icon
التغطية الحية

المستشارة الألمانية نجمة فيلم عن اللاجئين

2020.08.25 | 14:58 دمشق

imogen_kogge_as_angela_merkel_in_die_getriebenen._volker_roloff_carte_blanche_rbb.jpg
إسطنبول - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

حولت أزمة اللاجئين التي عصفت بأوروبا في العام 2015 الزعيمة الألمانية المستشارة أنجيلا ميركل إلى أبرز نجمة في ألمانيا عبر فيلم تم إنتاجه حديثاً، مستوحى من كتاب للمحرر السياسي لصحيفة "دي فيلت" الألمانية المحافظة، روبين ألكساندر، تحت عنوان "المجبرون: ميركل وسياسة اللاجئين، تقريرمن أروقة السلطة".

ولاقى الفيلم الذي أخرجه ستيفان فاغنر، وعُرض مطلع هذا العام على القناة الرسمية الألمانية "ARD"، رواجاً على الصعيد الشعبي، إذ يشرح هذا العمل التفاصيل التي دفعت المسشارة الألمانية إلى اتخاذ قرارها الشهير بفتح الباب أمام اللاجئين، ويعرض الخلفيات والانتقادات التي تعرضت لها ميركل نتيجة قرارها..

وعلى الرغم من اعتماد الفيلم على كتاب ألكساندر من حيث القصة والسيناريو والعنوان إلا أنه أضاف معاني جديدة وإنسانية للحوادث اليومية لأزمة اللاجئين بين شهري تموز وتشرين الثاني من العام 2015، مع إبراز المسار السياسي الذي انتهجته ميركل وأعضاء حكومتها، وزعماء أوروبيون آخرون تجاه أزمة اللاجئين.

وفيما يلي ترجمة المادة كما نشرها موقع "فورين بولسي":

 

أزمة اللاجئين تحولت اليوم إلى فيلم بطلته أهم نجمة في ألمانيا

أكثر صورة مقنعة لأنجيلا ميركل وهي تتخذ قرارها منذ خمس سنوات تعرض اليوم في فيلم تلفزيوني جديد

إن القرار العظيم الذي اتخذته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل منذ خمس سنوات والذي رحبت من خلاله بعدد غير مسبوق من اللاجئين القادمين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في ألمانيا كان له تداعيات سياسية على عموم بلدان العالم. ففي ألمانيا وحدها حدث هذا المزج الثقافي على المستوى الشعبي. ولذلك تحول أحد الكتب الأكثر مبيعاً حول هذا القرار الذي اتخذته ميركل إلى مصدر إلهام لفيلم تلفزيوني موجه لعموم الناس. لذا فإن أي محاولة لفهم واستيعاب ما خلفه ذلك القرار الذي اتخذ في صيف عام 2015 لا بد وأن تأخذ بعين الاعتبار كلا العملين، والفروقات الكبيرة بينهما، إذ إن التشويه الذي يطول أحدهما تعمل الصنعة الفنية في العمل الآخر على تصحيحه، إلا أن كليهما يحكي قصة التعلم التي تنتظر شريحة واسعة من العامة في ألمانيا وهي تسعى لتحديد وتعريف ما ترتب على تلك الأحداث التي يعالجها هذان العملان.

فقد قام روبين ألكساندر بنشر كتابه في عام 2017، وهو المحرر السياسي لصحيفة دي فيلت اليومية المحافظة، وذلك تحت عنوان: "المجبرون: ميركل وسياسة اللاجئين، تقرير من أروقة السلطة"، إذ يصور هذا العمل ميركل على أنها قائدة ساذجة ومترددة، إلا أن خوفها من انتقاد العالم للشعب الألماني جراء إغلاقه الحدود في وجه نساء وأطفال من ذوي البشرة الداكنة، دفعها للسماح للاجئين القادمين من هنغاريا والنمسا بشق طريقهم بصعوبة نحو ألمانيا وعبور حدودها حيث يصبح بمقدورهم هناك تقديم طلب لجوء سياسي. أي أن ألكساندر ألمح إلى أن ميركل كان ينقصها الجرأة لتقوم بالشيء الصحيح والمناسب الذي يجب أن يقوم به أي قائد ألماني واثق من نفسه، وهو أن يقوم بإغلاق الحدود مع النمسا مهما كانت العواقب. وتلك هي الرواية التي استقر عليها إجماع شريحة كبيرة من الألمان، لا سيما ضمن حزبها الذي يعرف باسم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي.

