النظام العربي ونظام الأسد الذي لا يشبه إلا ذاته

2023.06.08 | 06:06 دمشق

النظام العربي ونظام الأسد الذي لا يشبه إلا ذاته
+A
حجم الخط
-A

بعد عودة الأسد إلى الجامعة العربية، واستقباله مزهوا على السجاد الأحمر، وأخذ الصور التذكارية وتبادل القبلات الحارة أمام كاميرات العالم، طرح المعلقون الكثير من الأسئلة حول التعارض الكبير بين "الخفة الغافلة لدفن القضية السورية"[1]، وبين الثقل المأساوي لهذه القضية. إن القفز فوق صراع طويل متعدد الأبعاد المحلية والإقليمية والدولية، يعبر عن خفة واستخفاف وقصر نظر، أنكرت قمة جدة تضحيات السوريين وآلامهم، ومنحت شخصا تافها انتصارا مجانيا كبيرا بلا مقابل. لا يمكن لهذا الواقع أن يستقيم، الواقع القائم على مليون جثة ومليونين مصاب وجرائم حرب ضد الإنسانية، هو واقع زلزالي قابل للانفجار.

نظام الأسد، بالرغم من المشتركات التي تجمعه بأقرانه، مشتركات في الاستبداد وقمع الحريات وإخضاع الشعوب، إلا أنه يتميز بالكثير الكثير، فهو لا يشبه إلا ذاته من حيث العنف والقتل والتنكيل وارتكاب جرائم الإبادة الجماعية وجرائم حرب بحق الإنسانية، هذه فرادة خاصة قل مثيلها. نظام لم يبرع إلا في القمع وقهر شعبه وتوظيف إمكانات الدولة التي اغتصبها لتعزيز آلته القمعية والعسكرية، بعد أن أوهم السوريين وغيرهم، أنها مخصصة للدفاع عن الوطن، واسترداد الحقوق الوطنية المنتهكة منذ أكثر من نصف قرن، وإذ به يخون الأمانة ويوجهها إلى صدور الشعب.

أن يعطى الفرصة ليحاضر ويطالب العرب بالخروج من قيود التبعية، في حين وضع بلده في حالة من التقسيم والتشظي، بعد أن طلب تدخل الأجانب من روس وإيرانيين واستقدم ميليشيات طائفية حاقدة، لحماية عرشه من السقوط، يحاضر برفض التدخل الأجنبي في حين وضع سوريا تحت الاحتلالات متعددة الجنسيات. لم ير في بلده سوى "الاحتلال العثماني بنكهة إخوانية". عبر هذه المحاضرة يستخف بشار الأسد بعقول مستمعيه، فهم يعرفون جيدا من دفع 4 ملايين سوري إلى طلب اللجوء في تركيا؟ ومن الذي هجر 4 ملايين غيرهم إلى الشمال يعيشون تحت الحماية التركية؟ ثلث الشعب السوري الآن يعيش في ظل "السيادة التركية". من وضع سوريا على طريق التلاشي والاختفاء؟ نصف شعبها مهجر والنصف الآخر جائع، لا تتوفر له الحدود الدنيا من مقومات العيش، من أوصل سوريا وشعبها إلى هذا القاع؟ هو "الرئيس" الوريث بشار الأسد. هل كرسي سيادته يستحق كل هذه الأثمان؟ دمار وطن وقهر شعب وتحويله إلى مشردين ومهجرين وجائعين ومتسولين يعيشون على المساعدات الإنسانية. وهل تصدقون أن من فعل كل هذا الخراب، سيكون مؤتمنا لحل مشكلات اللاجئين ومشكلات إغراق مجتمعاتكم بالمخدرات، وسيعمل على إخراج سوريا من محنتها، بعد أن عمل كل ما يستطيع لإغراقها في هذا المستنقع وتحويلها إلى ولاية إيرانية، في خدمة مشروع التمدد الفارسي، في ظل غياب النظام العربي عن الفعل.

منذ ثمانينيات القرن الماضي أطلق الباحث الفرنسي ميشيل سورا تسمية "الدولة البربرية" أو المتوحشة، في محاولة لوصف الدولة الأسدية التي تتميز بفرادتها في التوحش والبربرية

يضع النظام الأسدي الخطط ويشكل الجمعيات "الخيرية" لنهب وتعفيش حتى المساعدات الإنسانية المخصصة لشعب جائع، لقد ضجت المنظمات الدولية بفضائح سرقة المساعدات من قبل النظام منذ بداية حربه على الشعب السوري، عمل على نهب هذه المساعدات وتوظيفها في تغذية آلته الحربية لقتل السوريين، بدلا من تضميد جراحهم، وتلبية بعض حاجاتهم، ضجت لدرجة أن بعض البلدان أصدرت تشريعات خاصة في محاولة حماية المساعدات الإنسانية لتضمن وصولها إلى مستحقيها.

تميز النظام الأسدي، منذ التأسيس، بفرادة فهو لا يشبه إلا ذاته، تميز بوحشية استثنائية. منذ ثمانينيات القرن الماضي أطلق الباحث الفرنسي ميشيل سورا تسمية "الدولة البربرية" أو المتوحشة، في محاولة لوصف الدولة الأسدية التي تتميز بفرادتها في التوحش والبربرية. في السياق التاريخي، في الموجة الأولى من المواجهة بين الدولة المتوحشة والشعب السوري، في أواخر السبعينيات، سقط عشرات الألوف في مذابح متعددة توجت بمذبحة حماة في شباط 1982، وسقط الكثير من السوريين إعداما في سجن تدمر أو تحت التعذيب في المقرات الأمنية التي تعتبر "المعابد الحقيقية" في الدولة البربرية. تحولت الأجهزة الأمنية والتشكيلات العسكرية إلى تشكيلات طائفية، بعيدا عن الطابع الوطني.

