المجنسون في تركيا ومسؤولياتهم

2023.08.04 | 07:28 دمشق

المجنسين في تركيا ومسؤولياتهم
+A
حجم الخط
-A

تستمر معاناة السوريين في تركيا عاما بعد عام بسبب عدم وضوح القوانين الناظمة لوجودهم في تركيا، فلا أصحاب الحماية المؤقتة يعرفون مصير هذه البطاقة التي بات شبح الترحيل يهدد كل حامليها بعد الحملة الأخيرة، ولا أصحاب الإقامات يعرفون مصيرهم بسبب صعوبة التجديد، والمجنسون منهم باتوا يشعرون بعدم الاستقرار وبدأ عدد منهم يهاجر إلى أوروبا وكندا، وعدد كبير منهم بات يفكر جديا بالسفر والبحث عن منفى جديد.

أعداد المجنسين السوريين والعرب في تركيا أصبح لا يستهان به ويعيشون في المدن الكبرى خصوصا إسطنبول، وهم بطبيعة الحال يشكلون خليطا متنوعا وغنيا من كل الاختصاصات المهنية والأكاديمية، ومنهم رجال أعمال لهم استثماراتهم ومصانعهم وأصحاب شركات سياحية تساهم برفد السياحة التركية بالسائح العربي، وشركات تصدير تعزز من قوة تركيا الاقتصادية، وأكاديميون يعملون في الجامعات التركية والمراكز البحثية العربية والتركية، ومنهم إعلاميون يعملون في مؤسسات إعلامية تركية وعربية، أي أنهم قوة لكنها غير منظمة لتكون مؤثرة وفاعلة ولها صوت مسموع لدى صناع القرار في تركيا. وبعد حادثة الاعتداء على الأطفال اليمنيين في إسطنبول والتي تنذرنا بما هو أسوأ، لأن استباحة السوريين أصبحت استباحة لكل العرب وما المسرحية الهزيلة التي عرضت في مرسين والتي تهاجم العرب بطريقة سوقية سوى مؤشر جديد على أن حملة الكراهية مستمرة لأسباب كثيرة، أهمها عدم الردع القانوني لمروجي هذا الخطاب.

يأتي الجانب الاقتصادي في مقدمة هذه الأدوات ويمكن لهم أن يقترحوا على الحكومة التركية استيعاب العمالة السورية الماهرة بحيث يستفيد منها الاقتصاد التركي، وتنتهي معها حالة التذمر الشعبية من وجود السوريين في إسطنبول

هناك اليوم مسؤولية تقع على عاتق السوريين والعرب ممن يحملون الجنسية التركية، سواء ممن كانوا هنا قبل ثورات الربيع العربي أو ممن تم تجنيسهم في العشر سنوات الأخيرة، لأنهم يملكون ميزات ولديهم أدوات كثيرة، وفي حال قرروا استثمار هذه الميزات كمواطنين أتراك سيقدمون خدمات جليلة لتركيا وللعرب معاً، ويأتي الجانب الاقتصادي في مقدمة هذه الأدوات ويمكن لهم أن يقترحوا على الحكومة التركية استيعاب العمالة السورية الماهرة بحيث يستفيد منها الاقتصاد التركي، وتنتهي معها حالة التذمر الشعبية من وجود السوريين في إسطنبول عبر تشجيع الاستثمار وتقديم التسهيلات للمشاريع سواء الضخمة منها أو المتوسطة في الولايات الصغيرة، والتي لا يوجد بها سوريون ولا حالة تذمر من العرب، هذا حل مجد ومفيد أكثر من قرار الحكومة والذي منح مدة شهرين للمقيمين في إسطنبول للمغادرة والعودة لولاياتهم التي جاؤوا منها ويحملون بطاقاتها، هذا القرار لن يأتي بنتيجة لصعوبة تنفيذه فالسوري الذي لديه عمل في إسطنبول منذ سنوات وعائلة وأولاد في المدارس ومنزل مستأجر ماذا سيفعل إذا عاد لعنتاب مثلا؟ لن يجد عملا بسهولة وفي حال وجد عملا لن يجد منزلا يستأجره لأن معظم أحياء المدينة مغلقة في وجهه، ويجب أن لا نغفل أمرا هاما وهو أن معظم المقيمين في إسطنبول جاؤوا من ولايات تضررت بالزلزال، وهي مدن لم تتجهز بعد لعودة من كانوا يسكنونها قبل الزلزال سواء كانوا أتراكا أم سوريين فكيف ستستقبل عائدين جددا!