815MRM2AbQL.jpg
غلاف كتاب روبين ألكساندر "المجبرون: ميركل وسياسة اللاجئين، تقرير من أروقة السلطة"

 

أما الفيلم الألماني الذي لاقى رواجاً على الصعيد الشعبي وأخرجه ستيفان فاغنر وعرض في مطلع هذا العام على القناة الألمانية الرسمية ARD، فقد اعتمد على كتاب ألكساندر من حيث القصة والسيناريو والعنوان، لكنه أضاف معاني جديدة كل الجدة على تلك المادة. إذ يوثق هذا الفيلم الحوادث اليومية لتلك الأزمة ما بين شهري تموز/يوليو وتشرين الثاني/نوفمبر من العام 2015، عبر إيقاع سريع، مع إبراز المسار السياسي الذي انتهجته ميركل وأعضاء حكومتها والسلطات الألمانية المتمثلة بقادة ورؤساء في الشرطة الفيدرالية وحرس الحدود، والقادة والزعماء الأجانب الذين تدخلوا في ذلك المسار مثل رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، وكل ذلك يجري من خلف الكواليس.

وقد نشرت مقالات إيجابية حول ذلك الفيلم، إلا أن الممثلة إيموجين كوجي التي لعبت دور ميركل تستحق إطراء من نوع خاص لأنها ارتقت بأدائها عن أصل مادة الفيلم. ففي الوقت الذي يصور فيه كتاب ألكساندر المستشارة على أنها ضعيفة ومترددة، تظهر كوجي التي تلعب شخصية ميركل على أنها منضبطة وتحاسب نفسها، فقد اضطرت لمواجهة نظام اللجوء في الاتحاد الأوروبي الذي فشل كما يبدو ولا أمل في إصلاحه، فالأشخاص الذين يطمحون بالحصول على لجوء سياسي داخل الاتحاد الأوروبي، وهذا حقهم ليس بموجب القانون المتبع في الاتحاد الأوروبي فقط، بل أيضاً بموجب اتفاقية جنيف، قد أجبروا على البقاء في الدولة التي قدموا فيها ملفاتهم بالأصل إلى أن يتم إصدار حكم في قضاياهم. ولكن مع تزايد عدد الواصلين، لم يعد هؤلاء يهتمون بالبقاء في اليونان أو إيطاليا، كما أن السلطات في هاتين الدولتين لم تمنعهم من الرحيل. وسرعان ما اتضح بأن دول الجوار الأخرى التي تعرف باسم دول درب البلقان لا تريد أن تستقبلهم هي أيضاً، مما أثار تساؤلات وتوقعات حول ما ستفعله ألمانيا في تلك الحالة. وفجأة أصبحت ميركل عرضة للهجوم من كل الأطراف في ألمانيا، بمن فيهم المتشددون ضمن حكومتها، لا سيما هورست سيهوفر، رئيس ولاية بافاريا حينها، والذي أصر على إيقاف تدفق اللاجئين.

b2780x1450.jpg
فريق الفيلم - Bild: ARD

 

وهنا تتصرف كوجي التي لعبت دور ميركل بسرعة، حيث تتتبع مسار الأحداث عن كثب، لكنها تتعرض لانتقادات وصراعات منذ بداية الأزمة. وهذه الشخصية لا تستحق الإطراء والمديح على المستوى الأخلاقي أكثر مما ظهر في كتاب ألكساندر فحسب، بل إنها تظهر تلك التفاصيل بدقة، كما يراها ويعرفها من شاهد المؤتمر الصحفي المصيري الذي عقدته ميركل في الحادي والثلاثين من شهر آب/أغسطس من عام 2015. ثم يعرض هذا الفيلم تفاصيل عملية العبور إلى هنغاريا بالنسبة لآلاف اللاجئين خلال ذلك الشهر قبل أن يفرغ أوربان من إنشاء حاجز من الأسلاك الشائكة الهدف منه فصل هنغاريا عن سيبيريا. وهنا تأتيك المشاهد المروعة حيث تُظهر اللاجئين وهم ينصبون خيامهم في أجواء مريعة داخل محطة كيليتي ببودابست، كما تُظهر العائلات التي غرقت في البحر المتوسط والشاحنة التي تم العثور عليها على أحد الخطوط الحديدية النمساوية والتي حوت بداخلها 71 لاجئاً ماتوا خنقاً، الأمر الذي حرك مشاعر ميركل في نهاية المطاف، والتي لم تهتم فقط بالحسابات التي تتصل بتشويه السمعة والتي قد يقوم بها المتشددون رداً على ما ستفعله، وهذا ما أكد عليه ألكساندر في كتابه. وذلك لأن المحافظين الألمان، ومن بينهم شخصيات ضمن حكومتها، ألحوا وبشدة على إغلاق حدود ألمانيا، حتى لو تم ذلك بواسطة الأسلاك الشائكة، أو الغاز المسيل للدموع، أو قطعات الشرطة الألمانية التي ستعمل على طرد العائلات المعدمة. وهكذا وُجِدت قطعات الشرطة الفيدرالية في مكانها بالقرب من الحدود، وأخذت تستعد وتتدرب على القيام بذلك، بيد أن ميركل تخلت عن تلك الفكرة، وذلك عندما خلصت إلى نتيجة مفادها أن ذلك لن يحدث، إذ من المستحيل إقامة جدار كما فعلت هنغاريا، وذلك لأن تشييده قد يستغرق مدة تصل إلى حوالي أربعة أشهر.

