icon
التغطية الحية

تأسيس الجمهورية التركية: 100 عام من التحول والإنجازات

2023.10.29 | 18:21 دمشق

آخر تحديث: 29.10.2023 | 18:21 دمشق

مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك
مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك
إسطنبول - خالد حمزة
+A
حجم الخط
-A

أنهت تركيا اليوم 29 من تشرين الأول/ أكتوبر مئويتها الأولى، وسط سياق إقليمي ودولي متوتر، إذ تشهد غزة عدوانا إسرائيليا هو الأعنف، في ظل جمود بالملف السوري يتخلله سخونة على حدودها الجنوبية، إضافة لاستمرار الحرب في أوكرانيا. 

أُسست جمهورية تركيا عام 1923 بقيادة مصطفى كمال أتاتورك الذي أعلن نهاية السلطنة العثمانية وبدء عهد جديد بدولة تستند إلى أسس ديمقراطية ومبادئ علمانية مشددة.

وجاء إعلان تأسيس الجمهورية التركية بعد سنوات من الحروب والصراعات التي شهدتها تركيا لتحقيق استقلالها. ومنذ ذلك الوقت شهدت البلاد تحولات وتحديات مهمة في مختلف المجالات.

ويرى الأتراك أن الاحتفال بعيد الجمهورية في كل عام مهم لتعزيز قيم الجمهورية والديمقراطية وللاحتفاء بتاريخ البلاد الحديث وتمثيل للوحدة الوطنية والتقدم والتحول في تركيا وتأكيد على القيم والمبادئ التي أقرت في إعلان الجمهورية مثل العلمانية والعدالة الاجتماعية والحريات الفردية.

كيف أعلنت الجمهورية؟

قبل سنوات من إعلان الجمهورية التركية طبقت بعض الخطوات الداعمة للديمقراطية في نظام حكم السلطنة العثمانية واستمرت هذه المحاولات حتى فترة الكفاح الوطني ضد الاحتلال، لكنها لم ترق إلى مستوى إعلان الجمهورية.

وبعد استقالة حكومة فتحي بك التي امتد عملها في الفترة بين آب 1923 إلى 27 من تشرين الأول 1923، تم تشكيل حكومة جديدة لكن وفقا للدستور، كان يجب انتخاب الوزراء من قبل البرلمان لكن الانتخاب تعثر للعديد من الأسباب.

في هذا الوضع، التقى مصطفى كمال أتاتورك مساء يوم 28 من تشرين الأول 1923، مع زملائه المقربين لتناول العشاء في قصر تشانكايا وقال لهم: "سنعلن الجمهورية غدا". وبعد الوجبة، عمل مصطفى كمال باشا مع عصمت باشا على اقتراح التعديل الدستوري الذي من شأنه تمكين إعلان الجمهورية وتنص المادة الأولى من الدستور على أن "شكل حكم الدولة التركية جمهوري".

وفي 29 من تشرين الأول اجتمعت مجموعة برلمان حزب الشعب وكلفت مصطفى كمال أتاتورك بحل أزمة الحكومة، لكن أتاتورك جادل بضرورة معالجة هذه القضية بطريقة أكثر شمولاً، وذكر أن المشكلة الحقيقية تنبع من الدستور وأن انتخاب النواب واحدا تلو الآخر من قبل البرلمان لا يمكن أن يوفر الإجماع المطلوب داخل الحكومة.

ليعلن في الجلسة ذاتها مقترحه الذي تضمن تعديلات دستورية لإعلان الجمهورية من أجل حل هذه المشكلة بشكل جذري وقررت المجموعة البرلمانية لحزب الشعب ومن ثم الجمعية الوطنية الكبرى لتركيا تغيير بعض مواد الدستور وهكذا أُعلنت الجمهورية رسمياً في 29 من تشرين الأول 1923، وأصبح التعديل الذي أدخل على المادة الأولى من الدستور يؤكد على أن شكل حكم الدولة التركية هو جمهوري.

وفي ذلك اليوم، أطلقت المدافع في أنقرة 101 قذيفة احتفالاً بالإعلان، وأوكلت مكاتب المفتين بطلب من رئاسة الشؤون الدينية،  بناء على تعليمات وزارة الأوقاف والشريعة، إعلام الجمهور بأن الحكم أصبح جمهوريا.

الكاتب التركي سعيد دنش يشير إلى أنّ أتاتورك بدأ في التفكير بإنشاء الجمهورية منذ بداية حرب الاستقلال، إلا أنه لم يرغب في التعبير عن هذا الفكر في تلك الفترة لأنه كان يعرف أن الكثير من الناس والنواب في البرلمان الوطني كانوا ميالين أو ملتزمين بالسلطنة.

