تحولات السياسة الخارجية السعودية بعد عام 2015

2023.04.09 | 06:29 دمشق

تحولات السياسة الخارجية السعودية بعد عام 2015
+A
حجم الخط
-A

أسست السياسة الخارجية السعودية منذ أكثر من ثلاث عقود من الزمن استناداً إلى ثلاث عوامل رئيسية: العامل الأول: العامل الاقتصادي وهو الاعتماد على النفط بشكل أساسي في دخل الدولة المالي، وقد وصلت مساهمة النفط إلى 90٪ من مجموع إيرادات الدولة المالية في عام 2015، فالسعودية لم تكن تعير أي اهتمام لجذب استثمارات خارجية تعزز من أداء الاقتصاد المحلي، بل كانت تعتمد في تمويل كل مشاريع البلاد من بناء البنية التحتية والخدمات على عائدات النفط. اعتماد الدولة على النفط انعكس على السياسة الخارجية للبلاد، فلم تكن الدولة مضطرة لتقديم أي تنازلات لأي دولة من أجل تحقيق مكاسب اقتصادية بحكم أن اقتصاد البلد ريعي يعتمد بالدرجة الأولى على النفط. العامل الثاني: الاعتماد المفرط على الولايات المتحدة الأميركية كحليف أمني وسياسي وعسكري، حيث لعبت الأخيرة دوراً مهماً على صعيد تحقيق الاستقرار في السعودية ومنطقة الخليج العربي من خلال تأسيس القواعد العسكرية، وتطوير الجيش السعودي من حيث التدريب والسلاح، حيث تصنف واشنطن الدولة الأكثر تصديراً للسلاح إلى الرياض، والتي سجلت 61 % من مجموع ما تستورده السعودية بحسب مركز أبحاث السلام والحرب في استوكهولم. العامل الثالث: وهو عامل ثابت، يتمثل بلعب السعودية دوراً قيادياً في زعامة العالم الإسلامي، بحكم وجود الأماكن الإسلامية المقدسة في "مكة المكرمة والمدينة المنورة" وهما وجهة للمسلمين في كل العالم.

نناقش في سطور هذه المقالة تحولات السياسة الخارجية السعودية بعد عام 2015، والتي بدأت مع تسلّم الملك سلمان للحكم وتعيين نجله محمد بن سلمان ولياً للعهد في عام 2017، وقد طرأت التحولات على العامل الأول المتعلق بالاقتصاد، والعامل الثاني المرتبط بالاعتماد على الولايات المتحدة الأميركية عسكرياً وامنياً، والعامل الثالث ثابت لم يتغير.

تحولات السياسة الخارجية السعودية المتعلق بالبعد الاقتصادي

أطلق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان رؤية 2030 والتي تتبنى استراتيجية تسعى لتحقيق تنوع في مصادر اقتصاد البلاد بدلاً من الاعتماد على تجارة النفط فقط، وانطلاقاً من ذلك أطلقت الرياض الاستراتيجية الوطنية لتوطين الصناعات الاستراتيجية مثل بناء 4 مصانع للطائرات من دون طيار، ومصنعين لصناعة السيارات الكهربائية، ومصانع للأدوية، إضافة لإنشاء 15 مصنعا مختصا في صناعات التكنولوجيا المتقدمة. كما تسعى السعودية إلى جذب الاستثمارات الأجنبية بعد البدء ببناء مشروع مدينة "نيوم"، حيث تستهدف الدولة من خلاله تطوير بنيةٍ تحتية قادرة على وضع السعودية كمركز لسلاسل الإمداد العالمية وأن تكون مركز تجارة ونقل دولي، ولتحقيق هذا الهدف أصدرت الدولة في فبراير 2021، قرارَ الامتناعِ عن ترسية تعاقدات حكومية على الشركات التي تقيم مراكز أعمالها خارج البلاد بعد 2024، بقصد جذب الشركات للعمل في الداخل، حيث تتخذ غالبية تلك الشركات الإمارات مقراً لها. وبذلك ستضطر الشركات الأجنبية العاملة في السعودية إلى نقل إقامة مقراتها الإقليمية إلى السعودية للحفاظ على عقودها، كما أعلنت الدولة عن عزمها إنفاق 147 مليار دولار لجعل السعودية "المحور اللوجستي" الجوي والبحري الرئيسي للمنطقة، من خلال: إنشاء خط سكة حديد عالي السرعة، وشركة طيران جديدة (شركة طيران الرياض)، وخدمات موانئ موسعة، وتسعى السعودية أيضاً لتشجيع السياحة في البلاد عبر إطلاق المهرجانات واحتضان الفعاليات الرياضية المهمة، وتأهيل العديد من المناطق السياحية.

ومن أجل إنجاح عملية التحول الاقتصادي، كان لا بد من السعودية أن تغيير في سياستها الخارجية وأن تصبح أكثر انفتاحاً على العالم ككل، فجذب الاستثمار وتحويل البلاد إلى مركز دولي يحتاج بيئة إقليمية آمنة، ودولة منفتحة على العلاقات مع كل دول العالم، وإلى اتخاذ الحياد من الأزمات بما لا يضر مصالح الدولة الاقتصادية، فعلى سبيل المثال في الحرب الروسية الأوكرانية الاخيرة وقفت السعودية على الحياد لحماية مصالحها مع روسيا فيما يخص تجارة النفط على الرغم من العلاقات العسكرية والسياسية التاريخية مع الغرب، لأنه ومن منظور تجاري فإن من مصلحة السعوديين التنسيق مع روسيا بخصوص إنتاج النفط بما يضمن المصلحة للطرفين، كما أن السعودية ترفض الإجراءات التي اتخذتها الدول الغربية فيما يخص تحديد سقف أسعار النفط الروسي، لأن هذا الإجراء يضر أيضاً بالسعودية وعلى أسعار النفط عالميا، ومن خلال الشراكة مع روسيا يمكن للسعودية أن تتحكم  أكثر في أسعار النفط.

