اهتماماتُ الداخل السوري.. عزوفٌ عن الحقائق وميلٌ للشائعات

2022.09.16 | 07:09 دمشق

1
+A
حجم الخط
-A

ينحسرُ بشكل لافت اهتمام السوريين في الداخل عن القضايا الوطنية المصيرية لصالح الاهتمام بقضايا آنية وهموم معيشية متفاعلين في معظم الأحيان مع أخبار لم تخرج عن دائرة الشائعات، والغريب أن بعض هذه الشائعات نالت من الاهتمام قدراً كان كافياً أحياناً لصناعة رأي عام.

الموضوعية كانت دافعي حين قلتُ صناعة رأي عام ولم أقل تشكيل أو بناء رأي عام.

أقتبسُ من الموسوعة السياسية ما يؤيد مزاعمي: "يتشكل الرأي العام من اتجاهات الناس ومواقفهم الحرة إزاء موضوع معين عندما يكون هؤلاء الناس أعضاء في جماعة معينة أما صناعة الرأي العام، فهي تتم بفرض رأي فئة معينة متفوقة على سائر فئات الشعب عن طريق وسائل كثيرة تؤثر في آراء واتجاهات العامة".

لا يوجد في شمال غربي سوريا مؤسسات أو مراكز تختص برصد المزاج العام للمجتمع وما يطرأ عليه وفيه من تغييرات.

تعيش هذه البقعة من العالم في ظل ظروف استثنائية تفرض علينا التغاضي عن الطرائق العلمية المنهجية المعتمدة في بقية الكوكب، وهذا ما قد يجيز لنا الاعتماد على ما تنشره هذه المجموعة البشرية على صفحات الإنترنت ومجموعات الواتساب وغرف الكلوب هاوس لمعرفة ردات الأفعال ووجهات النظر المجتمعية بخصوص أي قضية عامة أو حدث مصيري يؤثران في الشأن السوري.

فعلى سبيل المثال، انتهت منذ عدة أيام فعاليات مؤتمر "الميثاق الوطني للسوريين في أميركا" والذي أقيم في العاصمة واشنطن خلال يومي التاسع والعاشر من أيلول الجاري، بحضور مجموعة من السوريين الأميركيين، ومشاركةٍ عبر الأثير لعدد من الشخصيات الوطنية السورية المقيمة خارج الولايات المتحدة.

صدر البيان الختامي للمؤتمر، مكوناً من عشر نقاط تتناول الهمّ السوري، ومصير السوريين، وشكل نظام الحكم المقترح، وعدة قضايا تشمل جميع السوريين.

ولقد أكد المنظمون، على أهمية التحضير لمؤتمر سوري عام يمثل جميع السوريين في المهاجر والشتات والداخل.

فما هي وجهة نظر الداخل بخصوص فكرة المؤتمر ومكان انعقاده والأسئلة التي طرحها المنظمون في بطاقات الدعوة، وأخيراً ما هو رأي سوريي الداخل بمخرجات المؤتمر وبيانه الختامي؟!

لجأتُ لمحركات البحث في غوغل وفيس بوك وتويتر، ولعدة أيام أتابع مجموعات واتساب وتيليغرام التي أملك وصولاً لها، ما رصدته من تفاعل السوريين أقل بكثير من ذلك الذي أعقب شائعة وفاة بثينة شعبان للمرة الثالثة خلال عشر سنوات.

أحاديث الناس في الطرقات لا تهتم غالبا بمثل هذه الأحداث، والحكم هنا لا يقتصر على المؤتمر الأخير فقط.

بل إن أحداثاً أبلغ تأثيراً كمسار مؤتمرات أستانا، التي كان لقراراتها أثر في حياة ملايين السوريين، بدءاً من قرارات المعارك والهدن، مروراً بحملات التهجير، وانتهاءً بوضع معابر وحدود قسمت شمال غربي سوريا.

