icon
التغطية الحية

بسبب إلغاء صفقة الغواصات لأستراليا.. أزمة دبلوماسية "مفتوحة" بين باريس وواشنطن

2021.09.18 | 15:41 دمشق

hyb4xeqyo_0_0_640_360_0_x-large.jpg
الرئيس الأميركي جو بايدن (يمين) ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون (يسار) (gettyimages,EPA)
تلفزيون سوريا - خالد خليل
+A
حجم الخط
-A

أعلنت فرنسا استدعاء سفيريها من الولايات المتحدة وأستراليا، مساء أمس، الجمعة، احتجاجاً على قرار أستراليا إلغاء صفقة غواصات فرنسية بقيمة 40 مليار دولار والتحول عنها إلى الغواصات النووية الأميركية، في خطوة غيرة مسبوقة بين الحلفاء التقليديين، وسط ظهور بوادر خلاف أوروبي أميركي على مياه المحيطين الهادي والهندي.

وذكرت وكالة الأنباء الفرنسية أن الإجراء الفرنسي يعكس أزمة دبلوماسية "مفتوحة" بين واشنطن وباريس، بعد إعلان أستراليا الخميس الماضي فسخ عقد ضخم أبرمته مع فرنسا في 2016 لشراء غواصات تقليدية، مفضلة عقد شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة وبريطانيا.

 يعود سبب الأزمة إلى الاتفاقية الدفاعية الثلاثية (التحالف الجديد) التي وقعتها الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا هذا الأسبوع، وأدت إلى إلغاء كانبيرا صفقة بقيمة 40 مليار دولار لشراء غواصات من مجموعة "نافال" فرنسية، والتحول عنها إلى أخرى أميركية ذات الدفع النووي.

وكان الرئيس الأميركي جو بايدن أعلن الأربعاء الماضي إطلاق شراكة استراتيجية مع لندن وكانبيرا، تتضمن تزويد الأخيرة بغواصات أميركية تعمل بالدفع النووي، ما أثار غضب الفرنسيين الذين وصفوا خطوة حلفائهم بـ "طعنة في الظهر" لأنها أخرجتهم من اللعبة.

 ووصف وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، قرار بايدن "الأحادي والمباغت" بأنه "على الطريقة الترامبية".

من واشنطن

ويعكس القرار الفرنسي حجم الاستياء الشديد وسط محاولات أميركية لإرضاء باريس، وهذه هي المرة الأولى التي تعيد فيها سفيرها من واشنطن بهذه الطريقة، بحسب "مونت كارلو" الدولية.

وأصدر وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، بياناً قال فيه إن قرار بلاده الحازم (استدعاء السفير) كان بأوامر من الرئيس إيمانويل ماكرون للتعبير عن الاستياء الفرنسي من الخطوة الأميركية، وأضاف البيان أن "هذا سلوك غير مقبول بين الحلفاء والشركاء".

من جهتها، قالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، إميلي هورن، إن إدارة بايدن على اتصال وثيق بالمسؤولين الفرنسيين بشأن قرار إعادة السفير إلى باريس.

ووصفت هورن فرنسا بأنها "أقدم حليف وأقوى الشركاء"، ولدينا تاريخ طويل من القيم الديمقراطية المشتركة والالتزام بالعمل معاً لمواجهة التحديات العالمية.

كما شدد المتحدث باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، على الأهمية التي توليها الولايات المتحدة للعلاقات مع فرنسا، معرباً عن أمل واشنطن في مواصلة النقاش حول هذه القضية على مستوى رفيع في الأيام المقبلة، لا سيما مع اقتراب اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الأسبوع المقبل.

ولأول مرة منذ توليه منصبه في 2017، لن يلقي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كلمة في القمة السنوية لقادة العالم، ملغياً مشاركته في اجتماع نيويورك، في حين سيلقي كلمة فرنسا وزير خارجيتها بدلاً عن الرئيس، بحسب تقارير فرنسية.

2222222222222222222222.jpg
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يتفقد غواصة فرنسية، 2020 (AP)

من كانبيرا

من جانبها، قالت أستراليا إنها تأسف لقرار باريس استدعاء سفيرها في كانبيرا وإنها تثمن العلاقات بين البلدين، مؤكدة بأنها ستستمر في التواصل مع الفرنسيين بشأن قضايا أخرى.

وقال المتحدث باسم وزيرة الخارجية، ماريز باين في بيان، نشر صباح اليوم، السبت، إن "أستراليا تتفهم خيبة أمل فرنسا العميقة من قرارنا الذي تم اتخاذه بما يتفق مع مصالح الأمن القومي الواضحة والمُعلن عنها".

ويمثل هذا الخلاف أدنى نقطة وصلت إليها العلاقات بين أستراليا وفرنسا منذ عام 1995 عندما احتجت كانبيرا على قرار باريس استئناف التجارب النووية في جنوب المحيط الهادي واستدعت سفيرها للتشاور.

ويأتي توتر العلاقات بين أستراليا وفرنسا في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى الحصول على دعم إضافي في آسيا والمحيط الهادي وسط مخاوف من تنامي نفوذ الصين.

وكانت باريس أثارت قضية هذا التحالف خلال زيارة وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، إلى باريس في حزيران/يونيو الماضي، مؤكدة على أهمية صفقة غواصاتها مع أستراليا.

ونقلت وكالات الأنباء الدولية عن مصدر دبلوماسي فرنسي رفيع المستوى، أن أستراليا لم تعرب قط لفرنسا عن رغبتها في التحول إلى الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية، على الرغم من اجتماع ماكرون مع رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون في 15 يونيو/حزيران.

