باسيل في أحضان الأسد: البحث عن الرئاسة الإبادية

لو سألت بشار الأسد عن هوية الرئيس اللبناني المفضل بالنسبة إليه لأجابك فورا، من دون الركون إلى الرطانة البعثية الممطوطة، أن شخصية واحدة تتفوق على إميل لحود الرئيس الأسبق وهي جبران باسيل.

نجح هذا الباسيل في استجلاب العشق الأسدي له، بعد أن أثبت أنه قادر مع كل تفصيل صغير من تفاصيل ممارساته اليومية، على استحضار المناخ الأسدي وإحياء روحه وزمنه.

يذهب باسيل إلى البشار باسطا أمامه تفاصيل مشروعه الرئاسي القائم على الإبادة المنهجية والشاملة للبلد بكل ما فيه من شجر، وحجر، وبشر، وآمال وطموحات، واستبدالها جميعا بمجزرة مفتوحة أسدية الملامح، باسيلية المسار والتنفيذ.

لا تفعل الباسيلية السعيدة سوى مراكمة الاستثمار في الإبادة والمحو بشكل يصيب كل شيء بحالة عطب دائم لا شفاء منها.

ينطق هذا الرجل باسم سياسة لبنان الخارجية فيصبح البلد بلا سياسة خارجية

يقدم باسيل نفسه للأسد بوصفه الشخص القادر على إبادة شعبين في آن واحد، وأنه يستطيع أن يوفر على النظام كلفة إبادة ما تبقى من سوريين

وتقتصر صلته بالعالم على العقوبات والتجاهل، لا بل يظهر بهيئة غير القادر على الاستجابة لمتطلبات الدعم والمساعدة.

تحترق مناطق عديدة في لبنان فتخرج الباسيلية من جعبتها تساؤلات ميتافيزيقية حول اقتصار الحرائق على المناطق المسيحية، وتفتتح حملة افتراء واعتداءات في حق اللاجئين السوريين تحت عنوان اتهامهم بافتعال الحرائق عمدا، مع العلم أن مشاركتهم المباشرة وغير المباشرة في أعمال الإطفاء ومساعدة المنكوبين برزت بشكل لا يمكن تجاهله.

يقدم باسيل نفسه للأسد بوصفه الشخص القادر على إبادة شعبين في آن واحد، وأنه يستطيع أن يوفر على النظام كلفة إبادة ما تبقى من سوريين، وكذلك إبادة اللبنانين عبر عودة مشتهاة ومنتظرة له إلى التحكم بزمام البلد.

المفارقة في ذلك كله أن هذا المشروع لا ينطلق من مجرد هذيانات حالم بالرئاسة، بل يستند على جملة من الوقائع والتطورات الميدانية، تجعل منه نقطة التقاء مجموعة من الدول الفعالة والمؤثرة.

من هنا نستنتج أن رئاسة باسيل الإبادية الطابع تمثل علامة توافق روسية عربية وربما لاحقا تركية وأميركية، فبعد أن ارتفعت المطالبات بإعادة نظام الأسد إلى جامعة الدول العربية، وبعد أن تسببت النتائج الجانبية للعملية التركية في شمال سوريا بشرعنة دخول الأسد إلى مناطق كردية، وتفضيل جزء من الأكراد تسليم مناطقهم لجيشه، صار من الممكن الحديث عن إحياء جدي وفعلي للنظام.

أصداء عملية الإحياء هذه تتردد في المنطقة بعد مغادرة أميركا وترك الباب مفتوحا أمام النفوذ الروسي، ما يعني أن شكل الأنظمة المقبولة لا بد أن تكون على غرار النموذج الروسي المفضل المتمثل في النظام السوري.

يمثل باسيل في هذا المقام الصدى الطامح للتفوق على الصوت الصادر عنه، فهو لا يوفر جهدا في محاولاته التفوق على النظام السوري نفسه في كل العناوين الإبادية المشتركة ضمن شبكة إمكانياته.

المنظومة الروسية تنتمي في عقليتها ومنطقها إلى العصور الوسطى وآليات نفوذها تعمل من خلال ما كشفته طبيعة مشاركتها في المقتلة السورية، لناحية ارتباط حضورها بسياسة الأرض المحروقة والمجازر الواسعة، الإبادية الروح والنزعة، لذا فإن أي ظل حاكم في زمنها القادم المتأهب لفلش ظله على المنطقة لا بد أن يكون أداة تنفيذية لهذه السياسة.

هذا ما يفعله باسيل بالضبط بالتواطؤ مع منظومة صمت وتجاهل عربية ودولية. بدت السعودية ،على سبيل المثال، بعد زيارة بوتين حريصة على الذهاب في اتجاه منظومة وهم الحماية الروسية، بعد أن تجلت بشكل لا يقبل الشك أوهام الحماية الأميركية، ما يعني أن لبنان يدخل إلى مرحلة النفوذ الروسي يتيما وعاريا.

لم تنكر روسيا إطلاقا أنها متحالفة مع ما يسمى محور الممانعة. انتصارها والتسليم الدولي بنفوذها التام في المنطقة يعني أن هذا المحور انتصر. كل الرهان على خلافات بين أقطابه لا تشكل أفقا يمكن البناء عليه، لأنها لا تتصل بالأساسي والجوهري، بل لا تعدو كونها اختلافا على تقاسم إدارة المجزرة بحق المهزومين ليس إلا.

رئاسة جبران باسيل القادمة عنوان مر لهزيمة الشعبين السوري واللبناني. ليس من السهل أبدا الكشف عن مدى فداحة مثل هذه الهزيمة، فإذا كان العيش مع الهزائم قد بات سمة الوجود في هذه المنطقة الملتهبة من العالم فإن الهزيمة الباسيلية تحمل في داخلها بنية ما لا يمكن احتماله وتصوره.

إنها ببساطة الإبادة المطلقة المفتوحة ليس للسياسة والأمن والاقتصاد

يحرمنا باسيل تحت ظل انتصار منظومة الممانعة الروسية الأسدية الإيرانية من مباهج الهزيمة ومنافعها

وحتى للأخلاق والقيم كما قد يتبادر إلى الذهن مباشرة، ولكنها إبادة للأمل، فلا يكفي أن تكون مهزوما ومستسلما حتى تكتب لك النجاة، بل يجب أن تكون بلا أمل.

في كل لحظة يُستهدف الأمل وصناعه في البلد، وكل من يؤمن به يتعرض للتنكيل.  البحث عن كلام أو اعتراض أو معنى خطر، والرغبة في وصف الأحوال تعرضك للملاحقة القضائية، وحتى البوح أو الأنين الفايسبوكي سيحولك إلى مجرم.

يحرمنا باسيل تحت ظل انتصار منظومة الممانعة الروسية الأسدية الإيرانية من مباهج الهزيمة ومنافعها.

يريدنا جثثا كي نصبح آيلين للدخول في العهد الباسيلي السعيد المستعد لخلافة العهد القوي والتفوق عليه بأن يكون عهد الآمال المتفحمة.