وهناك مهمة أخرى تقع على عاتق المجنسين السوريين وتتمثل بتشكيل مجموعات ضغط فاعلة عبر الاستفادة من القوانين التركية، والتي تتيح بسهولة ترخيص وإنشاء منظمات مجتمع مدني، ومنظمات حقوقية تدافع عن اللاجئين، وتوصل معاناتهم ومشاكلهم للجهات الحكومية، ويكون صوتها مسموعا على عكس ما يحصل الآن مع المنظمات والجهات السورية. يوجد الكثير من المنظمات السورية والتي نظمت نفسها سابقا بمنابر وتجمعات لأجل التنسيق ومن ثم التواصل مع الجهات الحكومية، وكان لدينا لجنة سورية مشتركة بين الائتلاف ووزارة الداخلية التركية يرأسها رئيس الائتلاف من الجانب السوري ونائب وزير الداخلية من الجانب التركي، لكن هذه اللجنة انتهت منذ مدة طويلة ولم يتبق منها سوى موظفين كانوا في اللجنة ويحاولون اليوم بما لديهم من تواصل حل بعض المشاكل، لكن كل هذه الجهود من كل الجهات السورية لم تعد تكفي لأن الوضع متفاقم ومن غير المعقول أن تقتصر جهود كل هذه المنابر والطاولات واللجان السورية على أمور بسيطة مثل إرجاع سوري رُحّل إلى سوريا رغم امتلاكه وثيقة عمل أو تجديد إقامة لعائلة رُفضت إقامتها دون سبب!

إذا كان للعنصريين من أصحاب الخطاب اليميني المتطرف صوت في البرلمان فقد حان الوقت لأن يكون للسوريين والعرب من يمثلهم في البرلمان وأجهزة الدولة المختلفة

ومن هنا يأتي دور المجنسين عبر تنظيم صفوفهم وإنشاء مؤسسات متفاعلة وفاعلة والأهم أن يكون لهم صوت داخل أروقة الحكومة التركية، وأن يتجهزوا لاحقا لدخول البرلمان والبلديات والانخراط أكثر داخل أجهزة الدولة بمختلف مؤسساتها، وإذا كان للعنصريين من أصحاب الخطاب اليميني المتطرف صوت في البرلمان فقد حان الوقت لأن يكون للسوريين والعرب من يمثلهم في البرلمان وأجهزة الدولة المختلفة، وهذا هو الحل الوحيد المتاح والممكن لأنه وكما يبدو لا تريد وزارة الداخلية ولا إدارة الهجرة أن يكون هناك جهة سورية واحدة يتعاملون معها، وهذا واضح من خلال الطريقة التي يتم بها العمل مع الجهات السورية، على سبيل المثال؛ إذا أرادت وزارة الداخلية الاجتماع مع جهات سورية فهي لا تتواصل فقط مع ما تبقى من اللجنة السورية بل تتواصل مع جهات عدة وفي كل مرة يتم فيها عقد اجتماع بعد التنسيق مع جهة دون إخبار البقية، وهنا نبقى ندور في حلقة مفرغة واجتماعات بروتوكولية لا ينتج عنها سوى التقاط بعض الصور، وإن كنا مُنعنا بشكل مباشر أو غير مباشر من تشكيل جالية سورية واحدة وقوية تتولى مهمة التنسيق والتواصل مع الحكومة التركية على غرار بقية الجاليات العربية، فإن الوقت حان لأن يأخذ المجنسون زمام المبادرة واستغلال كل هوامشهم المتاحة لأن هذه المشاكل لن تنتهي في سنة ولا في سنتين وسيبقى هناك من يتجرع مرارة التنقل من ولاية إلى أخرى، ومرارة التهديد بالترحيل إلى شمالي سوريا غير الآمن وغير المستقر، وستبقى هناك حقائب سفر متحفزة للبحث عن منفى جديد.