تقليل الاعتماد على أميركا وتوسيع شبكة العلاقات الدولية

كانت السعودية في السابق تعتمد بشكل مفرط على الولايات المتحدة الأميركية في قضايا الأمن والدفاع، لكن في عهد الملك سلمان وولي العهد بدأت تظهر ملامح سعي السعودية لبناء شبكة من العلاقات الدولية مع الدول الكبرى مثل روسيا والصين، وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة التي لم تعد الشريك الأمني الأكثر موثوقية بسبب حادثين أمنيين:

  • الأول، في عام 2019 قامت إيران بالهجوم على منشآت أرامكو النفطية في منطقة بقيق السعودية من خلال طائرات مسيرة، وحينها لم تبد الولايات المتحدة الأميركية أي رد فعل تجاه حماية منشآت النفط في السعودية.
  • الثاني، سحب الولايات المتحدة الأميركية لمنظومة الدفاع الجوي "الباتريوت" من السعودية في الوقت الذي كانت السعودية تواجه فيه صواريخ الحوثيين البالستية. مما قوضت التصورات السعودية لأميركا بأنها ضامن موثوق.

قامت الرياض بتعزيز علاقاتها مع الصين وروسيا، انطلاقاً من تحقيق مصالحها بالدرجة الأولى، فقد طورت علاقاتها مع روسيا بعد أن فرضت الأخيرة نفسها كأحد أطراف القوى المؤثرة في الشرق الأوسط لاسيما بعد عام 2016، وترجمت السعودية ذلك بزيارة الملك سلمان إلى روسيا عام 2016، وشكلت الزيارة علامة فارقة مهمة لكلا البلدين، وخاصة فيما يتعلق بتنسيق أنشطة الدولتين في سوق النفط العالمية. وكان الحدث الأبرز الذي قرب السعودية أكثر من روسيا هي وقوف الأخيرة مع الرياض في فترة المقاطعة السياسية والضغط الدولي على السعودية بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي بقنصلية بلاده في إسطنبول، وقام بوتين في تلك الفترة وتحديداً في عام 2019 بزيارة للسعودية، ووقع خلالها البلدين على مجموعة من الاتفاقيات. إضافة لذلك قد تسعى السعودية في المستقبل بعقد صفقات شراء منظومة الدفاع الجوي الروسية S-400 بعدما سحبت الولايات المتحدة الأميركية منظومة "الباتريوت" من الأراضي السعودية.

وفيما يتعلق بعلاقات السعودية بالصين فقد شهدت نمواً بشكل ملفت بعد قيام الرئيس الصيني بزيارة هامة إلى الرياض في عام 2016، حيث قامت الدولتان بالتوقيع على "شراكة استراتيجية شاملة". وفي مارس 2017، قام الملك سلمان بزيارة إلى الصين وتلتها زيارة قام بها ولي العهد محمد بن سلمان إلى بكين في فبراير عام 2019، وقع حينها البلدان على 35 اتفاقية بقيمة 28 مليار دولار، وهذه الاتفاقيات هي ترجمة للشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين التي وقعت عام 2016. وفي نهاية عام 2022 قام الرئيس الصيني بزيارة تعد الأهم للسعودية لأنها جاءت في وقت يعيش فيها العالم أزمات متعددة لاسيما الحرب الروسية على أوكرانيا، وتوتر العلاقات السعودية الأميركية. وتحاول السعودية إبرام صفقات السلاح مع الصين تتضمن نقل تكنولوجيا صناعة السلاح إلى السعودية لاسيما إنتاج الصواريخ الباليستية والطائرات من دون طيار. ومن المهم التنويه على أن الصين هي أكبر شريك اقتصادي للسعودية.

كما تحاول السعودية في الفترة الأخيرة التعامل مع الدول التي تشكل خطرا بمستويات مختلفة على البلاد من خلال تجميد الملفات الساخنة معها بالطرق الدبلوماسية ولو بشكل مؤقت، وهو ما طبقته بالتوقيع على عودة العلاقات مع إيران، مما يسمح لها بتهيئة الظروف الأمنية اللازمة لإتمام رؤية 2030 ذات الأهداف الاقتصادية وتأمين الدعم الداخلي والخارجي لها، ومن دون الاعتماد على الولايات المتحدة الأميركية التي لم تبادر بسلوك أو موقف يساند السعودية في عدد من القضايا التي تشكل أهمية قصوى للأمن القومي السعودي.

في النتيجة أدركت السعودية أن العالم يتغير بشكل بطيء وتحاول الآن إظهار مرونة تجاه هذا التغيير كي لا تجد نفسها على الهامش وتحجز لها مكانا مهما في النظام الدولي، لذلك حرصت على إجراء تحولات ملحوظة في سياستها الخارجية، لإيجاد شركاء قادرين على مساندتها في تطوير صناعاتها المحلية لا سيما العسكرية والتكنولوجية، ووجدت مرونة مع الصين وروسيا في التعامل مع صفقات السلاح ونقل التكنولوجيا أكثر مما وجدته مع الأميركان. لكن تبقى السعودية حريصة على تحالفها العسكري والأمني مع الولايات المتحدة الأميركية بشكل تحوطي وعلى المدى الطويل.