icon
التغطية الحية

باب الحارة وأخواتها.. ما محلها من الإعراب؟

2021.04.26 | 08:46 دمشق

10e52b428bc0c049494be1688fb0aef2.jpg
+A
حجم الخط
-A

موسم رمضاني جديد يمضي، والدراما السورية المحلية تثبت أن ملاذها الوحيد للانتشار عربياً يكمن في مسلسلات البيئة الشامية، في حين تمكنت المسلسلات العربية المشتركة من سحب البساط منها، وباتت المسلسلات السورية الاجتماعية غير قادرة على منافستها البتة، لا بالجودة ولا بالتسويق.

مقارنة المسلسلات السورية الاجتماعية والمسلسلات المشتركة التي تعرض في الموسم الحالي، ستوضح الهوة الكبيرة التي باتت بينها؛ فليس لدى الدراما السورية حالياً مسلسل محلي متقن الصنعة مثل مسلسل "للموت"، الذي يتمكن من بناء عالمين منفصلين لينقل إلى الشاشة معاناة الشارع اللبناني بالتوازي مع قصص الذوات الكلاسيكية التي يحبها الجمهور، كذلك لا توجد مسلسلات قادرة على تفكيك السلطة الاجتماعية والسياسية كما يفعل "2020".

بالأحرى لا تملك الدراما السورية الآن سوى مسلسلات اجتماعية رديئة تقوم على قصص حب مستهلكة، كما هو الحال في "بعد عدة سنوات" و"ضيوف على الحب"، وبأحسن الأحوال تقوم برسم حكايات عائلية مشتتة، كما هو الحال في "على صفيح ساخن".

لذا فإن مسلسلات البيئة الشامية، التي تنبذها شريحة واسعة من الجمهور، هي أفضل ما لدى الدراما السورية في هذا الموسم، كما كان الحال لسنوات طويلة؛ فهي المسلسلات السورية الوحيدة التي تملك سينوغرافيا مقنعة في فضائها الدرامي وتحقق جمالية بصرية نوعاً ما. مع ذلك، فإن صنّاع الدراما يستهدفونها دائماً بانتقاداتهم وتصريحاتهم التي يدّعون فيها أنهم يرغبون بتصحيح مسار الدراما.

وسبق عرض مسلسل "الكندوش" الذي حقق أعلى نسبة انتشار لمسلسل سوري، تصريحات من مدير الشركة المنتجة، أيمن رضا، يؤكد فيها أنه لن يخوض تجربة إنتاج مسلسلات البيئة الشامية مرة أخرى، قبل أن ينتقد "الجنر" (النوع والصنف) كاملاً ويدعي أن مسلسله هو تغريدة خارج السرب، من شأنها أن تصحح صورة المجتمع الدمشقي، الذي تم تنميطه بمسلسلات "باب الحارة" وأخواتها. ويجب أن نشير هنا إلى أن تصريحات أيمن رضا بشأن تصحيح مسار مسلسلات البيئة الشامية تشبه إلى حد بعيد تصريحات كل المنتجين والمخرجين والكتاب الذين قاموا بصناعة مسلسلات من هذا النوع في الأعوام الأخيرة.

 

صناعة الصورة النمطية وكسرها

إن معظم الفنانين الذين صرحوا بعملهم الحثيث على رغبتهم بكسر الصورة النمطية التي رسمتها مسلسلات البيئة الشامية للمجتمع الدمشقي، هم بالأصل فنانون شاركوا في صناعة المسلسلات السابقة التي رسمت الصورة النمطية التي تزعجهم! وفي الغالب يحاول أصحاب هذه التصريحات أن يدعموا موقفهم بالادعاء أن "العمل قائم على بحث تاريخي"، لكننا لا نلمس أي اختلافات تذكر بمحتوى الأعمال الجديدة عند عرضها؛ بل على العكس من ذلك، إن إقحام بعض التفاصيل التاريخية على البيئة والحكايات الفانتازية عن تلك الحقبة يزيد الأمر غرابة.

البيئة الشامية والهوس التاريخي

في الغالب لا يدرك صنّاع هذه الدراما أن السبب وراء نجاحها كان مرتبطاً بحكاياتها البسيطة التي تشبه الحكايات الشعبية المنقولة بالتواتر الشفوي عن تلك المرحلة، وليس له علاقة بقيمة هذه الدراما التوثيقية أبداً؛ فالجمهور أحب حكاية شوارب محمود وحكاية كنز الإدعشري وصراع المعلم عمر والمخرز بشأن نصف الزبدية الصينية، وآخر ما كان يهتم به أن يرصد تطورات الصراع العربي الفرنسي من خلال هذه المسلسلات، ولم يكن يهتم بالطبع بالنشرات التي تعلن تبدل الزعماء والولاة. لذا، فإن زيادة حشو هذا النوع من المعلومات ضمن دراما البيئة الشامية هو أمر يضعفها ولا يزيد من قيمتها البتة.

