الملف النووي السعودي وسياسة التهدئة في المنطقة

2023.05.14 | 06:05 دمشق

"مجموعة السبع" تتعهد بمزيد من الدعم لأوكرانيا وعقوبات جديدة على روسيا
+A
حجم الخط
-A

في ظل المتغيرات الكبرى التي يشهدها النظام الدولي تسعى المملكة العربية السعودية إلى تطوير صناعاتها النووية ويأتي هذا التوجه في وقت يشهد فيه النظام العالمي استقطاباً حاداً من جراء الحرب الروسية-الأوكرانية، وانسداداً في الاتفاق النووي الإيراني، وتصاعداً في التنافس الأميركي-الصيني وهو ما يدفع السعودية ربما للبحث عن خيارات أمنية بديلة.

الطموحات النووية للسعودية ليست وليدة اللحظة وإنما يعود تاريخها إلى وقت الكشف عن البرنامج النووي الإيراني إلا أن هذه الطموحات تسارعت بسبب الدوافع المختلفة للمملكة ومع هذه الدوافع فإن لتحقيق السعودية طموحاتها النووية عدداً من الشروط والتحديات الداخلية والخارجية ويبدو أنَّ مستقبل البرنامج مرهون بمدى قدرة السعودية على التعامل مع هذه التحديات.

في ظل الانسداد السياسي في الملف النووي الإيراني واستمرار إيران في تطوير برنامجها النووي يبدو أن هناك خشية سعودية من عدم وفاء إيران بالتزاماتها وقد دعت الرياض في عدة مناسبات إلى تشديد الإجراءات ضد إيران لمنعها من إنتاج قنبلة نووية كما عملت الرياض على إرسال رسائل دولية بطموحاتها السلمية، وبأنها قادرة في الوقت نفسه على منافسة طهران في الأغراض العسكرية للنشاط النووي.

في أواخر 2022 أعلنت السعودية مناقصة لبناء أول محطة نووية تتكون من وحدتي إنتاج الكهرباء وذلك ضمن خططها لإنتاج الكهرباء من الطاقة النووية

في العام 2010 أعلنت حكومة المملكة العربية السعودية تأسيس مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة وفي العام 2011 أعلنت السعودية عزمها الاستثمار في بناء 16 مفاعلاً نووياً على مدار عقدين مقبلين بمبلغ قدره 80 مليار دولار، في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 دشن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، أول مفاعل نووي بحثي منخفض الطاقة في المملكة، وذلك ضمن خطط المملكة في تطوير صناعة المفاعلات النووية، وتأهيل الكوادر البشرية لتشغيل تلك المفاعلات، في أواخر 2022 أعلنت السعودية مناقصة لبناء أول محطة نووية تتكون من وحدتي إنتاج للكهرباء وذلك ضمن خططها لإنتاج الكهرباء من الطاقة النووية.

لن تكون هناك تسوية حقيقية للملف النووي الإيراني إلا بحدوث حالة من التوازن في ملفات الضغط بين السعودية وإيران

إن تمكن السعودية من إنتاج الوقود النووي قد يؤدي إلى تقليل اعتمادها على محطات الطاقة الغازية، وهو ما يدعم خطط المملكة لرؤية 2030 في زيادة الاعتماد على الطاقة النظيفة في تطوير مشاريع الطاقة المستقبلية، ولما كانت الطاقة النووية وتقنياتها تدخل في مختلف القطاعات مثل القطاع الزراعي والطبي والفضائي والكهربائي وغير ذلك فإن الاستثمار في البرنامج النووي السعودي قد يخلق تطوراً بارزاً في المجالات المرتبطة به ويساهم في تطوير الأنشطة الاقتصادية والخدماتية المختلفة، وهذا لا يتعارض مع الاتفاق الذي رعته الصين مؤخراً بين الرياض وطهران، فتهدئة التنافس بين البلدين في عدد من الجهات في المنطقة لا تعني تسوية الجانبين للملف النووي الإيراني نظراً لكونه أحد أهم العقبات بينهما، وربما لن تكون هناك تسوية حقيقية للملف النووي الإيراني إلا بحدوث حالة من التوازن في ملفات الضغط بين السعودية وإيران، ولأن السياسة السعودية اتجهت إلى تنويع الشراكات الأمنية الاستراتيجية وتقديم مصالحها القومية الخاصة فإن التمكن من تحقيق برنامج نووي ربما يدعم مصالحها في الاكتفاء الأمني الذي تسعى إلى تحقيقه في محيط شبه مضطرب (العراق وسوريا واليمن والآن في السودان).

وفي ظل عالم متعدد الأقطاب وصعود قوى إقليمية ودولية في المنطقة لعل السعودية ترى أنه لا بد لها من امتلاك عناصر قوة في سياستها الخارجية بما يؤمن لها تحقيق أهدافها في المنطقة والعالم، دون أن تكون رهناً لقوى أخرى، ولتنفيذ هذا الأمر لا بد من تهدئة كثير من الملفات ولعل أبرزها الملف اليمني والملف السوري الذي تطورت فيه الأحداث بشكل لافت من إعادة فتح السفارات ودعوة رئيس النظام السوري لقمة جدة واجتماع وزراء خارجية السعودية والأردن ومصر والعراق والنظام السوري في العاصمة الأردنية، وعودة سوريا لجامعة الدول العربية ومساعيها لحل الأزمة في السودان لأن استمرار تلك الأزمات يعني باختصار استنزاف للمملكة، وهذا قد يؤثر في رؤية 2030 التي تريد استكمالها من دون عراقيل.