icon
التغطية الحية

بشارة في افتتاحية منتدى فلسطين: العدوان على غزة أعاد قضية فلسطين إلى الواجهة

2024.02.11 | 16:01 دمشق

عه
 تلفزيون سوريا ـ إسطنبول
+A
حجم الخط
-A

أكّد المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، عزمي بشارة، أن عمليّة 7 تشرين الأوّل 2023 (طوفان الأقصى) وحرب الإبادة الإسرائيلية التي شُنّت على قطاع غزة، "أعادت القضيّة الفلسطينية إلى الواجهة وإلى جدول الأعمال الإقليمي والدولي".

جاء ذلك في المحاضرة الافتتاحية لأعمال الدورة الثانية لـ "المنتدى السنوي لفلسطين" التي ينظّمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالتعاون مع مؤسسة الدراسات الفلسطينية خلال الفترة ما بين 10- 12 شباط الجاري في العاصمة القطرية الدوحة.

وتطرقت محاضرة الدكتور بشارة إلى تطوّر حقل الدراسات الفلسطينية والخطر المحدق بإنجازاتها، وبالحرية الأكاديمية عمومًا، نتيجة جماعات الضغط الإسرائيلية ورأس المال المرتبط بها، والطبيعة الاستعمارية الاستيطانية لدولة إسرائيل، ومحددات الموقف العربي تجاه القضيّة الفلسطينية، وتطوّر العلاقة بين إسرائيل والدول الغربية ومصالحها المشتركة، ومآلات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة، وأزمة المشروع الوطني الفلسطيني، والاستراتيجية المأمول أن ينخرط الفلسطينيون فيها لتحقيق السيادة والاستقلال. وتطرقت المحاضرة أيضًا إلى الجدل الدائر منذ السابع من تشرين الأول الماضي المتعلق بعملية طوفان الأقصى، وغيرها من القضايا ذات الصلة.

"العدوان كشف غريزة الانتقام لدى الإسرائيليين"

استهلَّ بشارة محاضرته بالإشارة إلى التقدم الكبير الذي حققته الدراسات الفلسطينية من حيث استقبالها في المؤسسات الأكاديمية المرموقة، مع ضرورة عدم تجاهل الخطر المحدق بإنجازاتها في هذه المرحلة؛ نتيجةً لمحاولة جماعات الضغط الإسرائيلية، واليمين المتحالف معها، وبعض الأكاديميين غير المسيّسين المرعوبين من تهمة (العداء للسامية)، فرض مكارثيّة جديدة على المؤسّسات الجامعية في الغرب؛ مستغلين أجواء تعرّض إسرائيل لهجمات المقاومة الإسلامية يوم 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الإسرائيليّة التي تُشن على قطاع غزّة حتى اليوم.

ثم انتقل بشارة إلى التحديات المحيطة بالقضيّة الفلسطينية على مستوياتٍ مختلفة، بما فيها العلاقات الدولية والإقليمية، والأبعاد السياسية والثقافية والقانونية التي تتداخل معها. وأشار إلى الطبيعة الاستعمارية الاستيطانية لدولة إسرائيل التي كشفت الحرب عنها أكثر من أي وقتٍ مضى؛ إذ تصرّف المجتمع الإسرائيلي مثل قبيلة موحّدة تشدُّه عصبية نابذة لأي رأيٍ مخالف، وطغت غريزة الانتقام والثأر على تفكيره، بحيث رأى أنّ السكان الأصليين يجب أن يَدفعوا ثمن ما جرى يوم 7 تشرين الأول جماعةً بوصفهم لا يفهمون سوى لغة القوّة. وفي هذا الإطار، نفهمُ أنّ الثأر والانتقام لا يمارَسان لإرضاء كبرياء المحتلين وشعورهم بالتفوق اللذين مسَّت بهما عمليّة كتائب القسام في ذلك اليوم فقط، بل يمارَسان أيضًا تطبيقًا لاستراتيجيّة مفادها تلقين الفلسطينيين وجيرانهم درسًا لا يُنسى؛ ما يؤدي حتمًا إلى الإبادة بتعريفها الدولي.

"عناد الهويّة العربية"

في الجزء الثاني من المحاضرة، تحدث المفكر العربي عن موقف الدول العربيّة تجاه قضيّة فلسطين، مشيرًا إلى أنها تكون قضيّة العرب المركزية بوجود مشروع عربي لا بوصفها دولًا منفصلة، أما الآن فليس هناك فاعلٌ يمكن تسميته النظام العربي إلا شكليًّا، وما يوجد في الحقيقة هو أنظمة عربيّة لديها أجندات داخلية وخارجية، من دون مفهوم تصور لأمن قومي عربي، وهو ما أتاح لإسرائيل تكرار زعمها أنّ القضيّة الفلسطينيّة ليست جوهر الخلاف مع الدول العربيّة. وأنّ تطبيع علاقاتها مع إسرائيل ممكنٌ بتجاهل هذه القضيّة؛ الأمر الذي أثبتته الدول العربية بالفعل في كل موجة تطبيع مع إسرائيل.

في المقابل، يرى بشارة أن الانفعالات العربية، في توقّع تصرف عربي رسمي مغاير يُلبّي التوقعات منها، تأتي بسبب عناد الهويّة العربية التي تجمعنا وإصرارها على النبض بالحياة، على الرغم من التحوّلات الدولية والإقليمية، وبسبب الرأي العام العربي المتضامن مع فلسطين، بل مع فعل المقاومة أيضًا، والرافض لأي تطبيع مع إسرائيل.