مكياج عمليات تجميل وفلاتر

شفاه منفوخة، تاتو حواجب، أنوف منحوتة ورموش صناعية طويلة. بهذه الملامح تطل الممثلات السوريات على الشاشة كل سنة ضمن مسلسلات يدعي صنّاعها أنها تمثل حقبة تاريخية في حياة مدينة دمشق! نعم، إن مسلسلات البيئة الشامية يجب أن تتخلى عن سعيها المحدث بتقديم وثائق تاريخية لا يمكنها أن تصنعها، ولكنها يجب أن تقدم صورة منطقية عن تلك المرحلة من ناحية أخرى. هذا أمر لا يمكن أن يتحقق مع الفلاتر الغريبة التي يتم استخدامها بالصورة في بعض المسلسلات، ومن المستحيل الوصول إليه مع ممثلات يهتممن بمظهرهن الخارجي أكثر من اهتمامهن بتقديم شخصيات مقنعة.

ربما تحتاج مسلسلات البيئة الشامية ثورة من نوع خاص، يتم فيها التخلي عن الممثلين والممثلات الذين غيرت عمليات التجميل ملامحهن، والاستعاضة عنهم بممثلين بأشكال طبيعية. حقيقةً إن الشاشة السورية تفتقد لممثلين من هذا الطراز، من أمثال: هدى شعراوي وحسن دكاك وعصام عبه جي وهالة شوكت.

البطولات الجماعية والإسقاطات السياسية

قد تكون أحد أهم العوامل التي تجعل صنّاع الدراما السورية عالقين بذلك الزمن الدرامي البعيد، في النصف الأول من القرن العشرين، هو استحالة تكوين حكايات درامية مشابهة بزمن معاصر. إذ إن الجمهور يحب مشاهدة حكايات البطولات الشعبية الجماعية، وهي بطولات لا يمكن الحديث عنها في ظل نظام قمعي كنظام الأسد من دون مواربة.

والغريب في دراما البيئة الشامية أن النظام القمعي راح يستثمرها لصوغ إسقاطاته السياسية، ليقدم رسائله الخاصة للجمهور؛ فحاول مع بداية الثورة استثمار العامل الزمني، ليصوغ إسقاطاته عن نظرية المؤامرة من خلال الصراع العربي الفرنسي بذلك الزمن. وفي هذه السنة نلاحظ أن مسلسلات البيئة الشامية تعود بالزمن إلى بداية القرن العشرين، لتستثمر عامل الزمن وتصنع إسقاطاتها التي تخدم ماكينتها الإعلامية لترسم صورة وحشية فاقعة عن تركيا.

عقدة باب الحارة

في كل انتقادات مسلسلات البيئة الشامية، تتم الإشارة إلى باب الحارة كنموذج سلبي، لكن لا أحد يستطيع إنكار نجاح المسلسل بأجزائه الأولى. هذه السنة دخلت شركة "عاج" في صراع "باب الحارة" فور عودتها إلى سوق الإنتاج الدرامي؛ الصراع الذي دار لسنوات بين المخرج بسام الملا والمنتج محمد قبنض. شركة "عاج" كتبت في شارة "حارة القبة" تعريفاً لها: "الشركة المنتجة للجزأين الأول والثاني من باب الحارة"، لتدعي أنها صانعة النجاح الذي تلاه كل ذلك الفشل وتزيد بذلك الجدل.

وبالتزامن مع ذلك، عاد "باب الحارة" بالجزء الحادي عشر؛ جزءا ضعيفا يفتقد لنجومه ولحكاية متماسكة ولأي عامل من عوامل الجذب. ومن خلال تصريحات قبنض فإن إنتاج "باب الحارة" لن يتوقف أبداً، وأن المسلسل سيستمر لثلاثين جزءا حتى تصل سوريا إلى زمن أجهزة الموبايل! لتؤكد هذه الحوادث المتفرقة أن عقدة باب الحارة لا تزال مستمرة.

وعلى هامش هذا الصراع تتجلى المفارقة، أن صناع الجزء الحادي عشر من "باب الحارة" يسوقون للعمل بأنه ثورة على الصورة التي رسمها بالأجزاء السابقة؛ ليشترك "باب الحارة" بتقديم صور مشوهة معكوسة عن المجتمع الدمشقي، يبرز فيها انفتاح المجتمع الدمشقي النوعي ودعمه لقضايا نسوية راهنة؛ ليمشي مع التيار السائد في مسلسلات البيئة الشامية الجديدة.