icon
التغطية الحية

تداعيات الانتخابات الأوروبية: هل يتغير ميزان القوى في الاتحاد؟

2024.06.11 | 15:29 دمشق

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون - المصدر: الإنترنت
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون - المصدر: الإنترنت
The Economist - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

تمخضت انتخابات البرلمان الأوروبي التي أقيمت في 6-9 حزيران عن نقد لاذع وجهه الناخبون لبعض أصحاب المناصب، وظهر أوضح نقد لهم في ألمانيا وفرنسا، ما دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للرد على هزيمة حزبه على يد اليمين المتشدد عبر حل البرلمان الفرنسي والدعوة لانتخابات مبكرة محفوفة بالمخاطر.

بيد أن الصعود المستمر للأحزاب الشعبوية في أكبر دولتين ضمن الاتحاد الأوروبي، على الرغم من عدم وجود مثيل لهذا الصعود في بقية الدول الأعضاء، لابد أن يصعب على الأحزاب الوسطية إدارة مؤسسات الاتحاد الأوروبي القوية في بروكسل من دون السعي للحصول على دعم السياسيين من أصحاب النزعة القومية الذين لم يكن أحد يقيم لهم أي وزن في السابق.

في فرنسا، كانت موجة صعود اليمين الشعبوي قوية لدرجة دفعت ماكرون للإعلان عن انتخابات جديدة للجمعية الوطنية في الثلاثين من حزيران والسابع من تموز، وهذا ما أثار دهشة الجميع واستغرابهم. إذ في التصويت من أجل البرلمان الأوروبي، والذي كان من المتوقع أن يكون آخر تصويت في عموم البلد قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2027، كان من المتوقع لحزب التجمع الوطني الذي تترأسه مارين لوبان أن يحصد تقريباً 32% من الأصوات، أي بنسبة تفوق ضعف النسبة التي حققها حزب ماكرون الذي هزم الحزب السابق بفارق ضئيل قبل خمس سنوات من الآن.

أضف إلى ذلك نسبة أخرى تعادل 5% تقريباً لصالح حزب الاسترداد وهو حزب يميني متطرف يهاجم المهاجرين وتتزعمه ابنة شقيقة لوبان، واسمها ماريون ماريشال، وبذلك أصبح اليمين المتشدد اليوم القوة السياسية الضاربة في البلد. بل حتى قبل إعلان نتيجة الانتخابات، طالبت الأحزاب المعارضة بحل البرلمان في حال هزيمة التحالف الوسطي الذي يقوده الرئيس، ولهذا قد يراهن ماكرون اليوم بما تبقى من مصداقيته السياسية في مناورة لابد أن تحد من شعبيته إلى أقصى الحدود بما أن الغالبية الساحقة من الأصوات ستذهب لحزب التجمع الوطني.

دراما الانتخابات تصل إلى ألمانيا

وفي ألمانيا سجل الائتلاف الحاكم أداء سيئاً للغاية، فقد هزم حزب البديل من أجل ألمانيا الأحزاب الثلاثة المؤلفة لهذا الائتلاف، على الرغم من سلسلة الفضائح التي طالت الحزب وأهم مرشح فيه خلال الحملة الانتخابية، (بل إنه طرد من التحالف الأوروبي الذي يضم التجمع الوطني وغيره من الأحزاب قبيل الانتخابات). في حين وصل الحزب الديمقراطي الاجتماعي الذي يترأسه المستشار أولاف شولتز إلى أدنى مستوياته في الانتخابات الوطنية وذلك خلال السنوات الـ150 من تأسيسه. أما الحزب الديمقراطي الحر الذي يعتبر شريكاً ضعيفاً في هذا الائتلاف، فبالكاد تجاوزت نسبة التصويت له 5%. وفي حال هبوط الحزب إلى ما دون السقف المتوقع له في الانتخابات العامة التي ستقام خلال العام المقبل، فسوف يخرج من البرلمان. في حين أن أهم حزب معارض وهو حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي فقد مضت أموره على خير، لا سيما بالنسبة للوسطيين الذين أضحوا محاصرين، إذ تصدر هذا الحزب التصويت بكل سهولة.

بالنسبة للجلبة التي حدثت في برلين وفي باريس بشكل خاص، لا يبدو بأن التوقعات التي تتحدث عن تسلم كبير لليمين المتشدد لزمام الأمور في الاتحاد الأوروبي قد تحققت، إذ إن البرلمان الجديد سيميل لليمين بنسبة أكبر، ويعود أحد أسباب ذلك إلى ضعف أداء الاشتراكيين ولا سيما الخضر. بيد أن التحول الأوسع نحو الأحزاب القومية قد تبدد في معظم الدول.