ويقول دنش في دراسة إن أتاتورك كان يعتقد أن تسمية النظام بالجمهورية في هذه المرحلة قد تؤدي إلى اضطرابات وصراعات داخلية فالأولوية في تلك الفترة بالنسبة لأتاتورك كانت طرد الاحتلال وإقامة دولة مستقلة. 

ويوضح أن إعلان الجمهورية في تركيا لم يكن مجرد تغيير في النظام الحاكم، بل أيضا أسهم في إنشاء نظام حكومي حديث يُعرف بنظام المجلس الوزاري والذي سمح بتسريع تنفيذ المشاريع والخدمات الحكومية معتبرا أن التحول نحو الجمهورية فتح الباب أمام الإصلاح والتحديث.

ويرى أنّ الجمهورية أسهمت في تشريع سيادة الشعب وجعلتها قانونية، وأكدت سيادة الأمة دون قيود، وقامت بترسيخ فكرة استخدام السيادة من دون قيود من قبل الشعب كما أسهمت في تعزيز المساواة بين المواطنين وتعزيز التغيير نحو العدالة الاجتماعية.

قرن تركيا

في العقود اللاحقة، شهدت تركيا تحولات أخرى وتطورات مهمة. بدأت البلاد في تحقيق نجاحات اقتصادية كبيرة وأصبحت عضوًا في مجموعة العشرين، وشهدت تحسينًا في مجالات البنية التحتية والتعليم والصحة.

وشهدت البلاد جهوداً كبيرة لتحديث المجتمع والسياسة وتحقيق العديد من الإصلاحات الاجتماعية والسياسية تبعها تحولات أخرى بما في ذلك التحول إلى اقتصاد سوقي وزيادة ملحوظة في التحرر الاقتصادي والاجتماعي. 

وفي عام 2002، ومع انتخاب رجب طيب أردوغان رئيساً للحكومة، بدأت تركيا في مشوار جديد من السياسة والتنمية الاقتصادية. وحقق أردوغان وحزب العدالة والتنمية نجاحات كبيرة وقادوا البلاد نحو تطوير مستدام وتحقيق استقرار سياسي.

واستطاع أردوغان خلال السنوات الماضية تعزيز مكانة تركيا على الساحة الدولية وتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجموعة متنوعة من القطاعات بما في ذلك الصناعة والدفاع، ويواصل محاولات تعزيز القدرات التكنولوجية للبلاد وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين. 

وفي سبيل ذلك واستعدادا لدخول قرن الجمهورية الثاني، كشف أردوغان العام الماضي عن رؤية "قرن تركيا" لحزبه العدالة والتنمية، المتعلقة بالبرامج وأهداف الجمهورية في مئويتها الجديدة.

ووقتئذ قال أردوغان: "سنرفع قرن تركيا من خلال تلبية تطلعات شباننا في جميع المجالات من التكنولوجيا إلى الفن، ومن الرياضة إلى البيئة. سنرتقي بقرن تركيا من خلال جعل بلادنا واحدة من أكبر عشر دول في العالم في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية والدبلوماسية".

وفي الكلمة المطولة التي كشف فيها الرئيس أردوغان عن رؤية "قرن تركيا" حدد من الأهداف والبرامج والمبادئ وخريطة الطريق التي ستواصل بها تركيا بدخولها المئوية الجديدة لتأسيس الجمهورية عام 2023، محددا أسماء جديدة للقرن الجديد تألفت من 16 بندا: قرن القيم وقرن الاستدامة وقرن السلام وقرن الإنتاج وقرن العلم وقرن النجاح والقرن الرقمي وقرن الكفاءة وقرن التنمية وقرن المستقبل وقرن الاستقرار وقرن الرخاء وقرن الرأفة وقرن الاتصال وقرن أصحاب الحق وقرن القوة.

وهذه الأهداف والقيم المعلنة تهدف في العموم إلى تطوير تركيا في القرن الجديد حيث تشمل تعزيز الوحدة والتكامل، والاستدامة البيئية، والسعي نحو السلام والاستقرار، وزيادة الإنتاج والتنافسية، وتعزيز العلم والتطور التكنولوجي، وتعزيز القوة والاقتصاد على الصعيدين الوطني والدولي، وتحقيق الرخاء وتوفير الخدمات الاجتماعية وتطوير البنية التحتية والابتكار في تكنولوجيا المعلومات والحفاظ على حقوق الأفراد.