وفي الفيلم نسمع صوت ضميرها بصوت زوجها الذي مثل دوره خواكيم سوير، حيث عزز قرار المستشارة بكلامه الحماسي الذي سمعته منه في إحدى الأمسيات، بيد أن هذا لا يعني بأن القرار كان عاطفياً صرفاً، وذلك لأن ميركل أدركت بأن للأحداث تبعات تطول المعنى الأخلاقي للقانون الأوروبي، ولعل أشهر مقولة لميركل خلال المؤتمر الصحفي الذي أعلنت فيه عن فتح حدود بلادها أمام اللاجئين هي: "يمكننا القيام بذلك"، إلا أن تحليلها للموقف تجاوز تلك العبارة، حيث أشارت إلى أن حق طلب اللجوء السياسي مكفول بموجب الدستور الألماني، وفيه احترام وصون للكرامة الإنسانية، بصرف النظر عن الجنسية.

وثمة سبب ديمقراطي صرف، لم يعترف به ألكساندر ولم يذكره في كتابه، وهو أن الترحيب باللاجئين أمر شائع بين عموم الألمان، لا سيما في الكنائس البروتستانتية والكاثوليكية، وهذا ما عبرت عنه ميركل بالقول: "حريتنا، دولتنا الدستورية، قوتنا الاقتصادية، النظام الذي نعيش فيه سوية، كلها أمور يحلم بها الناس الذين عاشوا تجربة الاضطهاد والحرب والاستبداد في حياتهم. فالعالم يرى ألمانيا كدولة الأمل والفرص، بالرغم من أنها لم تكن كذلك على الدوام". وقد أظهر استطلاع للرأي أجري في شهر أيلول/سبتمبر من عام 2015 تأييد ثلثي الألمان للسياسات التي تخص اللاجئين التي أطلقتها ميركل. وهكذا قام متطوعون في مختلف أنحاء البلاد بتشييد مساكن والتبرع بالطعام والبطانيات، واستقبال العائلات في بيوتهم.

بيد أن موقف ميركل الجسور لم يكتب له الصمود، فلقد أغلقت هنغاريا حدودها، ثم تبعتها كرواتيا فالنمسا. وعلى الساحل الجنوبي للمتوسط بدأت دوريات للاتحاد الأوروبي باعتراض القوارب التي عملت على تهريب الناس ودفعتهم للعودة إلى الشاطئ. وحتى في دول مثل السويد وفنلندا التي استوعبت أعداداً كبيرة من اللاجئين، فقد تم الإعلان عن أنها بلغت حدها بالنسبة لاستقبال اللاجئين. وبالرغم من أن ميركل استعانت بكل ما لدى ألمانيا من إمكانيات هائلة، إلا أن الاتحاد الأوروبي اكتشف أنه من المستحيل الحصول على تأييد بخصوص عملية توزيع أعداد اللاجئين على كل دول ذلك الاتحاد. وفي الداخل الألماني، هاجم المحافظون ميركل بقسوة وعمدوا إلى تغيير مضمون خطابهم. وفي المشهد الأخير من فيلم: المجبرون، تصل إلى ميركل أخبار غير سارة حول قيام اللاجئين بالهجوم على أحد المراكز التجارية وهو ميونخ إكزيبيشن سنتر، وقد أدى احتشاد الناس هناك إلى إحداث حالة من التوتر، وهنا تتمتم ميركل بصوت بالكاد يسمع وتقول: "تباً".