تحدثت التوقعات صبيحة يوم الإثنين عن ارتفاع طفيف في عدد المقاعد التي ستشغلها قوى من اليمين المتطرف في البرلمان، وتضم عدداً من الأحزاب المتحالفة وعلى رأسها حزب البديل من أجل ألمانيا وحزب التجمع الوطني وجورجيا ميلوني رئيسة وزراء إيطاليا، أي من ما دون 20% إلى نحو 22%.

إلا أن هذه النسبة كانت أقل بكثير مما كشفته استطلاعات الرأي التي قربت تلك النسبة من نسبة مقاعد يمين الوسط خلال مرحلة من المراحل، ووصلت لحد توقع حصول تلك الأحزاب على ربع الأصوات. وفي أغلب الدول، كان أداء القوميين من مختلف الأطياف أدنى مما هو متوقع.

تضارب مريب في النسب

وبالنسبة لخيرت فيلدرز، ذلك المتعصب من اليمين المتشدد الذي كسب غالبية الأصوات في الانتخابات الوطنية التي جرت في تشرين الثاني الماضي، فإنه خسر أمام خصومه من الوسط في هذه المرة. وفي بلجيكا، لم يفلح حزب فلانس ميلانج الذي يكره الأجانب في تصدر التصويت كما هو متوقع له. في حين أن الحزب الديمقراطي السويدي من اليمين المتشدد عاش ليلة نادرة حالكة السواد بخلاف التوقعات. وفي هنغاريا، حقق حزب فيديسز الذي يترأسه فيكتور أوربان المركز الأول، بيد أن الحليف الذي تحول إلى منافس لرئيس الوزراء المتشدد، واسمه بيتر ماغيار، حصد نسبة 30% من الأصوات. وفي إسبانيا والبرتغال، كان أداء اليمين المتشدد أدنى مما حدث خلال السباقات الانتخابية الوطنية الأخيرة، وفي بولندا، تفوق رئيس الوزراء الوسطي، دونالد تاسك، على حزب القانون والعدالة الذي يشكك في أوروبا، فيما حقق حزب ميلوني المرتبة الأولى في إيطاليا، إلا أن يسار الوسط لم يتخلف عن حزبها كثيراً.

على الرغم من التأثير الكبير الذي يمكن أن تخلفه الانتخابات الأوروبية على السياسة المحلية للدول الأعضاء، تعتمد الفكرة الأساسية للانتخابات الأوروبية التي تقام كل خمس سنوات على تعيين مجلس جديد مؤلف من 720 عضواً في بروكسل. وبالرغم من أن هؤلاء الأعضاء يتمتعون بسلطات قليلة مقارنة بالبرلمانيين في دولهم، يعتبر تأييدهم ضرورياً لسن أهم السياسات على مستوى الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها التخفيف من انبعاث غاز الكربون وصولاً إلى نسبة الصفر بحلول عام 2050، أو مواصلة تقديم العون لأوكرانيا.

وعليه، تتمثل أول مهمة ضرورية ينبغي على الأعضاء المنتخبين حديثاً في البرلمان الأوروبي القيام بها بالمصادقة على اختيار قادة أوروبا لرئيس المفوضية الأوروبية، التي تعد الذراع التنفيذي القوي للاتحاد الأوروبي. ولعل فرص من تشغل هذا المنصب اليوم، أي أورسولا فون دير لاين، ماتزال كبيرة في البقاء في منصبها بعد أن حقق التحالف من يمين الوسط، الذي يضم حزب الشعب الأوروبي الذي تنتمي إليه، المرتبة الأولى بل زادت نسبة المصوتين له مقارنة بنسبتهم في عام 2019. هذا وسيلتقي قادة الاتحاد الأوروبي البالغ عددهم 27 قائداً في 17 حزيران لمناقشة ما يتعلق بالمرشح المقترح لشغل هذا المنصب.

لكن حتى الزيادة المتواضعة في المقاعد التي ذهبت لليمين المتشدد قد تكون كافية لتصعب على ألمانيا أمر الحصول على الأغلبية للمصادقة على بقاء فون دير لاين في منصبها بين أعضاء البرلمان الأوروبي، والتي من المحتمل أن تقدم خلال شهر تموز المقبل، إذ إن الأربعمئة مقعد أو يزيدون والتي ستذهب للأحزاب التي دعمت فون دير لاين في عام 2019 قد لا تكون كافية لضمان 361 صوتاً ضمن عملية الاقتراع السرية. لذا فإن الأسابيع المقبلة ستتصدرها كما هو متوقع فكرة قدرة فون دير لاين على إقناع شخصيات من أمثال ميلوني على دعمها، وما هي الكلفة السياسية المترتبة على ذلك، ولكن حالياً، ستتوجه جميع الأنظار نحو فرنسا، حيث قد يجد أهم سياسي مؤيد للاتحاد الأوروبي نفسه وسلطته في حال يرثى لها على الساحة الأوروبية.

المصدر: The Economist