المقاومة الفلسطينية ولبنان العربي

2022.02.01 | 05:06 دمشق

danlk4hw0aezxtc-768x470.jpg
+A
حجم الخط
-A

تشكل الحلف الثلاثي الذي ضم ثلاث شخصيات مسيحية معروفة بتوجهها الغربي الواضح وهم ريمون إده وكميل شمعون وبيار الجميل، تحت عناوين الحد من سلطة المكتب الثاني، ولكن الواقع كان حلفا قام في وجه الوجود الفلسطيني في لبنان والحد من تأثيره في الشارع، فقد برزت الذراع الفلسطينية بعد الهزيمة العربية الجماعية في أيار 1967. أراد جمال عبد الناصر بتبنيه لكتائب مسلحة فلسطينية تنتشر على الحدود، إشغال القوى العسكرية الإسرائيلية وبقاء الشوارع العربية ساخنة بعد كل عملية فلسطينية. كانت الحدود الأردنية واللبنانية مثالية للقيام بمثل هذه العمليات، وسلطة الدولة اللبنانية هشة، وتقوم على ميثاق غير واضح، وقد حازت الفصائل الفلسطينية تعاطفا شعبيا جارفا في الوسط المسلم واليساري، وهذا ما قام الحلف الثلاثي ليحد منه ويقف في وجهه.

اتسع مد اليسار أكثر ووصل إلى الجامعات وتصاعد الخطاب الذي ينادي بفتح حرية العمل من الحدود اللبنانية للمنظمات الفلسطينية، ووسط هذا المناخ المشتعل قام عنصران من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بمهاجمة طائرة تابعة لشركة العال الإسرائيلية والتي تحمل ركاب الرحلة رقم 253، توقفوا في أثينا خلال طريقهم بين إسرائيل ونيويورك، وقتل إسرائيلي واحد في العملية وأصيبت سيدتان. استغلت إسرائيل وجود مكاتب للجبهة الشعبية متبنية العملية في لبنان، وقامت بعد يومين فقط من عملية طائرة العال بعملية إنزال للقوات الخاصة بقيادة رافائيل إيتان في مطار بيروت الدولي، وتحركت عناصر القوة الإسرائيلية في المطار لمدة أربعين دقيقة دمروا خلالها ثلاث عشرة طائرة وعادوا أدراجهم، وبهذه العملية دخل لبنان رسميا في حرب العصابات المتبادلة بين إسرائيل وقوات المقاومة الفلسطينية، وأصبحت أصوات المطالبة بفتح الحدود للفلسطينيين أكثر حدة وحضورا، بما يجعل لبنان كله ذا وجه عربي خالص، رغما عن الميثاق الذي ينص على الوجه العربي مع المحافظة على بعض التغريب.

بعد هذا الحادث الذي لقيَ تعاطفا من العالم مع لبنان تراجع نفوذ الحلف الثلاثي، رغم المؤتمر الذي عقده ودعا فيه إلى محاسبة المسؤولين عما حدث، وطالب بقوات دولية يتم نشرها على الحدود بين إسرائيل ولبنان، وكان عراب هذا الطلب ريمون إده، إلا أن الحادث في نفس الوقت ساهم في صعود جديد لنجم كمال جنبلاط الذي ألقى باللوم على الرئيس شار حلو، وتمكن من عقد مؤتمر معاكس للحلف الثلاثي، واستطاع تجميع اليساريين في لبنان، حيث أعلن في المؤتمر قيام جمعية تضم كل قوى اليسار الوطني والتقدمي، ودعا إلى عدم زج الجيش اللبناني حول قواعد الفدائيين الفلسطينيين في الجنوب، وكان الجيش قد بدأ بالتحرك جنوبا محاولا فرض طوق حول النقاط والقواعد التي يتحصن فيها أفراد المقاومة الفلسطينية، والتي يحتمل أن يخرج منها منفذو عمليات في العمق الإسرائيلي انطلاقا من الجنوب.

كان الانقسام واضحا وهذه المرة أيضا أخذ شكله السياسي الطائفي المركب، فقوى تدعم العمل الفلسطيني مسلمة في مجملها وتحمل وجها يساريا، وقوى ترغب بالتدخل الأجنبي عبر إرسال قوات عزل أو حتى تدخل مباشر، أو على الأقل تنسيق وتوجيه العمل مع الفلسطينيين، ومجمل هذه القوى مسيحية خالصة، فخرج الميثاق مرة أخرى من مسرح التداول السياسي. كانت حكومة رشيد كرامي قد استقالت بعد مجموعة من التظاهرات المسلحة التي قام بها فلسطينيون حول المخيمات وتمت مجابهتها بالنار فقتل وأصيب بعض المشاركين، وفي هذا السياق جاءت زيارة ياسر عرفات إلى لبنان حيث التقى معظم سياسييه، وكان مطلبه واضحا وصريحا ومباشرا، وهو فتح الحدود لعمليات لا يتحكم بها أحد وأن يكون للفلسطينيين حرية الحركة والتسلح، الأمر الذي زاد من إثارة أعضاء الحلف الثلاثي ومن يقف في صفه، في حين دعم كمال جنبلاط هذا المطلب وزاد فيه.