إذ بالفعل تغير المزاج بل انقلب في أواخر عام 2015، فلم تجد ميركل الدعم لا من حزبها ولا ممن شجعوها على الالتزام بقناعاتها. كما أن مضايقات سيهوفر لها أمام الملأ استمرت لسنوات بعد ذلك، ما دعم حظوظ البديلة الشابة لذلك الحزب الألماني، والتي قفزت نتائجها في استطلاعات الرأي من 4% فقط في مطلع عام 2015 إلى أكثر من 12% في الانتخابات العامة التي جرت في عام 2017. وبالنسبة للخيار الذي رفضت ميركل في الفيلم أن تختاره في عام 2015، لكنها سمحت لنفسها باختياره في عام 2016، نرى ميركل وهي تجلس مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (الذي وصفته بالمستبد المتسلط) وذلك ليقوما سوية بصياغة اتفاقية يقوم الاتحاد الأوروبي من خلالها بدفع الأموال لإقامة مخيمات للاجئين في تركيا، ويعرض على الأتراك إسقاط سمة الدخول عند سفرهم إلى أوروبا مقابل أن تقوم تركيا بحراسة حدودها الغربية بشكل صارم. كما استبدل الاتحاد الأوروبي العمليات البحرية التي خصصت لإنقاذ اللاجئين الذين يعبرون البحر المتوسط بسفن من قوات البحرية وطائرات مروحية مزودة بتعليمات وأوامر تخولها أن تقوم بإيقاف كل من يحاول العبور. وقد تم تصنيف دول في البلقان إلى جانب المغرب والجزائر وتونس على أنها دول آمنة، ولهذا لم يعد يحق لأي مواطن قادم منها أن يتقدم بطلب لجوء سياسي.

وبحلول عام 2017 ضعف تدفق اللاجئين إلى أوروبا وخاصة ألمانيا، غير أن الروايات التي ظهرت بسبب تلك الأزمة ما تزال الألسن تتناقلها حتى اليوم، فقد اتهمت ميركل بفتح الحدود ودعوة المهاجرين للقدوم إلى ألمانيا بعدما توجه كثير منهم إليها بعد قطعهم للحدود بين النمسا وألمانيا والتي ظلت مفتوحة أمام المهاجرين لعقود خلت. والأهم من ذلك وفي الخطاب الذي تجاوز الأوساط المحافظة، تم اعتبار اللاجئين الذين قدموا خلال الفترة ما بين 2015-2016 (أي معظم اللاجئين حينها) على أنهم "مهاجرين لأسباب اقتصادية"، لا سيما أولئك الباحثين عن فرص عمل أفضل في الدول الغنية. وفي الواقع فإن 85% من بين 1.3 مليون شخص قدموا طلبات لجوء في أوروبا خلال عام 2015 أتوا من سوريا وأفغانستان والعراق وأرتيريا، حيث ما تزال رحى الحرب تدور في تلك الدول. ثم إن نصف من تقدموا بطلبات لجوء وحصلوا إما على لجوء سياسي أو الإقامة المؤقتة في ألمانيا قد ملؤوا الشواغر الوظيفية والكوادر التدريبية، مما رفد اقتصاد ألمانيا بكثير منذ عام 2016.

وبعد مرور خمس سنوات على أزمة المهاجرين، لم تقترب ألمانيا أو الاتحاد الأوروبي من صياغة سياسة جديدة لعموم اللاجئين، كما تخضع الانتقادات الأوروبية الموجهة لتركيا بسبب انتهاكات حقوق الإنسان فيها للضبط والمراقبة من قبل سياسة أردوغان التي تسعى لضبط عملية توسع مخيمات اللجوء في تركيا. لذلك عندما كف الاتحاد الأوروبي عن ضخ الأموال، كما حدث في مطلع هذا العام، أبدى الرئيس التركي استعداده لإطلاق موجات لاجئين جديدة باتجاه ساحل بحر إيجة لإبداء ردة فعله بكل جلاء. وعليه، أصبح حق اللجوء السياسي الآن أمراً واقعاً لكنه يخضع لقيود في أوروبا، وذلك شر لا بد منه كما يقولون لمنع صعود وتألق اليمين المتطرف، ولكن كم عدد المضطهدين في ليبيا التي مزقتها الحرب والذين لا يمكنهم قطع الحدود للوصول إلى الاتحاد الأوروبي حيث يمكنهم هناك تقديم طلب لجوء؟ لا أحد يعلم، لكنهم يموتون في البحر المتوسط وهم يحاولون القيام بذلك.

كما ليس بوسعنا أن نعرف أيضاً كيف ستكون ردة فعل الألمان في حال واصلت ميركل دفاعها عن الأسباب التي دفعتها بالأصل لاستقبال اللاجئين في شهر آب/أغسطس من عام 2015، لذا إن لم تشرح لنا ميركل بنفسها ذلك على المستوى الأخلاقي بتفاصيله، عندها يمكننا أن نعتبر الألمان محظوظين على الأقل حالياً لأن بوسعهم أن يتابعوا صورة طبق الأصل فيها من المنطقية ما يكفي فيما يتصل بهذا الموضوع من خلال فيلم تلفزيوني يعرض على محطة التلفزيون الرسمية لبلادهم.