عودة القضية الفلسطينية إلى الواجهة

على المستوى الدولي، أعادت عمليّة 7 تشرين الأوّل، وحرب الإبادة الإسرائيلية التي شُنّت على غزة، القضيّة الفلسطينية إلى الواجهة، وإلى جدول الأعمال الإقليمي والدولي. ومع ذلك، نبّه بشارة إلى أنّ إسرائيل تُسابق الزمن لمراجعة هذا التطور المهمّ، وتواصل عدوانها مستهدفةً القضاء على المقاومة الفلسطينية المسلحة المنظّمة في قطاع غزة، وإقناع دول عربية بمواصلة التطبيع معها، من دون حلٍّ عادلٍ لقضيّة فلسطين. ومن جهةٍ أخرى، كشف العُدوان على غزة أنّ العلاقة بين إسرائيل والقوى المتحالفة معها في الغرب، لا سيّما الولايات المتحدة الأميركية، تقوم على المصالح ولا تقتصر عليها، فقد شهدنا سلوك المؤسسات الإعلامية الكبرى في التعامل بمعايير مزدوجة؛ ليس فقط مع القضايا السياسية، بل حتى مع الأمور الإنسانية مثل معاناة الفلسطينيين والإسرائيليين.

يرى بشارة أنّ الفلسطينيين يقفون على مفترق طرق؛ لأن قضيّة فلسطين عادت إلى الواجهة، وأنه يمكن أن نقترب من تحقيق إنجاز على مستوى الحل العادل، أو أن نبتعد عنه. فمن جهة، سوف تحاول إسرائيل وحلفاؤها فرض "ترتيبات سياسية جديدة" تُبعد الشعب الفلسطيني عن ممارسة حقوقه الوطنية أكثر مما أبعدته اتفاقيات أوسلو. ومن جهةٍ أخرى، لا تستطيع المنظومة الدولية والإقليمية تجاهل الثمن الفادح الذي دفعه الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة، ولذا فإنّ الرصيد المعنوي كبير، ولا يمكن تجاوزه إقليميًّا ودوليًّا. وإذا أرادت السلطة الفلسطينية إحباط مخطط بنيامين نتنياهو وأنْ تحكم سلطة واحدة الضفة الغربية وغزة، فعليها أنْ تدرك أنّ هذا الأمر غير ممكن إلا من خلال أحد خيارين؛ إما بالتفاهم الوطني مع فصائل المقاومة في الطريق إلى السيادة والاستقلال، وإما على ظهر دبابة إسرائيلية في الطريق إلى تكريس السلطة الفاقدة للسيادة. وإذا أرادت فصائل المقاومة المشاركة في تقرير مستقبل الشعب الفلسطيني والمناطق المحتلة وترجمة نضالها وتضحياتها إلى إنجازات سياسية، فيجب أن تدخل في منظمة التحرير الفلسطينية، الجهة الشرعية الرسمية الممثلة للشعب الفلسطيني، وأن تتوافق الأطراف على شروط ذلك.

عملية 7 تشرين الأول جاءت نتيجة ممارسات الاحتلال

واختتم بشارة المحاضرة بملاحظة بشأن الجدالات الدائرة حول عملية السابع من تشرين الأول ومسؤولية المقاومة ومسؤولية الجيش الإسرائيلي عن بعض حالات قتل المدنيين، التي استثمرت آلة الدعاية الإسرائيلية جميع ما في جعبتها من وسائل لكي تديم تسيّد هذا الموضوع الحوارات الإعلامية، بحيث يطغى ما تعرضت له نتيجة لعمليّة واحدة للمقاومة على فظائع الحرب الشاملة المؤلّفة من مئات العمليات والمجازر التي تشنّها هي على قطاع غزّة، مؤكدًا على ثلاث نقاط، هي:

  • أولًا، أن القضيّة الرئيسة هي قضيّة الاحتلال وممارساته التي أدّت إلى هذه العملية، وحملة العقوبات الجماعية والثأر والانتقام التي تصل إلى حدّ جرائم الإبادة التي أعقبتها.
  • ثانيًا، ضرورة التمييز بين المستوى الأخلاقي والمستوى التحليلي في هذه النقاشات، وبين دعم الصمود ونسج الأوهام التي تُلحق ضررًا بقضيّة العدالة، وتعوق توجّه الناس إلى اتخاذ مواقف والقيام بأعمال من شأنها أنْ تُسهم في صمود الشعب الفلسطيني في وجه ما يتعرّض له، وتحقيق إنجازات سياسيّة لقضيّة فلسطين؛ كيلا تذهب هذه التضحيات سدى.
  • وثالثًا، تكثيف جهود المثقفين الفلسطينيين في التضامن الوطني والإنساني لتخفيف معاناة الناس في غزة، والعمل على التصدي لدعاية حرب الإبادة الإسرائيلية وافتراءاتها، والضغط على القوى السياسية الفلسطينية المركزية لكي تأتلف في قيادة موحدة في إطار منظمة التحرير؛ بحيث تترجم نضال الشعب الفلسطيني وتضحياته إلى إنجازاتٍ سياسية.