icon
التغطية الحية

بعد 10 سنوات من تهاطل السموم من السماء.. المحاسبة ما تزال تترصد النظام السوري

2023.08.24 | 16:00 دمشق

آخر تحديث: 24.08.2023 | 16:00 دمشق

ملصق في مدينة عفرين السورية تخليداً لذكرى ضحايا مجزرة الكيماوي في الغوطة
ملصق في مدينة عفرين السورية تخليداً لذكرى ضحايا مجزرة الكيماوي في الغوطة
The Washington Post- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

قبل عشر سنوات من اليوم، ضربت صواريخ محملة بغاز الأعصاب القاتل، أي السارين، منطقة الغوطة بريف دمشق، وبما أن الغاز أثقل من الهواء لذا نزل للأرض وتسرب إلى الأقبية والملاجئ التي أوت إليها العائلات والأطفال هرباً من القصف المدفعي قبل ليلة. وهكذا تسبب الغاز بقتل أكثر من 1400 شخص، فكانت تلك ثاني أعتى غارة بالسلاح الكيماوي يتعرض لها مدنيون في كل الأزمان، إذ فاقت ما فعله صدام حسين عندما سمم الكرد بشكل جماعي في شمالي العراق عام 1988.

تشير أدلة الهجوم الذي يعود لـ 21 آب 2013 إلى النظام السوري ورأسه بشار الأسد الذي حاول سحق ثورة انطلقت ضمن موجة الربيع العربي، بيد أن تلك الأدلة لم تُشهر في أي محاكمة، ولم يعاقب النظام أو يحاسب على جريمته النكراء، ولهذا واصل استخدام السلاح الكيماوي ضد شعبه، وفي ذلك فشل ما بعده فشل.

انتصار بنكهة الفشل

في عام 2012، حذر الرئيس الأميركي آنذاك، باراك أوباما، الأسد من استخدام السلاح الكيماوي عندما وصف ذلك بالخط الأحمر، في إشارة ضمنية إلى أن الرد سيتمثل بضربة عسكرية أميركية، ثم وضعت خطة أميركية بكامل تفاصيلها في هذا الخصوص، إلا أن أوباما لم ينفذها، بسبب وجود فريق مفتشين أممي على الأراضي السورية في بداية الأمر، ثم بسبب رفض النواب من كلا الحزبين لمشروع قانون يجيز الضربة.

وهكذا قبل أوباما بصفقة روسية وافق النظام بموجبها على تدمير ترسانته الكيماوية بأكملها بالإضافة إلى الانضمام لمعاهدة حظر الأسلحة الكيماوية.

وقد حققت تلك الصفقة حالة تعاون إيجابية لفترة من الزمن، حتى من طرف روسيا، وذلك ضمن الجهود الدولية التي بذلت لإزالة وتدمير نحو 1400 طن من السموم السائلة وللقضاء على معامل السارين في سوريا، على الرغم من أنه تبين لاحقاً بأن النظام أخفى كمية قليلة من ترسانته الأصلية في مكان ما بعيداً عن الأنظار. ولكن إن اعتبرنا ذلك انتصاراً تاريخياً في مجال السيطرة والتحكم بانتشار الأسلحة، يمكن القول إن تلك العملية نجحت في التخلص من سائر الترسانة الكيماوية لسوريا تقريباً في خضم الحرب.

صفقة أوباما اشتملت على جانب كارثي، وهي عدم مساءلة الأسد حول من قتلهم في الغوطة، وهكذا استعاض عن السارين بسم آخر ألا وهو الكلور

ولكن تلك الصفقة اشتملت على جانب كارثي، وهي عدم مساءلة الأسد حول من قتلهم في الغوطة، وهكذا استعاض عن السارين بسم آخر ألا وهو الكلور، تلك المادة الكيماوية المصنعة التي يمكن أن تستخدم كسلاح فتاك، فسجلت منظمات حقوقية أكثر من 300 هجمة بالسلاح الكيماوي منذ عام 2013، معظمها نفذ باستخدام غاز الكلور.

على مدار العقد الماضي، حاولت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية أن تنشئ هيئات للتحقيق وتقصي الحقائق حول استخدام النظام للسلاح الكيماوي، بيد أن روسيا وقفت في وجه تلك التحقيقات وانتقدت نتائجها وقوضت عمل المحققين، كما عرقلت قرارات أممية تسعى لمحاسبة النظام السوري.

ثم إن روسيا نفسها استعانت بغاز الأعصاب المعروف باسم نوفيتشوك الذي يستخدم في العمليات العسكرية لتغتال عميل المخابرات الروسية السابق سيرغي سكريبال في عام 2018، وزعيم المعارضة الروسية أليكسي نافالني في عام 2020. وعقب العزو الروسي الشامل لأوكرانيا، أضحت فرص التعاون في مجال السلاح الكيماوي ضئيلة، كما عُلقت عضوية سوريا (النظام السوري) في منظمة حظر السلاح الكيماوي في خطوة رمزية تدل على رفض ما جرى، بيد أن الأسد عاد واستقبل بحفاوة في الجامعة العربية، وشارفت العزلة التي فرضها العرب عليه على الانتهاء.

الأمل المدفون

بيد أن إفلات الأسد من العقاب تحول إلى مشكلة عويصة، إذ عندما دخلت معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية حيز التنفيذ في عام 1997، كان الأمل كبيراً بالتخلص من أسلحة الدمار الشامل، وتحريم تصنيعها واستخدامها من قبل الدول، بيد أن هذا الأمل دفن على يد النظام السوري وحليفته روسيا. ولهذا ينبغي على الولايات المتحدة وحلفائها القيام بتحرك أكثر حزماً لمنع النظام من استخدام غاز الكلور كسلاح، والاعتراف بأن ذلك خرق واضح لمعاهدة حظر السلاح الكيماوي التي انضمت سوريا إليها لتوها، إلى جانب تقديم الأدلة التي تدين النظام أمام العالم كله، والضغط على روسيا على الساحتين العامة والخاصة لتكبح جماح حليفها الأسد.

وبالرغم من كل ما جرى، مايزال طريق واحد مفتوحاً أمام المحاسبة، فقد وُثقت مجزرة الغوطة بآلاف الصور والفيديوهات التي التقطت في ذلك الحين، كما أن وكالات الاستخبارات ومفتشي الأسلحة جمعوا وثائق سورية وشهادات ومحادثات تم اعتراضها وغيرها من الأدلة التي تثبت استعدادات الجيش السوري لتنفيذ ضربة الكيماوي بالإضافة إلى الحوارات التي انطوت على ذعر حقيقي أبداه مسؤولون سوريون بعدما اتضح لديهم حجم الخسائر البشرية والإصابات، كما توصل السوريون في المغتربات والمنظمات الحقوقية إلى أدلة جديدة تشتمل على دراسات جنائية ووثائق حكومية هربها منشقون من سوريا. وخلال العامين الماضيين، رفعت قضايا جنائية حول مجزرة الكيماوي بالغوطة في ثلاث دول أوروبية، وهي فرنسا وألمانيا والسويد، وما يزال فريق من المحامين والناشطين يبحث في النظريات القانونية التي تجيز قيام أول مقاضاة جنائية دولية بحق الأسد ونظامه ويسعون لتحريك ذلك خلال الشهور المقبلة، إذ حتى لو حوكم الأسد وزبانيته غيابياً، فإن ذلك سيكون خطوة على طريق الحقيقة والعدالة في جريمة لم يُعاقب عليها أحد بعد.

المصدر: The Washington Post