكانية البت في الأسباب، ودخل خلال العام الفائت 2014 حالة سرطان للعلاج في تركيا، بمعدل 200 حالة شهرياً.

وأوضح مدير صحة حلب الدكتور عبد الباسط شيوخي والدكتور يحيى نعمة رئيس دائرة الرعاية الثانوية في مديرية صحة إدلب، ومدير فريق منسقو استجابة سوريا محمد حلاج، في حديثهم مع موقع تلفزيون سوريا، بأنه لا توجد إحصائية دقيقة لعدد مصابي السرطان في مناطق سيطرة المعارضة، لأنها حالات تخضع للعلاج إما في تركيا أو البعض قد يذهب إلى مناطق سيطرة النظام.

وأكد الطبيبان عدم وجود مراكز مخصصة لمرضى السرطان قادرة على تقديم العلاج الكيميائي والإشعاعي، ويوجد فقط طبيب أورام في عيادة يمكن أن يشرف على التحاليل ويعطي بعض الجرعات المدعومة من المنظمات أو مَن يستطيع شراء الجرعات.

وأشارا إلى وجود بعض الحالات التي تدفع ثمن جرعات علاجية يتم شراؤها من تركيا أو من مناطق سيطرة النظام، وحالات أخرى تعمل منظمات إنسانية على مساعدتها بتسديد ثمن الجرعات العلاجية التي يصل سعر الواحدة منها إلى حوالي 500 دولار أميركي.

ولفت حلاج إلى أن سيطرة النظام على منطقة المنصورة التي كانت تحتوي على عدد من معامل الأدوية الكبرى في سوريا، سبّب أزمة واضحة في تأمين الأودية وارتفاعاً كبيراً في أسعارها، حيث يعجز القسم الأكبر من دفع ثمن الدواء.

وأضاف شيوخي ونعمة بأن مرضى السرطان عندما كانت المعابر مفتوحة، كانت حالتهم سيئة للغاية، وبعد إغلاق المعابر زادت حالتهم سوءاً بأضعاف وأصبحت حياتهم مهددة بالخطر بشكل حقيقي.

 

"السرطان عم ياكل جسمها.. وصلوا صوتي مشان الله أمي".

عندما حاولنا الحديث مع الشاب اللاجئ في تركيا يحيى حسن لمعرفة حالة والدته الموجودة في مدينة الباب شرقي حلب والمصابة بسرطان الثدي الذي بدأ ينتشر سريعاً في جسدها؛ أخبرنا يحيى بأنه لا يستطيع الحديث حالياً لأنه لم ينم طوال الليل فقد كان مستيقظاً مع والدته التي لم يدعها الألم تنام.

يحيى كانت قد نشرت صفحة "كوزال" المعنية بالسوريين في تركيا تسجيلاً صوتياً له وهو يستجدي المساعدة لإدخال والدته لتلقي العلاج في تركيا، قال فيه "لو تشوف شلون المفصل عم يهتري، السرطان عم ياكله أكل.. عيونها عم تغمض وجسمها كله عم يموت وأنا هون عاجز ماني عارف شو بدي سوي وما بدي شي بدي يخف الوجع عن أمي.. وصلوا صوتي مشان الله.. أمي عم تموت قدامي وأنا ماني حسنان اعمل شي الها".

 

 

وقال الشاب في حديثه مع موقع تلفزيون سوريا بأنه مصاب حرب وعائلته مهجرة من دمشق، وأن والدته تلقّت علاجاً في مناطق سيطرة النظام عندما ظهر المرض قبل عامين.

وفي هذا السياق تابع الشاب يحيى "تلقت والدتي العلاج لمدة عامين قبل أن يتم تهجيرنا، لكنها لم تتلق العلاج الذي تلقته أسماء الأسد التي شُفيت منه في حين والدتي ما زالت تعاني حتى الآن، ولا يمكنها النوم أبداً بسبب الآلام، فالسرطان بدأ ينتشر في صدرها وجسدها".

 

الطفلة اليتيمة فاطمة حريري.. استثناء الوالي لم يفدها

تعاني الطفلة فاطمة حريري من مدينة بنش شمال إدلب من وجود ورم سرطاني في الفك السفلي، وهي بحاجة ماسة للدخول إلى تركيا لتلقي العلاج.

