icon
التغطية الحية

انتفاضة العامية في جبل حوران (الدروز) 1891.. كتاب يؤرخ تكوين جبل العرب

2024.02.19 | 00:13 دمشق

قفغقف
+A
حجم الخط
-A

"انتفاضة العامية في جبل حوران (الدروز) منذ إعادة إعماره حتى عام 1891"، كتاب صدر حديثاً عن دار "دلمون الجديدة"، كان قد أنهى تأليفه الكاتب والباحث السوري نبيه القاضي قبيل وفاته، وقرر نجله الكسندر نبيه القاضي طباعة صفحاته وفاءً لذكرى والده، بعد أن راجعه وقدّمه الباحث والأكاديمي فندي أبو فخر.

تنبع أهمية الكتاب الذي جاء في 250 صفحة، من كونه يؤرخ بدايات تشكّل التجمعات السكنية الأولى في جبل العرب جنوبي سوريا حتى انتفاضة العامية (1889- 1891)، وبوصفه وثيقة حقيقية محايدة وعادلة وبعيدة عن الاصطفافات والتعصبات العائلية وغيرها داخل الوسط الدرزي.

ويرصد الكتاب مرحلة الاستقرار الأولى في الجبل بدءاً من العام 1680 حيث نزح إليه قرابة 1500 شخص بزعامة الأمير علي علم الدين بعد سنوات من هزيمة اليمنيين أمام القيسيين في معارك برج الغلغول التي اندلعت في بيروت عام 1667، وكان من بين النازحين حمدان الحمدان وحسين أبو فخر وآخرون، حيث أقاموا في قرية نجران وغربها بريف السويداء.

وبعد استعادة اليمنيين نفوذهم في لبنان، عاد علي علم الدين وكلف معاونه حمدان الحمدان شيخاً يدير أمور الناس هناك .

قبل ذلك الوقت، لم يكن (جبل العرب/ حوران/ الدروز) مسكوناً، إلا من بعض عشائر البدو الرحل التي تمرّ مروراً بقصد الاستفادة من آبار المياه فيه صيفاً قبل أن تنتقل بمواشيها باتجاه البادية. وعندما قدم النازحون إلى المنطقة، خاضوا صراعاً مريراً ضد بعض العشائر التي لم يرق لها وجود القادمين الجدد.

ؤفؤف

زعامة ابن الحمدان وتمرد الجبل ضد إبراهيم باشا

وبعد معركة عين دارة في جبل لبنان 1711 بين القيسيين المدعومين من الشهابيين والعثمانيين ضد اليمنيين، توالت الهجرات إلى الجبل وكان الزعيم من آل الحمدان يتولى توزيعهم على القرى المهجورة لإعمارها والسكن فيها .وخلال ذلك، مارس ابن الحمدان دور الحاكم، وخُصّصت له نسبة من الغلال والحيوانات وبقية المواد.

وينحدر آل الحمدان من الحمدانيين (التغالبة) الذين أنشأوا الدولة الحمدانية الشهيرة في حلب والموصل، وكان من أبرز قادتها سيف الدولة الحمداني (حلب) وأخيه ناصر الدولة (الموصل)، والشاعر أبي فراس الحمداني.

بعد اضمحلال الدولة الحمدانية، وقعت في أثناء حكم الدولة الفاطمية مذابح عدة بحق الدروز من بينها مذبحة أنطاكيا الشهيرة في القرن الـ11 الميلادي، وعلى إثرها نزحت أقوام إلى لبنان ومنه إلى الجبل بعد عدة قرون، كما أسلفنا، بينما بقيت 14 قرية في جبال إدلب. وخلال الحقبة العثمانية، نزح دروز آخرون من مناطق في فلسطين بسبب الصدامات والمعارك والتمردات ضد العثمانيين، واستقروا في قرى الجبل وعمروها.

نشأ لآل الحمدان كيان حقيقي راسخ، وتزعموا الجبل (فعلياً) من 1711 حتى 1860 تقريباً، وقادوا القوم في معارك مهولة خاصة ضد حملات إبراهيم باشا (ابن محمد علي باشا والي مصر) بين عامي 1837- 1838 التي فشلت في دخول الجبل وتحقيق شروطها في التجنيد وغيره. برز منهم حينذاك يحيى الحمدان، وكان تعداد سكان الجبل نحو 5 آلاف، منهم 1500 من أبناء الدين المسيحي ومن البدو.

