icon
التغطية الحية

بلومبيرغ: نعم ثمة أزمة هجرة ولكن على الدول التوقف عن التصرف بغباء

2023.10.04 | 07:38 دمشق

مظاهرة مؤيدة لوجود اللاجئين في بورتلاند الإنكليزية- التاريخ: 9 أيلول 2023
مظاهرة مؤيدة لوجود اللاجئين في بورتلاند الإنجليزية- التاريخ: 9 أيلول 2023
Bloomberg- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

مرة أخرى، بدأت أعداد هائلة من الناس بالرحيل عن أوطانها هرباً من العنف لتصل إلى أوروبا والولايات المتحدة، أما حالة الفشل في وقف هذه الموجة فهي التي تزيد من تأييد الناس لليمين المتطرف في كلتا القارتين.

وفي خضم ذلك، وضعت ألمانيا خلال الأسبوع الماضي قيوداً على بعض حدودها، أما إيطاليا فقد طالبت بحصار بحري للمتوسط، في حين تحدث وزير في الحكومة البريطانية عن السعي لعقد معاهدة دولية تؤكد بأن حماية اللاجئين لم تعد أمراً ملائماً، بحسب تقرير لوكالة "بلومبيرغ" الأميركية.

من جهتها، ذكرت وزيرة الداخلية البريطانية، سويلا برافيرمان، بأن الهجرة غير الشرعية أضحت تمثل خطراً وجودياً على مؤسسات الغرب السياسية والثقافية.

لم يكن خطاب برافيرمان أمام معهد المشروع الأميركي بواشنطن جدياً، بسبب الأكاذيب والرسائل السياسية المبطنة التي انطوى عليها، وفي ذلك ما يعيب لأنها محقة بالحديث عن الهجرة غير الشرعية وتحولها إلى أزمة، إلا أن الخطوة الأولى للتعامل مع هذه الأزمة هو الاعتراف بحدوثها.

أزمة هوية

إن أهم حقيقة تجاهلها الطرف الليبرالي في هذا الجدل هي حجم الخطر الاقتصادي والسياسي الذي يمثله هذا التدفق الكبير والمفاجئ للاجئين حتى على الدول الغنية. فهذه الأزمة أزمة هوية، كونها أثارت مخاوف غالبية الأميركيين والأوروبيين الذين باتوا يحسون أنفسهم في خطر، وهذا القلق لن يبدده أي حوار يحث على التعايش والتقبل بناء على أي وازع أخلاقي، كما أن الفشل الذي نراه اليوم في التعامل مع هذه المشكلة وصل لمراحل خطيرة على المستوى السياسي.

إن فوز روبرت فيتسو المناهض لروسيا وللهجرة والمنتقد للاتحاد الأوروبي والذي شغل في السابق منصب رئيس الوزراء في الانتخابات السلوفاكية بنهاية الأسبوع الماضي، والقرار الذي خرج به النواب الجمهوريون في الولايات المتحدة والذي يقضي بوضع شروط أخرى على المساعدات الأمنية المخصصة لأوكرانيا وربطها بمشروع قانون ضبط الحدود ومراقبتها يظهر مدى تعقيد هذه المشكلة، ثم علق إيلون ماسك هو أيضاً عليها عندما أجرى مقارنة باطلة بين مشكلات الحدود الأميركية والأوكرانية، وذلك في منشور تابعه 158 مليوناً من متابعيه على موقع "تويتر".

ضريبة اللجوء تشمل الجميع

وعلى الجانب الآخر ثمة إنكار أوروبي للحاجة الماسة للمهاجرين بهدف رفد حالة التراجع في القوى العاملة، ثم إنه لا بد للاجئين أن يستقروا في مكان ما من هذا العالم، والدول الغنية غير معفاة من دفع هذه الضريبة.

ووسط كل هذا اللغط الذي ثار خلال الأسبوع الماضي، أعلنت اليونان التي كانت وما تزال في عين عاصفة اللجوء في المتوسط، بأنها تفكر بتطبيع وضع 300 ألف مهاجر غير شرعي حتى يحق لهم العمل بصورة قانونية، وذلك لتسد النقص الحاصل لديها في قطاعات الإنشاءات والزراعة والسياحة.

منذ أن تحولت الثورة السورية خلال موجة الربيع العربي إلى حرب في عام 2011، زاد عدد النازحين بسبب العنف والاضطهاد على مستوى العالم، وتجاوز الضعفين اليوم بعدما وصل عدد النازحين إلى 108.4 ملايين بحسب أرقام المفوضية الأممية للاجئين. بيد أن معظمهم، أي نحو 62.5 مليون لاجئ، ظلوا في دولهم الأصلية، إلا أنهم صاروا يعتمدون في معيشتهم معظم الأحيان على المساعدات الدولية. وهنالك 35.3 مليون لاجئ خرجوا من بلادهم، بينهم 70% ظلوا في أول دولة وصلوا إليها بعد عبورهم للحدود.

