icon
التغطية الحية

النفوذ الباكستاني يتعاظم في سوريا بكل هدوء.. ولكن ما هدفه؟

2023.08.24 | 17:11 دمشق

آخر تحديث: 24.08.2023 | 17:11 دمشق

الأسد مستقبلاً الرئيس الباكستاني الأسبق آصف علي زرداري في دمشق - تاريخ الصورة: 2010
بشار الأسد مستقبلاً الرئيس الباكستاني الأسبق آصف علي زرداري في دمشق - أرشيفـ 2010
Middle East Eye - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

غالباً ما ينطوي أي منصب دبلوماسي عادي إلى سوريا على مهمة مملة، فتمضي فترة المنصب الرسمي دون وقوع أي حدث مثير، لكن الوضع اختلف مع السفير سعيد محمد خان، وهو المبعوث الباكستاني النشط إلى دمشق لمدة عامين، فقد انسحب من البلد دون أن يثير أي لغط غير معهود من حوله، وهذا ما أعطى لمحة عن الدور المتعاظم لبلده في سوريا ويكشف أهمية هذا الدور الذي بقي لفترة طويلة بعيداً عن أي راصد.

في حفل وداع نادر أقيم في آب الماضي بفندق الداما روز بدمشق، قلد بشار الجعفري، الذي كان نائب وزير الخارجية وقتها، السفير خان وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة، ويعتبر هذا التكريم الأرفع من نوعه لشخصية غير سورية.

واليوم، وفي الوقت الذي تمد فيه سوريا جسور الدبلوماسية في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، وتستأنف علاقاتها مع جيرانها بعد عقد من النزاع المتواصل كلفها نصف مليون إنسان وجعل منها دولة منبوذة، تتحول هذه الدولة إلى بوابة مهمة للعالم العربي بنظر باكستان، وهذه النظرة ليست وليدة اليوم، بل لطالما احتفظت بها باكستان تجاه سوريا منذ أمد بعيد، ولم تغيرها حتى بعد اندلاع الحرب في سوريا عام 2011.

استغلت إسلام آباد القطاعات المهملة في البنية التحتية المتهتكة في سوريا، وعلى رأسها قطاع التعليم والتجارة، وذلك لتعزز من علاقاتها المتينة أصلاً مع سوريا، في الوقت الذي تطمح فيه لتوقيع عقود معها لإعادة الإعمار فضلاً عن الاتفاقيات التجارية بين البلدين، بعدما لاحظت إسلام آباد مفترجاً قريباً يلوح أمام هذه الدولة التي عاشت عزلة دولية.

علاقات تاريخية

يخبرنا خان بأن العلاقات بين البلدين تحسنت كثيراً خلال السنين القليلة الماضية، وتعززت بشكل كبير من خلال التعاون في مجال التعليم.

إذ في كانون الأول من عام 2015، أي في ذروة العزلة الدولية التي فرضت على سوريا، رفضت باكستان دعم أي مساع أو مطالبات تحاول استبعاد حكومة الأسد، وواصلت عملها في المدرسة الباكستانية الدولية بدمشق والتي أصبحت اليوم من أهم المدارس في هذا البلد، ولهذا يعلق خان بالقول: "نحاول مساعدة السوريين قدر استطاعتنا ونتيجة لذلك ازدهرت العلاقات فيما بيننا، فقد لعبت باكستان دوراً مهماً في تسهيل نقل معدات كوفيد-19 وفي التداعيات التي ترتبت على حرائق الغابات القريبة من الساحل السوري في عام 2020، واستمرت على نهجها حتى وقوع الزلزال الذي ضرب الشمال السوري في عام 2023، أي أن باكستان كانت وما تزال موجودة لتمد يد العون".

يخبرنا خان بأن العلاقة بين سوريا وباكستان غلب عليها الطابع العسكري منذ عام 1967، إذ يقول: "حدث تقارب كبير بيننا وبين سوريا خلال حرب 1967 وحرب 1973، ولهذا قرر طيارون باكستانيون أن يحاربوا إلى جانب سوريا فقتلوا جنوداً إسرائيليين كانوا على متن طائرات حربية إسرائيلية.. كما أننا لم نخضع للضغوط الخارجية، وحاولنا تحسين علاقاتنا في عديد من القطاعات والمجالات المختلفة، وحققنا تقدماً ملموساً خلال السنوات القليلة الماضية، لاسيما على المستوى الشخصي، عندما أقمنا علاقات متينة مع الوزارات السورية".