ولعل ردة الفعل الوحيدة التي أجمعنا عليها كانت الانزياح الأليف شمالاً (مدنيين وفصائل وأحزاب) وبحسب تعريف آخر ورد في الموسوعة السياسية: "الرأي العام تفاهم جمعي بين وجهات نظر الجماهير، بخصوص مسألةٍ تثير اهتمامها، وتمسُّ مصلحتها"

 فهل من الجائز اعتبارُ إجماعنا على الصمت رأياً عاماً؟؟

عجزُ المجتمع عن تشكيل رأي عام إزاء قضايا وأحداث تتعلق بمستقبله، ظاهرةٌ بالغةُ الخطورة، وهنا يجدر بنا التساؤل عن دور الإعلام، وتقييم أدائه، وأقصدُ هنا جميع المنصات الإعلامية السورية المنسجمة في توجهاتها وسياساتها التحريرية مع السوريين الذين يسكنون شمال غربي سوريا، يدفعني لهذا التساؤل الدور المهم للإعلام في تهيئة مناخ تشُّكل الرأي العام، بما ينسجم مع مهمته التنويرية، من خلال نشر المعلومات والأخبار على أساس الصدق والشفافية واحترام عقول الناس.

بعيداً عن درك الدِّعاية التي تستهدف غرائز ودوافع وانفعالات الناس، متبعةً أساليبَ لا تخضعُ غالباً لسلطان الضمير، بل قد تنتهج التهويل والاجتزاء وحتى الكذب التزاماً بسياسة جهةٍ تشغيلية هدفها تزوير أو تغييب الرأي العام.

هل تُجري منصاتنا ومواقعنا وصحفنا مراجعاتٍ ذاتيةٍ دورية تقيم من خلالها أداءها وأثر هذا الأداء مما يبقيها إعلاماً محصناً ضد لوثة الدِّعاية وأهلها؟

في مقابلِ العزوف عن الحقائق والأحداث المصيرية نجدُ لدى سكان شمال غربي سوريا ميلاً ظاهراً لتبني الشائعات.

في بداية شهر آب الماضي، انطلقت من مكان ما في إدلب شائعةٌ تؤكد أن سعر الخبز سينخفض لما دون النصف، وخلال يومين فقط، سرت الشائعة مالئةً صفحات الإنترنت وشاغلة الناس، حدث هذا بالتزامن مع ارتفاع سعر القمح عالمياً، وهو ارتفاع مستمرٌّ منذ غزا الروس أوكرانيا، فما السرُّ وراء سرعة انتشار الشائعة؟

في كتابهما "سيكولوجيا الشائعة" يعرف الباحثان جوردان أولبورت وليو بوستمان الشائعة بأنها: "كل قضيةٍ أو عبارةٍ نوعيةٍ مطروحةٍ للتصديق يتمُّ تداولها دون دلائل تؤكد صدقها، إنها أداة تؤثرُ في تشكيل الوجدان بخصوص قضية ما، بالشكل الذي يخدم مصالح صانعيها ومروجيها".

لقد كانت المصلحةُ في تعريف الرأي العام عائدةّ على كل الجماهير، بينما نجدها في تعريف الشائعة لا تشمل إلا جهة غامضة أطلقت الشائعة.

من خلال مقاطعة التعريفين، نجد بأن غياب الرأي العام الحر يكون غالباً لتحقيق مصلحة جهة ما.

مناخاتُ تشكُّلِ الرأي العام الحر تتطلب تفاهماً طوعياً حول المصلحة الأكثر نفعاً للجماهير، فهل يكون كل هذا دون إعلامٍ ينيرُ العقول ويساهم في نضوج وعي وطني يدرك مصالحه ضمن مناخ عام ليس للجدران فيه آذان؟

يقول الكاتب الأميركي مارك برينسكي، والاقتباس على ذمة الموسوعة السياسية: "تنتشرُ الشائعاتُ ويتم تداولها بكثرة في المجتمعات التسلطية التي لا تتيح حرية الرأي وتدفق المعلومات، وتكثر في ظل الأزمات وعدم الاستقرار، فالشعبُ في مثل هذه الظروف يكونُ أكثر قابلية لتصديق الشائعات".

أجزمُ بأن برينسكي لم يقصد في كلامه إلا البيئات القمعية لا المناخات الديمقراطية المترعة بالحرية في شمال غربي سوريا، فإن كان غير ذلك وجب اعتباره متآمراً.