ولهذا السبب تؤوي تركيا أكبر عدد مسجل من اللاجئين وطالبي اللجوء في العالم، والذين وصل عددهم إلى نحو أربعة ملايين، أما إيران، فتؤوي 3.4 ملايين لاجئ لكونها جارة لأفغانستان، في حين استقبلت كولومبيا المجاورة لفنزويلا نحو 2.5 مليون لاجئاً، ويصنف دخل الفرد في تلك الدول جميعها بأنه يتراوح ما بين ضعيف ومتوسط.

ثم إن عدد اللاجئين الذين يقطعون مسافة أبعد ليصلوا إلى دول أغنى أقل بكثير، ويعادل 10% من النازحين، إلا أن توزيعهم ليس عادلاً، فألمانيا لديها عدد كبير من اللاجئين بالنسبة لكل فرد من سكانها مقارنة بما لدى المملكة المتحدة وفرنسا. وبحسب التوقعات السنوية للمجلس الدنماركي للاجئين، سيظهر 5.4 ملايين من النازحين قسرياً على كوكب الأرض بنهاية عام 2024، أي أن العدد سيصل إلى 113 مليوناً، بينهم نحو 11 مليوناً سيستقرون في دول أبعد وأغنى.

هذا فقط بالنسبة للنزوح القسري، إذ هنالك 184 مليون مهاجر في مختلف بقاع العالم، معظمهم غادروا أوطانهم بإرادتهم وذلك بحسب تقرير التنمية لعام 2023 الصادر عن البنك الدولي، وبالنسبة للتوجهات الجيوسياسية والمناخية الحالية، من المتوقع لهذا العدد أن يواصل ارتفاعه.

قوانين تفضي إلى درب مسدود

على الرغم من أن هذه الأعداد كبيرة فإنها ليست كبيرة بما فيه الكفاية بنظر برافيرمان، فقد حذرت من وجود 780 مليون لاجئ محتمل لا بد لنا أن نقلق حيالهم، إلا أن هذا العدد لا يعني شيئاً كونه يضخم التهديد الذي يطول المملكة المتحدة وأوروبا بنسبة 70%، وهي قد فعلت ذلك لتخلق حالة من الخوف تحتاج إليها لتحصد تأييداً لمقترحها القاضي بمراجعة اتفاقية اللاجئين الموقعة في عام 1951، وهي باتت تدرك تماماً بأنه ما لم تظهر ظروف مشابهة لما حدث عقب الحرب العالمية الثانية، فلن يكون هنالك أي شيء يستدعي ضمان حقوق اللاجئين حتى يتفق الرؤساء والقادة عليه اليوم.

غير الشيء الذي جعل من تدخل برافيرمان أبشع من غيره هو فشلها في تحقيق ما بوسعها فعله بحكم السلطة التي تتمتع بها، فالحكومة نفسها وصفت نظام اللجوء في المملكة المتحدة بالمعطوب، وذلك لأن عملية التقدم بطلب لجوء هناك تستغرق قرابة العامين، مقارنة بمدة ستة أشهر في فرنسا أو ألمانيا، كما أن هذه العملية تكلف الدولة ثلاثة مليارات جنيه إسترليني (أي 3.7 مليارات دولار) بالسنة. ولهذا، وبدلاً من أن تعمل المملكة المتحدة على إصلاح هذه العملية، تراهن على سياسة قائمة على عملية ردع بموجب مرسوم تشريعي إلا أن هذه العملية لم تفلح حتى الآن، ومن المرجح لها أن تفشل من جديد، وذلك لأن قانون الهجرة غير الشرعية الجديد يستوجب الترحيل الفوري للأشخاص الذين يدخلون إلى البلد من دون إذن، والاستثناء هنا هو عدم وجود مكان يمكن ترحيلهم إليه، ولهذا فلا مفر من احتجازهم وإعالتهم، مع حرمانهم من حق العمل.

دول الهجرة

وصل 24208 مهاجرين إلى الأراضي البريطانية بوساطة قوارب صغيرة حتى تاريخ 26 أيلول من هذا العام، وذلك بحسب ما أعلنته الحكومة البريطانية، ثم إن المملكة المتحدة بوسعها أن تحتجز ألفي مهاجر، غير أن معظم تلك الأماكن مشغولة في مراكز الاحتجاز بحسب ما ذكره بيتر وولش وهو باحث مهم في مرصد الهجرة التابع لجامعة أوكسفورد.

كما أن الاتفاقية التي تقضي بإرسال بعض المهاجرين إلى رواندا ما تزال قيد النظر في المحاكم، ولهذا لا مفر من استقبال اللاجئين في الفنادق على حساب الدولة. وفي هذه الأثناء، وصل النقص في العاملين لدى دور الرعاية في بريطانيا إلى 165 ألف عامل خلال العام الماضي، وهذا النقص يمكن سده، بيد أن هذه السياسات التي تفضي إلى طرق مسدودة تعبر عما وصفه باراك أوباما بالأشياء الغبية.