عند اندلاع الحرب، راهنت باكستان على حكومة بشار الأسد التي إن بقيت في السلطة، فإن نهج القوة الناعمة الذي تنتهجه إسلام آباد لابد أن يؤتي أكله.

وبما أن داعمي النظام التقليديين لم يكترثوا بأمر التعليم ولو قليلاً، لذا استغلت باكستان هذا القطاع على وجه الخصوص لتزيد من نفوذها من دون أن تثير حفيظة أحد.

وعن ذلك يقول خان: "كانت رؤيتنا تعتمد بشكل كبير على عدم معاداتنا لدمشق، لذا فمن الطبيعي أن نبحث عن قطاعات يمكننا من خلالها مد يد العون للسوريين في وقت لم يعد يرغب فيه أحد بمساعدتهم، ولابد للشعب السوري أن يتذكر هذا لنا مستقبلاً".

توسيع العلاقات في فترات غير مضمونة

سطع نجم روسيا وإيران منذ بداية الحرب في سوريا، وأتى ذلك نتيجة لدعمهما للنظام عسكرياً واقتصادياً، كما تعاظم دور الصين لكنها لم تغادر مقعدها الخلفي في اللعبة، أي أنها لم تتدخل في سوريا عسكرياً.

وفي تلك الأثناء، لم تلعب باكستان أي دور رسمي في النزاع، على الرغم من أن جماعات مسلحة من أمثال لواء زينبيون وغالبية مقاتليه الأجانب من شيعة باكستان حارب إلى جانب النظام فعكر صفو العلاقات بين البلدين بطريقة ما.

وهكذا، أخذت الحكومة الباكستانية هي وأجهزة مخابراتها تسعى للحصول على معلومات ثم عقدت اتفاقاً ضمنياً مع دمشق لكبح جماح هؤلاء المقاتلين ولإنهاء وجودهم في سوريا، إذ كان ذلك أهم سبب خفي لدى إسلام آباد.

عند مقارنة باكستان ببقية حلفاء النظام السوري، نكتشف غموضاً أكثر يكتنف الاستراتيجية الباكستانية خلال العقد الماضي، فلقد لعبت إسلام آباد لعبة الحليم التي تتوقع لها أن تؤتي ثمارها اليوم وهي تترجم وجودها الهادئ في سوريا طوال سنين طويلة إلى عقود واتفاقيات.

 

Supporters of Pakistan Awami Workers party holds a rally against possible United States strike on Syria in Peshawar, Pakistan, 2013 (AP)

باكستانيون يتظاهرون ضد ضربة أميركية محتملة على سوريا في بيشاور بباكستان عام 2013

 

في تشرين الثاني 2021، وقعت إسلام آباد ودمشق مذكرة تفاهم حول تدفق المعلومات لمجموعة عمل معنية بالشؤون التجارية والاقتصادية، وكان الهدف الأساسي من هذه الاتفاقية التي تمتد لخمس سنوات هو تنفيذ مشاريع استثمارية وعقد صفقات تجارية وتنظيم معارض ومؤتمرات، والبحث عن فرص ومجالات للتعاون.

وقد تضاعف حجم التبادل التجاري بين البلدين بشكل ملحوظ خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2021 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2020، وبما أن باكستان تتصف بسرعتها في اقتناص الفرص حتى في خضم الكوارث الطبيعية، لذا سارعت لتقديم مقاعد مدرسية وكراس وألبسة وأغذية وقرطاسية لمحافظة اللاذقية عقب حرائق الغابات التي نشبت هناك وتسببت بنزوح الآلاف، ولقد أشرف خان على تلك الحملة  شخصياً.

من الدفاع إلى التعليم

كان كمال علم، وهو عضو باكستاني رفيع غير مقيم لدى مجلس الأطلسي، يقيم في سوريا التي فُرز إليها جده وأعمامه في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي نظراً لانضمامهم إلى سلاح الجو الباكستاني، وعن ذلك يقول: "تعتبر العلاقة بين باكستان وسوريا من أمتن العلاقات العسكرية التي قامت بين البلدين منذ استقلالهما، فلقد حارب سلاح الجو الباكستاني إلى جانب سوريا ودرب طياريها في كل الحروب المهمة التي قامت ضد إسرائيل، ثم إن كلتا الدولتين أرسلتا أهم الضباط إلى المدارس الحربية في كليهما، وقد تخرج رئيسان للمخابرات العسكرية في باكستان وهما اللواء زكي مانج واللواء سارفراز علي من الكلية الحربية بسوريا. أما من ناحية التعليم،  فتستقطب المدرسة الباكستانية الدولية النخبة السياسية والعسكرية السورية التي تدرس في دمشق، وخلال الحرب، قدمت باكستان معونات طبية وإنسانية نظامية".

