icon
التغطية الحية

بين فيلم "الخلاص من شاوشنك" وواقع الخلاص من "جلبوع"

2021.09.17 | 11:15 دمشق

jlbw-_tlfzywn_swrya.png
+A
حجم الخط
-A

أعادت حادثة هروب الأسرى الفلسطينيين الستّة من سجن (جلبوع) والتي وُصفت بالهروب السينمائيّ؛ فيلم (الخلاص من شاوشنك) الذي تمّ إنتاجه عام 1994 إلى الواجهة من جديد، إذ أظهر موقع غوغل ارتفاعًا ملحوظًا في عمليّات البحث عن فيلم (الخلاص من شاوشنك) عقب انتشار أنباء عمليّة فرار الأسرى الفلسطينيين في الخامس من الشهر الجاري من سجن جلبوع الإسرائيليّ.

فقد عمد كثير من روّاد مواقع التواصل الاجتماعيّ إلى المقارنة بين الطريقة التي فرّ من خلالها المعتقلون الفلسطينيون، وطريقة فرار بطل فيلم (الخلاص من شاوشنك)؛ لكثرة التقاطعات بين الفيلم وواقعة هروب الأسرى، وخصوصًا صورة الضبّاط الإسرائيليين وهم يتأمّلون الفتحة الصغيرة التي خرج منها الأسرى إلى الحريّة، التي استدعت صورة مدير السجن في الفيلم وهو يحدّق في الفتحة التي صنعها بطل الفيلم في جدار السجن.

مجريات الفيلم

تبدأ أحداث الفيلم المُقتبس عن رواية الكاتب ستيفن كينغ التي تحمل عنوان "ريتّا هيوارث والخلاص من شاوشنك) والتي تنتمي إلى أدب السجون بإدانة المحاسب (آندي ديفرين) نائب مدير أحد البنوك الشهيرة بتهمة قتل زوجته وعشيقها، فكلّ الأدلّة كانت تدينه بقتلهما؛ ليُحكم عليه بالسجن المؤبّد في سجن (شاوشنك) بالرّغم من رفضه للتهمة وإصراره على براءته من تهمة القتل.

يتعرّف (آندي ديفرين) في السجن على (آليس ريد)؛ الشخص الذي يمكنه إحضار أي شيء من خارج السجن لقاء مبلغٍ ما، فيطلب منه إحضار مطرقة صغيرة له، ليتمكّن من ممارسة هوايته المفضّلة وهي النحت في الخشب.

 

 

استطاع (آندي) من خلال جرأته وإصراره على المغامرة أن يتحدّث مع رئيس حرّاس السجن، ويعرض عليه خدماته من خلال إيجاد حلّ لمشكلةٍ ماليّة يواجهها رئيس الحرّاس، ثمّ مدير السجن (نوروتوف) الغارق في الفساد والمتورّط في عمليّات غسيل أموال، وأعمال أخرى غير قانونيّة، يُدخل (آندي) فيها والذي يختلق شخصيّة خياليّة يستطيع آمر السجن (نوروتوف) أن يستخدمها كغطاء قانوني وواجهة يدير من خلالها أعمال غسيل الأموال خفيةً.

يحفر (آندي) بوساطة المطرقة الصغيرة التي جلبها له صديقه (ريد) من الخارج في عامه الأوّل بالسجن؛ نفقًا في زنزانته إلى الفناء الخارجيّ ويهرب عن طريق أنبوب صرفٍ صحيّ إلى الخارج، والغريب أن (آندي) كان يخفي مطرقته التي نحت لها مكانًا داخل الكتاب المقدّس الذي أعطاه إياه آمر السجن قائلًا له: "في داخله الخلاص"، فلطالما تظاهر (نوروتوف) أمام السجناء بالتمسّك بالكتاب المقدّس (الإنجيل)، و(آندي) وجد الخلاص من خلاله بالفعل؛ إذ لم يضع (آندي) الأوراق والأصول الماليّة في الخزانة؛ وإنّما الكتاب المقدّس، ليقوم فيما بعد بالاستيلاء على أموال المأمور التي استطاع الحصول عليها من غسيل الأموال، من خلال تزوير بطاقة شخصيّة وجواز سفر؛ ثمّ يقوم بتحويل جميع الأموال لحساباته الخارجيّة باسم مزيّف، وعقب تحويلها يرسل طردًا للمأمور فيه رسالة يطلب فيها من المأمور أن يفتح الخزانة؛ ليجد في داخلها الكتاب المقدّس وقد نحت بين دفّتيه مكانًا للمطرقة الصغيرة، ليخفيها عن أعين الحرّاس الذين يقومون بتفتيش الزنازين ليلًا.

اضطرّ (آندي) إلى تعلّم الخداع والاحتيال في السجن، بينما كان خارجه رجلًا مستقيمًا وصادقًا؛ لكنه لم يستسلم للواقع المفروض عليه، بل سعى بكلّ مثابرةٍ وصبر إلى أن يجعل لحياته في السجن معنىً وقيمة؛ بدءًا بنحت التماثيل، ثمّ تطوير  مكتبة السجن، حيث استطاع جمع المال المطلوب لها من خلال إصراره على مراسلة مجلس الشيوخ بشكل أسبوعيّ طوال سنواتٍ ستّ؛ ليوافق المجلس في النهاية على منح السجن مبلغ/ 500/ دولار كلّ عام من أجل تطوير مكتبة السجن التي عمل فيها (آندي) إلى جانب (بروتوس) العجوز الذي كان يقوم بتوزيع الكتب على السجناء.