أما عدد المقاتلين الفرسان من الدروز فلم يكد يصل لألفي فارس، ومع ذلك ألحقوا الهزائم بجيوش إبراهيم باشا المدججة، والتي وصل تعداد أحدها إلى 15 ألفاً.

واشتهر من بين القادة والمقاتلين من دروز سوريا في ذلك الوقت: أبو علي قسام الحناوي واسماعيل الأطرش الثاني وحسين ومحمد أبو عساف وقاسم ومحمد القلعاني وفارس وأسعد عامر وعلي عز الدين ومحمود وهزيمة هنيدي وحسين الحمدان... وغيرهم كثيرون، منهم من قتل في المعارك ومنهم من بقي حياً.

انتقال الزعامة إلى آل الأطرش

ورغم أن آل الحمدان يسجل لهم ترسيخ وجود الناس في الجبل، وإعلاء مقامهم بسبب قيادتهم المعارك، لكنهم مارسوا القسوة مع الفلاحين حيث كانوا أجراء أو مرابعين ولا يملكون سوى جهدهم، معتمدين على المشايخ في القرى، حيث سياسة الترحيل من القرية لكل من يتمرد على الأوامر، ويقال أن واكد الحمدان كان ينصب المشنقة لبعض الناس، وما يزال مكان المشنقة في مدينة السويداء قائم عند البوابة الرومانية المعروفة.

بدأ التململ في مختلف القرى ضد زعامته، وبرز في تلك الفترة إسماعيل الأطرش كقائد في بعض المعارك، وخاصة حين ذهب على رأس قوة من 600 فارس الى زحلة لنجدة خطار بك عماد، وغيره لينجد من استنجدوا بهم .

وعقدت التحالفات في بعض القرى واستغل إسماعيل الأطرش تذمر الناس ووعدهم بتحقيق مطالبهم واجتاح معاقل الحمدان في عرى وغيرها، لكنه توفي بعد ذلك في ظروف ذكرها الكتاب، فتحالف ابنه إبراهيم مع بعض العائلات ووعدهم بتخليصهم من الضيم ودخل السويداء وأنهى زعامة آل الحمدان عام 1876 والتي استمرت زهاء قرنين من الزمن.

انتفاضة العامية

ما إن استقرت الزعامة لإبراهيم الأطرش حتى استولى على كل أملاك وامتيازات آل الحمدان ومارس أقسى ما كان يمارسه ابن الحمدان، خاصة أنه وزع اقرباءه شيوخاً على 25 قرية في المقرن القبلي وكان للشيخ وحده ربع الأرض في القرية.

شعر الناس بالخذلان مجدداً وبدأ التململ في عدة قرى وكان أبرز حدث أن فلاحاً في عرمان تجرأ وحصد في أرضه قبل أن يأذن الشيخ، وجاء الجمل محملاً بالقمح، وما إن علم الشيخ نجم الأطرش حتى أرسل رجاله فحرقوا الجمل بحمله.

هذه الحادثة أثارت غضب الكثيرين، وتوالت الأحداث بدءاً من عام 1889 مع تكرار تجمع الفلاحين في قرى عديدة وبدء المناوشات التي تطورت الى اشتباكات، وأخرجوا آل الأطرش من جميع معاقلهم، ما أغضب الوالي العثماني لهذا التمرد الخطير، وكان إبراهيم الأطرش قد استنجد به، فنسق مع الباب العالي وأرسل جيشاً كبيراً ووقعت المعركة في الشقراوية عام 1891 حيث لم تتعدّ قوات الثوار الـ1000 فارس، فخسروا 400 قتيل، واستطاع العثمانيون دخول الجبل لأول مرة بعد أن عصي عليهم وعلى إبراهيم باشا خلال قرنين، وفرضوا التجنيد، لكن بعد أشهر تم التوصل الى اتفاق يحدد ملكية الشيخ بنصف الربع ويمنع الترحيل، ويملك الأرض للفلاح الذي يعمل فيها.

عرفت هذه الأحداث بـ انتفاضة العامية، وتعتبر لدى أبناء الجبل حركة ضد الظلم، استطاعت التبلور رغم تحالف مشايخ العائلات المالكة مع آل الأطرش، لتشكّل حركة رائدة على مستوى المنطقة.

أحداث كثيرة أخرى مرّت عليها صفحات الكتاب، ولا يسعنا المجال لذكرها وسرد تفاصيلها، إلا أنها في غاية الأهمية نظراً لتحليها بقدر كبير من الحيادية والموضوعية وعدم الانحياز لدى مؤلف الكتاب، الراحل نبيه القاضي.