بين طهران وواشنطن.. استراتيجية تغيير الرجالات لترتيب التفاهمات

2024.02.18 | 05:22 دمشق

بين طهران وواشنطن.. استراتيجية تغيير الرجالات لترتيب التفاهمات
+A
حجم الخط
-A

لكل زمن دولة ورجال. يمكن لهذه العبارة أن تختصر الكثير في عوالم السياسة ومصالح الدول. وهو مصطلح يستخدم على مر الأزمان في ضوء تحولات الظروف السياسية لكل دولة أو مجموعة. وغالباً ما يكون ضرب أحد القادة أو الرموز أو المسؤولين يهدف إلى طي مرحلة والانتقال إلى مرحلة جديدة. تماماً كما هو الحال بالنسبة لاجتياح العراق وإسقاط صدام حسين والذي نقل العراق من مكان إلى مكان. وكذلك بالنسبة إلى اغتيال ياسر عرفات أو رفيق الحريري. اغتيال هؤلاء الرموز أسهم في تحولات كثيرة على مستوى بلادهم. تماماً كما كان الهدف الأميركي من اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني في العراق، فالهدف من وراء ذلك كان إحداث تحول في صيغة العلاقة الأميركية الإيرانية.

جاء اغتيال سليماني بعد تقاطعات كثيرة بين واشنطن وطهران، أبرزها التقاطع في محاربة تنظيم داعش في سوريا والعراق وترتيبات الاتفاق النووي بين الجانبين. ليأتي اغتيال الرجل كمحاولة من واشنطن لدفع الإيرانيين عن مرحلة باتجاه مرحلة أخرى لم تظهر معالمها حتى الآن، لكن الأكيد بالنسبة إلى الطرفين أنهما يريدان الالتقاء مع بعضهما البعض، وتأكيداً على ذلك كشف دونالد ترامب سابقاً أنه عندما احتاج الإيرانيون للرد على اغتيال سليماني أبلغوه بذلك وتعهدوا عدم إيقاع إصابات في صفوف الأميركيين.

حصلت سلسلة اغتيالات أبرزها رضي الموسوي، والحاج صادق وهما من مسؤولي العمليات والمخابرات والإشراف على القوات الإيرانية في سوريا والعراق ولبنان

منذ الحرب على غزة، تشرع الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل في تنفيذ عمليات اغتيال لأشخاص وكوادر ومسؤولين في الحرس الثوري الإيراني أو لحلفائهم في فصائل الحشد الشعبي وغيرها. فحصلت سلسلة اغتيالات أبرزها رضي الموسوي، والحاج صادق وهما من مسؤولي العمليات والمخابرات والإشراف على القوات الإيرانية في سوريا والعراق ولبنان، وبعدها اغتيال المزيد من قادة ومسؤولي الحرس أو الحشد الشعبي كاغتيال أبو باقر الساعدي في بغداد، والذي يندرج عمله في السياق الإيراني أكثر من دوره عراقياً، فهو مسؤول التشكيلات في سوريا والمسؤول عن سلاح المسيرات والصواريخ في سوريا والعراق وبالتالي مسؤول عن العمليات التي تشن ضد مواقع ومصالح أميركية. هنا يظهر أن الأميركيين والإسرائيليين عملوا على فكفكة خلية العمل الإيرانية في سوريا والعراق، بعد اغتيال رضي الموسوي المسؤول اللوجستي لإيران في لبنان وسوريا، وجاء بعدها اغتيال الحاج صادق المسؤول الأمني لقوة القدس في سوريا والعراق، وصولاً إلى أبو باقر الساعدي. في محاولة أميركية إسرائيلية لفكفكة القوة العسكرية الإيرانية الميدانية في المنطقة، علماً أن هؤلاء جميعهم يعتبرون فريق العمل الذي ورث سليماني. وهذه الضربات تعمل طهران على استيعابها لعدم الانخراط في التصعيد، ما سيمهد للانطلاق نحو مسار جديد من التفاوض السياسي وترتيب الوضعية بين الجانبين.

ما يريده الإيراني هو تحقيق الانسحاب الأميركي من سوريا والعراق كقوات قتالية وليس بالمعنى السياسي، وصولاً إلى إبرام تسوية شاملة في المنطقة

تحصل هذه التطورات في ضوء زيارتين، زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى بيروت والتي أكد فيها وجود تفاوض إيراني أميركي، وزيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني إلى بغداد والتي شدد فيها على ضرورة التهدئة ومنع التصعيد وعدم إحراج الحكومة العراقية التي يستمر التفاوض بينها وبين الأميركيين حول مسألة الانسحاب الأميركي من العراق، وهي لا تنفصل أيضاً عن المفاوضات القائمة بين طهران وواشنطن في سلطنة عمان وهي تطل على ملفات متعددة، أبرزها الهدنة في غزة، ومستقبل الساحات في اليمن، سوريا والعراق ولبنان. فما يريده الإيراني هو تحقيق الانسحاب الأميركي من سوريا والعراق كقوات قتالية وليس بالمعنى السياسي، وصولاً إلى إبرام تسوية شاملة في المنطقة، فتكون نتيجة ذلك الاعتراف الأميركي بالدور الإيراني في المنطقة. هي مرحلة لتحييد رجالات بحثاً عن مسارات جديدة بين الطرفين.