بالإضافة إلى ذلك المبلغ الذي قرّر مجلس الشيوخ منحه للسجن؛ منحهم أيضًا بعض الأسطوانات الموسيقيّة التي استغنت عنها مكتبة الولاية، فقرر (آندي) تشغيل إحدى الأسطوانات عن طريق مكبّر الصوت ليستطيع السجناء في باحة السجن الاستماع إلى أنغام موسيقا (موزارت) الكلاسيكية، وليُعاقب بعدها (آندي) بالسجن الانفراديّ مدّة أسبوعين، وعندما أنهى عقوبته وخرج من تلك الزنزانة الفرديّة سأله أحد السجناء إن كانت فعلته تلك تستحق العقاب؛ فأكّد له (آندي) أنّه لم يكن وحيدًا في زنزانته تلك، بل كانت موسيقا (موزارت) معه: "هذا هو جمال الموسيقا! لا يمكن لأحدٍ أن ينتزعها منك، هناك شيء بداخلك لا يستطيعون الوصول إليه، لا يستطيعون لمسه، شيء لك وحدك... إنّه الأمل".

عبارات قدمها الفيلم

حمل ملصق الفيلم الدعائي العبارة الآتية: "يُمكن للخوف أن يُبقيك سجينًا، يمكن للأمل أن يحرّرك"، كما يقدّم الفيلم العديد من الحوارات الفلسفيّة العميقة، ويتناول موضوعات مختلفة يمكن أن تمسّ كلّ إنسانٍ منّا؛ ممّا يجعل الفيلم يعلق بذاكرة المشاهد ويترك أثرًا فيه لا يمكن أن يزول بسهولة.

بالرّغم من بساطة الفكرة التي يقوم عليها الفيلم؛ إلّا أنّه في الوقت نفسه يتناول كثيرًا من القيم والأفكار والمشاعر دفعةً واحدة؛ فالأمل يحرّر الإنسان من قيود الزمان والمكان وغيرها من العقد

بالرّغم من بساطة الفكرة التي يقوم عليها الفيلم؛ إلّا أنّه في الوقت نفسه يتناول كثيرًا من القيم والأفكار والمشاعر دفعةً واحدة؛ فالأمل يحرّر الإنسان من قيود الزمان والمكان وغيرها من العقد المادية والمعنوية التي تسهم إلى حدّ كبير في مأسسة الإنسان؛ إذ يصبح الإنسان بعد فترة من الزمان منتميًا إلى مكانٍ معيّن لا يستطيع مغادرته، أو أنّه لا يقوى حتّى على تخيّل مفارقته، حتّى وإن كان كارهًا له في البداية، لكنّه بمرور الوقت يصبح جزءًا من تلك المؤسّسة أو المكان الذي يُوجد فيه، بسبب اعتياده على المحدّدات والقيود المحيطة به في هذا المكان وتكيّفه معها إلى درجة التماهي، ممّا يجعله عاجزًا فيما بعد عن اكتشاف حقيقته والتعامل مع قدراته واختياراته خارج المكان الذي تمأسس فيه.

نجا (آندي) من فخّ المأسسة، وبقي حالمًا بالحريّة ورسم صورتها لصديقه (ريد) عندما أخبره عن تفاصيل المكان الذي سيذهب إليه حالما يخرج من السجن؛ إنّه شاطئ في إحدى مدن المكسيك، وهناك سيشتري فندقًا صغيرًا ويقوم بشراء المراكب المتهالكة وإصلاحها، وهنا يطلب منه (ريد) أن يتوقّف عن الأمل؛ لأنّه أمر خطير قد يودي به إلى الجنون.

لقد كان العجوز (بروكس) الذي عمل في مكتبة السجن مثالًا واضحًا على تمأسس الذات، إذ دفعه تماهيه بالسجن إلى الانتحار بمجرّد خروجه من السجن، لأنّ هذه الحريّة التي أتت بعد زمنٍ طويل قضاه في السجن ووجد التقدير من قِبل الجميع جعله يقف عاجزًا عن التأقلم مع العالم الخارجيّ ولا يحسن التعامل مع الحريّة، بينما تجاوز (ريد) الأمر بمساعدة (آندي) الذي حرّره من المأسسة، وقد لخّص (ريد) عمليّة المأسسة بقوله: "هذه الجدران مضحكة، تكرهها في البداية... ثمّ تبدأ بالاعتياد عليها، وعندما يمرّ الوقت ستجد أنّه بإمكانك الاعتماد عليها".

الخلاص تجلّى من سجن شاوشنك فنيًّا على شاشة السينما، ليعلّمنا الأمل والحريّة، وألّا نستسلم مهما كانت الظروف، كما يخبرنا أنّه بإمكاننا أن نخلق السعادة والحريّة في أذهاننا أينما كنّا، وأنّنا نستطيع التخلّص من القيود ما دمنا نحلم بالحريّة ونسعى إليها فسنجد الطريق، أمّا حادثة سجن جلبوع وخلاص الأسرى الفلسطينيين الستة، فهي التجسيد الواقعي والعملي للأمل وإرادة الإنسان التي لا تقهر والتي تصنع المعجزات.