وأوضح "تجمع غوث التطوعي" بأن فاطمة توفي والدها، وتركتها والدتها عندما كانت بعمر الستة أشهر، وتعيش حالياً مع جدتها، وتكفّل الفريق التطوعي بدراستها منذ عام 2014.

 

 

وأضاف "التجمع" في حديثهم مع موقع تلفزيون سوريا بأن إدارة معبر باب الهوى عملت جهدها وطلب مدير المعبر من والي هاتاي إدخال الطفلة، وحصلوا على استثناء منه، لكن بعد ذهابهم إلى المعبر رفض الفريق الطبي التركي إدخالها واعتبروها بحكم الحالات "الباردة"، ليعود الجميع أدراجهم في حالة إحباط شديد.

 

WhatsApp Image 2020-05-11 at 4.52.37 PM.jpeg

 

 الطفل مصطفى حميدي

نشرت بوابة إدلب تقريراً عن حالة الطفل مصطفى حميدي الذي تزداد معاناته يوماً بعد يوم، بعد اكتشاف إصابته بالسرطان مؤخراً وعدم توفر العلاج في مناطق سيطرة المعارضة.
ويناشد ذوي الطفل السلطات التركية للسماح بإدخاله إلى تركيا للحصول على العلاج قبل فوات الأوان.

 

 

 

"الحالات الباردة" لا تقتصر على السرطان

بالعودة إلى إحصائيات المكتب الطبي في معبر باب الهوى للعام الفائت، فقد دخلت 1972 حالة قلبية، و470 حالة عصبية، و52 حالة لتركيب أطراف بعد تعرضها للبتر، و1440 حالة مختلفة.

ولا تقل بعض الحالات خطورة عن مرضى السرطان، بل بالعكس ففي حين يستطيع بعض مرضى السرطان شراء جرعات علاج كيميائي، لا يمكن لبعض الحالات المستعصية من مرضى أمراض القلب أو الأمراض العصبية القيام بأي شيء.

ولا يمكن معرفة عدد المرضى الذي فارقوا الحياة بسبب إغلاق المعابر التركية، لكن مراسل تلفزيون سوريا أكد بأن رجلاً عجوزاً ينحدر من بلدة جرجناز شرقي إدلب، توفي قبل أيام بمرض التهاب الكبد الوبائي، وذلك بعد عدة محاولات للدخول إلى تركيا لتلقي العلاج.

وقال أحمد عيسى مسؤول الحالات في فريق ملهم التطوعي بأنهم أجروا عملية قلب مفتوح لطفل في أحد مستشفيات إدلب، بقيمة 4500 دولار أميركي، وأشار إلى تلقيهم الكثير من طلبات المساعدة لحالات إنسانية بحاجة لعمليات جراحية أو علاج مكلف، على سبيل المثال تحتاج عملية القرنية إلى 3500 دولار، وجرعة الكيماوي لمرضى السرطان حوالي 500 دولار.

لم تسجل مناطق سيطرة المعارضة في شمال غرب سوريا أية حالة إصابة بفيروس كورونا، بعد إجراء تحاليل لـ 648 عينة لحالات مشتبه بها حتى اليوم، لكن الوباء يهدد حياة الآلاف بعد أن أجبر حكومات العالم على إغلاق حدودها، ولا يقتصر الأمر على تهديد حياة المرضى فقط، فالأوجاع الشديدة غير المحتملة التي يعاني منها المرضى وتفاقم حالتهم وسط عجز الأطباء وذويهم عن تقديم أي شيء لهم، هو عذاب مستمر لا يوجد في الأفق القريب بصيص نور يدفعهم للمقاومة والتحمل.

والكثير من الحالات التي تحتاج الدخول إلى تركيا لا تتوقف معاناتها هنا، فهي تعاني ويلات النزوح وضعف الموارد والمساعدات الإنسانية التي لا تكفي سوى 10 بالمئة من الاحتياجات الإنسانية لأكثر من مليون ونصف المليون مهجر بعد حملة النظام والروس الأخيرة على إدلب.