في حين رفض موريسون، أمس الانتقادات الفرنسية. ويصرّ على أنه أوضح لماكرون إمكانية إلغاء صفقة الغواصات، مؤكداص أنه قال لماكرون خلال حفل عشاء طويل في باريس، في حزيران/يونيو الماضي، إن "بلاده راجعت تفكيرها بشأن الصفقة، وقد يتعين عليها اتخاذ قرار آخر يتفق مع مصالحها الوطنية".

000_9MX4YR.jpg
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الأسترالي السابق مالكولم تورنبول (وسط) على ظهر غواصة تديرها البحرية الملكية الأسترالية، 2 أيار/مايو 2018 (AFP)

 

إلى مياه المحيطات البعيدة

يعد قرار ماكرون استدعاء سفيره من واشنطن من أبرز الخطوات التي اتخذها في السياسة الخارجية خلال فترة حكمه، منذ أربع سنوات، والتي سعى خلالها إلى تعزيز النفوذ الدبلوماسي الفرنسي في صنع السياسة الأوروبية، وتوحيد جيران فرنسا حول رؤيتها لـ "أوروبا أقل اعتمادا على مظلة الجيش الأميركي".

وتستعد فرنسا لتولي رئاسة الاتحاد الأوروبي، الذي أصدر قبل يومين استراتيجيته لمنطقة المحيطين الهندي والهادي، للبحث عن دور أوروبي في مياه المحيطات البعيدة عن "حلف الناتو". وتسعى لإبرام اتفاق تجاري مع تايوان ونشر المزيد من السفن لإبقاء طرق الملاحة البحرية مفتوحة.

لكن باريس التي توجه بوصلة القارة العجوز نحو الشرق، تفاجأت بقرار كانبيرا إلغاء صفقة الغواصات، وظهور تحالف جديد من حليفها التقليدي يقطع عليها الطريق.

وقال الدبلوماسي الفرنسي، إن ماكرون تلقى رسالة من رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون صباح الأربعاء الماضي، يبلغه فيها بقرار إلغاء الصفقة قبل ساعات من إعلان بايدن عن إطلاق تحالفه الجديد، تحالف استراتيجي دفاعي بين المحيطين الهندي والهادي يضم واشنطن ولندن وكانبيرا.

وأضاف أن المسؤولين الفرنسيين سارعوا على الفور إلى الاتصال بالإدارة الأميركية "لمعرفة ما يجري"، مشيراً إلى أن المناقشات مع واشنطن جرت قبل نحو ساعتين فقط من إعلان بايدن عن التحالف الثلاثي الجديد.

ويشمل التحالف حصول أستراليا على غواصات تعمل بالدفع النووي بتكنولوجيا أميركية، الأمر تسبب بخسارة فرنسا عقداً أبرمته مع أستراليا بقيمة 56 مليار يورو لتزويدها بـ 12 غواصة تعمل بالديزل والكهرباء. 

22_3.jpg
وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان مع نظيره الأميركي أنتوني بلنيكن، باريس، حزيران/يونيو 2021 (APF)

الحلفاء يتباعدون

وفي محاولة لامتصاص الغضب الفرنسي، قال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، خلال مؤتمر صحفي في واشنطن الخميس الماضي، "لا يوجد انقسام إقليمي بين مصالح شركائنا" الأطلسيين والشركاء في المحيط الهادئ.

وأضاف "هذه الشراكة مع أستراليا والمملكة المتحدة تظهر أننا نريد العمل مع شركائنا، بما في ذلك في أوروبا، لضمان (أن تكون) منطقة المحيطين الهندي والهادئ حرة ومفتوحة".

في المقابل، علق بيان وزارة الخارجية الفرنسية على التحالف الجديد، بأن عواقبه "تؤثر بشكل مباشر على رؤيتنا لتحالفاتنا وشراكاتنا وأهمية منطقة المحيطين الهندي والهادي لأوروبا".

بينما لم يعلق البيان الفرنسي على انضمام لندن إلى التحالف الجديد، وعلى ما يبدو أن باريس ترى الخطوة البريطانية غير مستغربة، ولاسيما أن الأخيرة غادرت الاتحاد الأوروبي مطلع هذا العام.
ونقلت "مونت كارلو" الدولية عن مصدر دبلوماسي فرنسي قوله إن فرنسا تعتبر أن بريطانيا انضمت إلى الاتفاق بطريقة "انتهازية".

يشار إلى أن استدعاء السفراء خطوة غير عادية بين دول الحلفاء، ولكنها ليست المرة الأولى ففي عام 2019 استدعت فرنسا سفيرها من إيطاليا للتشاور احتجاجاً على "التصريحات الزائفة" من قبل المسؤولين الطليان ضد ماكرون. وفي العام الماضي، استدعت فرنسا سفيرها من تركيا بعد أن قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن ماكرون بحاجة إلى "رعاية صحية عقلية".

ويشير تاريخ العلاقات الفرنسية الأميركية إلى تحالف وثيق بين البلدين منذ نشوء الولايات المتحدة، بدأ بمعاهدة عام 1778 التي أثبتت أن دعم باريس للدولة الوليدة كان حاسماً في الانتصار على البريطانيين، وفي القرن التاسع عشر حارب الفرنسيون ضد المكسيك لصالح واشنطن فيما يعرف بالحرب الأهلية الأميركية.

وفي المقابل وقفت واشنطن إلى جانب فرنسا في الحرب العالمية الثانية في منتصف القرن الماضي.

وفي بداية القرن، وعلى خلفية الغزو الأميركي للعراق تأثرت علاقات باريس-واشنطن، ولكن سرعان ما تجددت العلاقات الوطيدة في عهدي ساركوزي وهولاند، وصلت إلى ذروتها في 2016.