وفي الوقت ذاته، قلصت الحكومة البريطانية من مساعداتها الدولية التي يساعد جزء منها النازحين على البقاء في مكانهم، ونكتشف هنا بأن المملكة المتحدة هي الوحيدة التي طبقت هذه السياسة. إذ وفقاً للحسابات التي وردت في تقرير المجلس الدنماركي للاجئين الذي درس الأوضاع في 26 دولة (وهذه الدول تصدر 92% من مجمل أعداد اللاجئين)، فإن حجم المساعدات الدولية المخصصة لكل لاجئ قد تراجع عالمياً بنسبة الثلثين خلال الفترة الواقعة ما بين 2012-2021، كما هبط التمويل المخصص لمشاريع بناء السلام في 16 دولة من الدول الست والعشرين، ولهذا كشف التقرير عن وجود حالة تلازم ما بين نقص المساعدات وظهور موجة لجوء جديدة.

إذن بوسعكم تشييد جدار فعلي أو قانوني أو فرض حظر بحري، إلا أن كل ذلك سيترتب عليه كلفة بشرية ومالية هائلة، وفي حال نجحتم في ذلك، سيتسبب هذا بقدوم مهاجرين إلى دول مجاورة لكم أو عودتهم إلى دول من الصعب عليها تحمل نفقات ذلك، بما أنها بالأصل تتحمل عبء أعداد كبيرة من اللاجئين، وهذا بدوره سيزيد الضغط على المناطق المصدرة للاجئين في المقام الأول.

خطوات لمعالجة أزمة الهجرة

لا توجد رصاصة رحمة أو حل ناجع في هذا السياق، ولكن من الأفضل أن نبدأ بإدارة العملية بفعالية وكفاءة أكبر وذلك حتى يتم استيعاب اللاجئين ضمن القوى العاملة، وهذا بدوره سينتج ضرائب وبأموال الضرائب ستبنى مدارس ومراكز رعاية صحية مخصصة للاجئين.

كما يمكن أيضاً عبر هذه الطريقة إعادة المتقدمين الذين رفض طلب لجوئهم إلى بلدهم بسرعة، وهذا ما يخفف التكاليف والأعداد، وقد نجحت الدنمارك بذلك فعلياً، في حين لم تفلح المملكة المتحدة هنا.

أما الناحية الثانية التي يمكن العمل عليها فهي الحد من أعداد الواصلين عبر التركيز على المال والدبلوماسية لتمكين اللاجئين من البقاء بالقرب من بلدانهم، أو العمل على إعادتهم، بما أن ذلك هو الحل الأفضل، وهذا يتطلب تكثيف المساعدات التي تستهدفهم، ويشمل ذلك المهاجرين بسبب التغير المناخي. إذ بعد مرور أكثر من عقد على بدء الحرب السورية ما يزال هنالك 6.5 ملايين لاجئ سوري يعيشون خارج بلدهم، وما يزال السوريون يحتلون أعلى المراتب بين الفئات التي تسعى للجوء في أوروبا، ولذلك طالب المقرر الأممي والبرلمان الأوروبي والصين برفع العقوبات الدولية عن سوريا لتمكينها من إعادة الإعمار، إلا أن القرار تشوبه كثير من المزالق الأخلاقية، ويعود ذلك لطبيعة النظام السوري، بيد أن الهدف المتمثل بإعادة السوريين إلى وطنهم ليس كذلك.

هنالك أيضاً أعداد مماثلة من اللاجئين الأوكرانيين، ومعظمهم موجودون في أوروبا وذلك لحصولهم على إقامة مؤقتة خاصة، وعودة معظمهم إلى بلده، بعد تراجع المخاطر التي تهدد حياتهم بعيداً عن الجبهات، على الرغم من عدم اختفائها نهائياً. بيد أن اقتصاد أوكرانيا يحتاج إلى عودة شعبها، ولكن لا يجوز إجبارهم على العودة، غير أن مخاطبة كييف قد تحتاج إلى وقت وذلك لمعرفة ما إذا كان من السليم والآمن والمفيد تشجيع اللاجئين على العودة إلى بلدهم بطريقة مدروسة.

الهجرة ضرورية

وكما أورد البنك الدولي في تقريره، فإن الهجرة أمر ضروري من جهة العرض والطلب أيضاً، ولا يمكن أن تقف أبداً، بل يمكن تحويلها أو إدارتها لصالح الدول المضيفة ولصالح المهاجرين أنفسهم. وبوسع الإدارة الجيدة أن تقطع شوطاً كبيراً في تهدئة مخاوف الشعوب المضيفة، ولدى البنك الدولي قائمة طويلة من التوصيات، ومعظم هذه التوصيات على الرغم من وضوحها تبقى صعبة على المستوى السياسي.

وأخيراً، يجب على برافيرمان أن تعرض حماستها تجاه الإصلاحات عندما يلتقي قادة الدول مع المنظمات غير الربحية في المنتدى العالمي للاجئين برعاية مفوضية اللاجئين الأممية خلال شهر كانون الأول المقبل، كما يجب أن تحتل الطريقة المناسبة لتخفيف الضغوط عن رأس جدول الأعمال في هذا المنتدى، لأن المشكلة وجودية، حتى إن لم يكن ذلك يعني ما عنته وزيرة الداخلية البريطانية، ولهذا يجب علينا أن نقوم بالجزء الصعب لحل هذه المعضلة.

 

المصدر: Bloomberg