 

Syrian President Bashar al-Assad kisses a schoolgirl at the Pakistan International School in Damascus as Pakistani military ruler Pervez Musharraf looks on in 2001 (AFP)

الأسد يقبل تلميذة في المدرسة الباكستانية الدولية بدمشق وهو برفقة حاكم باكستان العسكري برفيز مشرف في عام 2001

 

تلعب المدرسة الباكستانية الدولية بدمشق دوراً أساسياً في حياة الطبقات العليا من المجتمع السوري، لكونها مؤسسة آمنة ومحترمة وغربية الهوى ولهذا صار كل من اغتنى من السوريين يرسل أولاده إليها في وقت أخذت فيه المنظومة التعليمية تتراجع في سوريا، كما تعتبر هذه المدرسة المفتاح الذي فتح باب قطاع التعليم في سوريا على مصراعيه أمام باكستان، فلم يعد لها فيه أي منافس البتة اليوم.

في تموز من عام 2021، وقع وزير التعليم في حكومة النظام وقتئذ، دارم طباع، على بروتوكول يسمح للطلاب السوريين في المدرسة الباكستانية الدولية بدمشق بالحصول على شهادات من جامعة كامبريدج. وقد أشرف وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد، بنفسه على مراسم توقيع هذا البروتوكول ضمن احتفالية مشتركة نظمتها السفارة الباكستانية، وصرح بالقول: "إننا نعمل نحن أيضاً على تعميق العلاقات الثنائية بين البلدين عبر اتخاذ خطوات أخرى في ميادين العلم والثقافة".

ومنذ ذلك الحين، تم التوصل إلى اتفاق مشترك بخصوص تبادل المعلومات والخبرات في مجالات محددة للتعاون، إذ اتفق الطرفان على تبادل الزيارات بين الممثلين والفنانين والمؤلفين والمعلمين من خلال المشاركة في المؤتمرات والندوات والمحاضرات.

ونتيجة لذلك، زاد مستوى النشاط الدبلوماسي بين البلدين، وتكثف بوجود أنشطة دورية على مستوى الوزارات والبعثات. وبالرغم من أن معظم هذه الأنشطة تركز على التعليم، إلا أن العلاقات بين البلدين في مجال الدفاع والاقتصاد تطورت هي أيضاً، بعدما أسهمت باكستان في إنشاء معامل سورية لإنتاج السكر والإسمنت والأسمدة والورق.

زار سوريا في عام 2018 اللواء فايز حميد الذي كان رئيساً للمخابرات بباكستان والتقى بكبار المسؤولين وتناقش معهم حول زيادة التعاون بين البلدين، وقد تصدر مشروع تدريب الضباط السوريين ومنع عودة المقاتلين الباكستانيين من سوريا جدول أعماله.

ثم أتى كوفيد حاملاً معه فرصة أخرى لتمتين العلاقات بين باكستان وسوريا، فكانت باكستان ثاني دولة بعد الصين ترسل معدات طبية لسوريا عقب تفشي الجائحة، إذ أرسلت شحنة تضم 250 ألف كمامة، وآلاف المعدات الواقية.

وفي تشرين الثاني من عام 2021، بدأت خطوط الطيران التجاري السورية والباكستانية تسير رحلات بين البلدين.

وعندما قدمت الولايات المتحدة لباكستان نحو 200 مليون دولار كمساعدات في عام 2022 في الوقت الذي كانت فيه سوريا ترزح تحت وطأة عقوبات أميركية ثقيلة، كان من المرجح للعلاقات التي طورتها باكستان مع سوريا أن تتسبب بحدوث مشكلات لها مع واشنطن، غير أن الولايات المتحدة ما تزال تلتزم الصمت حتى الآن، على الرغم من ممارستها لشيء من الضغط على إسلام آباد وتعريضها باحتمال خرق باكستان للعقوبات المفروضة على سوريا، إلا أن موقف واشنطن من سوريا يبدو في غاية التعقيد بعدما بدأت الدول العربية التي تحالفت معها بإصلاح ذات البين مع الأسد.

ستظل روسيا وإيران تتصدران المشهد في سوريا، ولكن في الوقت الذي لابد أن تسعى فيه هاتان الدولتان لمواصلة تعزيز وجودهما هناك، ستكتشفان بأن باكستان قد سبقتهما إلى ذلك بفضل هدوئها المعهود.

المصدر: Middle East Eye