"30 ألف قتيل" تضمن خضوع السوريين 30 سنة قادمة، بعد سحق جميع معارضيه من اليمين ومن اليسار، بدأ الحديث عن "الأبد" إلى الأبد إلى الأبد يا حافظ الأسد، وأقام التماثيل وبدأ التحضير لتوريث "الجمهورية". بعد التوريث، عرف السوريون ربيعهم مبكرا في عام 2000، حيث انتشرت المنتديات في المضافات والبيوت الخاصة، وطالبت النخب السورية بالتغيير التدريجي والانفتاح لأن النظام الأسدي ضاق كثيرا على السوريين وطموحهم بالتقدم والتنمية والمشاركة في تقرير مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، تم غض النظر عن هذه الظاهرة، ريثما استقرت الأمور للوريث، لم تتأخر سلطة الاستبداد عن إغلاق هذه المنتديات والقيام بحملة اعتقالات واسعة. تكرر هذا السيناريو في عام 2005 مع إعلان دمشق بعد اغتيال الحريري والانسحاب المذل للجيش الأسدي من لبنان. لم تكن المطالبات السياسية والحقوقية غائبة، لكن لم يستجب لها إطلاقا، بل اعتقل أبرز الناشطين فيها وتم تخوين الجميع، رغم الصفة السلمية لتلك الأنشطة.

موجة الربيع السوري الثانية التي انطلقت عام 2011 والمستمرة منذ عقد ونيف، يراد طيها اليوم، دون النظر إلى ما كابده الشعب السوري وما قدمه من تضحيات في مواجهة الفاشية الأسدية، تضحيات أكبر بكثير من أن تكون موضع مساومة، ومقايضة. الانفجار الثاني قادم وضمانة انفجاره قائمة ومستمرة أي بقاء السلالة الفاشية الأسدية جاثمة، بدعم روسي إيراني، على صدور السوريين.

هذه هي الدولة الأسدية البربرية، نهج وحشي قديم حديث، من هذه الزاوية كانت مبادرة الجامعة العربية إلى عزل نظام آل الأسد أواخر العام 2011. فالقمع الدموي الذي مارسه هذا النظام، بدا وكأنه أسرف وتمادى في إظهار طبيعة متوحشة، وهذا مرذول لدى الأنظمة الأخرى، ولا مصلحة لديها في أن تحمل وزر نظام بفاتورة دموية مروعة. هذا هو النظام الأسدي لا يتردد في نسف المجتمع الذي تتكئ الدولة عليه، بل نسف الدولة التي يستند النظام إليها إذا ما استشعر خطراً وجوديّاً.

في محاولة إعادة احتضان الأسد عربيا، في تبرير فاقع يعني الانتصار "للدولة الوطنية" ووحدة أراضيها واستقرارها، في مواجهة الفوضى، مما يعني اعترافا بشرعية آلة القمع باعتبارها مؤسسة "شرعية" من مؤسسات الدولة. كما يجري الحديث عن خطأ المجتمعات العربية في المسارات التي سلكتها لتحقيق مطالبها في الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحياة الحرة الكريمة.

ما الذي سيقدمه الأسد للنظام العربي؟ فما هو وزن هذا النظام في المعادلات الإقليمية والدولية؟ وأي إضافة يمكن أن يشكلها للنظام العربي؟ نظام منبوذ دوليا، محاصر اقتصاديا وسياسيا بقوانين صارمة

تصوير هذه العودة إلى الحضن العربي في محاولة لتفكيك الأزمات التي صنعها "الربيع العربي" ومنها اللاجئون والمخدرات، وكأن إعادة الاعتبار لدولة الأسد كفيلة بإنهاء هذه النتائج. وهكذا يجرى التغاضي، في الحالة السورية المضرّجة بالدماء، عن المرتكب لجرائم الإبادة الجماعية، والتهجير بهدف التغيير الديمغرافي، والاغتصاب واستخدام السلاح الكيماوي وكل أشكال جرائم الحرب التي ارتكبتها مؤسسات الأسد الطائفية التي لا تشبه مؤسسات "الدولة" لا من قريب ولا من بعيد.

ما الذي سيقدمه الأسد للنظام العربي؟ فما هو وزن هذا النظام في المعادلات الإقليمية والدولية؟ وأي إضافة يمكن أن يشكلها للنظام العربي؟ نظام منبوذ دوليا، محاصر اقتصاديا وسياسيا بقوانين صارمة، لا يستطيع التخلص من الهيمنة الروسية والإيرانية، رهن سوريا وثرواتها، حاضرا ومستقبلا، لتمديد البقاء في السلطة على أنقاض خرائب وطن، دمره بنفسه، وعلى حساب شعب هجره وأذله وحوله إلى شعب جائع، يعيش على المساعدات الدولية. بهذا الموقف، يجازف النظام العربي، نظام ما بعد الثورات، مجازفة خطرة، ربما تجعله مسرح الانفجار القادم.

 حضور الأسد يعني، أن القمة تبارك إجهاض تطلعات الشعوب العربية في دخول العصر وبناء دولة المواطنة، دولة القانون والحريات، دولة تقرر شعوبها مصيرها ومستقبلها، لا تكون رهينة التعسف والاستبداد. هذا الحضور والاحتضان لأحد كبار مجرمي العصر لا يشرف الجامعة، بل على العكس سيبقى بقعة سوداء تذكر أحرار العرب بما فعله هذا المجرم بسوريا البلد العظيم وبشعبها الصابر المعطاء.

 


[1] ياسين الحاج صالح