اللاموقف من ثورة نساء إيران؟

2023.01.12 | 04:46 دمشق

اللاموقف من ثورة نساء إيران؟
+A
حجم الخط
-A

مسألة على غاية الأهمية تظهرها الثورة الشعبية في إيران ضد النظام هناك، وهذه المرة في صفوف جمهور الثورة السورية، ألا وهي انكشاف كذبة كانت تروج لها وسائل الإعلام ذات التوجه الشعبوي واسعة الانتشار في صفوف جمهور الثورة السورية تستند إلى خلفية ورؤية مذهبية للشعب الإيراني، تبعا للموقف من النظام الإيراني مذهبي النهج.

والحق يقال إن كل نظرة فوقية أو جزئية وبالأخص كل نظرة إيديولوجية لا بد واقعة في مطب القصور الذاتي والسقوط في الهوى، قل الأمر عينه في كل نظرة تعميمية، وكما يقال فكل تعميم خاطئ، وتبعا لذلك من الصحيح القول أيضا إن كل تعميم تعمية.

فمن الغريب ألا نرى في إيران سوى مذهب دولتها، الأمر الذي أعمى أبصارنا، عن حقائق كثيرة، كانت لتنفعنا في حربنا مع هذا العدو اللئيم، أقصد السلطة الأوثقراطية الإيرانية، سلطة الولي الفقيه.

والحقيقة أن مذهب الناس الأول في سائر الأزمان والأوطان هو لقمة العيش، والتعايش بأقل الخسائر الممكنة، والنظرة الأيديولوجية قاصرة كما أسلفنا لأنها تركز على صفة غير فاعلة في الناس، وغير حاضرة أصلا في حياتهم، تريد الدولة بإظهارها كأيديولوجية لها أن تكون غطاء يخفي مآربها الحقيقية التي هي مآرب أي سلطة كانت وستكون في مطلق زمان ومكان، سواء أكانت سلطة دينية أم لادينية، مدنية أم عسكرية، ألا وهي غاية التحكم والنهب..

يستخدم نظام الولي المذهبية الشيعية ونظام الدولة المتدينة وهو بذلك يخدع الجميع، الشعب الإيراني أولا، وشعوب المنطقة ثانيا، فالدول والمنظمات لا تمانع في استخدام المذهبية عنوانا أو محتوى إذا كان في ذلك تحقيقا لمآربها، لكن الأريب هو من لا يقع في شرك ادّعاءات الدول والمنظمات ويملك من الحنكة ما يكشف خطتها والغايات الأساسية لها..

ونافل القول إن من ينجرّ إلى معركة يفرضها العدو في مكان وزمان وعنوان يحددها هو، لا شك خاسر بالثلاثة، وفاشل مغفل..

إيران ذات النزعة الفئوية والإمبراطورية

الحقيقة أن تاريخ إيران ينطوي على حضارة عظيمة أسست ليس ثقافة عريقة فقط بل أديانا كبرى لم ينج من تأثيرها المشرق العربي، غير أن الوحشية التي لازمت طباع حكامها عبر التاريخ وسمت صورة إيران عند شعوب المنطقة المجاورة لها، بسمة التوحش والخبث.. ولو نظرنا من النافذة الإستراتيجية لقلنا إن شهوة الوصول إلى سهول الرافدين والبحر الغربي "المتوسط " كانت وما زالت هاجس كل حاكم بل كل سياسي إيراني، وهو للمصادفة هاجس وحلم لا يقل ضراوة عن الحلم الروسي في المياه الدافئة "البحر المتوسط".

والحقيقة الثانية هي أن النظام الإيراني الحالي هو نظام عنصري قومي فارسي، اضطهد وهمّش منذ نشأته المشبوهة سنة 1979 القوميات الإيرانية غير الفارسية، مثل الترك والكرد والعرب والبلوش.. وهو يستخدم خلال أحداث ثورة أيلول/ سبتمبر 2022 العنفَ ضد القوميات غير الفارسية أكثر من المناطق الفارسية، وهذا ما شاهدناه في إقليمي كردستان وبلوشستان وفي عربستان.

والحقيقة الثالثة التي تغيب عن الإعلام السوري المعارض تتعلق بالتكوين السياسي التاريخي لإيران، المتمثل في كونها ذات نزوع إمبراطوري يجمع إليه كل من الطموح ونزعة التفوق والدهاء..

وإيران كدولة كبرى في المنطقة بدأت منذ زمن الشاه رضا بهلوي تسعى لامتلاك قنبلة نووية، الأمر الذي دفع أميركا لإزاحة الشاه والإتيان بالخميني.

الشيطان "الأكبر" يأتي بالولي الفقيه إلى الحكم

كانت تلك خطيئة الشاه رضا بهلوي في نظر أميركا، لذلك تمت إزاحته، ومن ثم جرت عملية إنزال للخميني بالبارشوت الفرنسي الأميركي في طهران وليا فقيها وكبير آيات الله ونصف إله.

يكتب الأستاذ سعد فنصة في مقال له عن إيران والقنبلة النووية الآتي: "مجلة Fortune الأميركية" تم تصوير الخميني كرجل ديمقراطي يحلم بالعيش بسلام حسب معتقداته الدينية الرحيمة ويحرص على حسن التعامل مع الجميع، في الوقت ذاته كان السفير الأميركي في الأمم المتحدة أندرو يونغ يصرح بالإساءة إلى الشاه ونظام حكمه القمعي لدرجة أن يونغ وصف الخميني بأنه رجل من أولياء الله الصالحين، كل ذلك يفسر تردد الموقف الأميركي وتخاذله بعد سقوط الشاه وتأكد ذلك حين رفض الغرب.. كل الغرب، وفي مقدمته الولايات المتحدة الأميركية مجرد منحه جواز سفر أو الإقامة للعلاج من مرض السرطان".

والحقيقة أن لا أوروبا ولا أميركا ولا إسرائيل يهمها إسقاط نظام الحكم المذهبي في إيران، وهم معنيون ربما في إضعاف النظام والدولة وإفقار الشعب، وتدمير البرنامج النووي، أما ولادة نظام ديمقراطي حرّ في إيران فهذا أمر لا تقبل به أي منها... قل الأمر عينه بالنسبة لموقفها من سوريا ونظامها الأسدي فهي لا تمانع في بقائه حتى لو أدى ذلك إلى تدمير سوريا، وتهجير كامل شعبها.. كذلك فهي لا تمانع في بقاء نظام ولاية الفقيه لذلك فقد سارعت الإدارة الأميركية بعد بضعة أسابيع من انطلاق ثورة سبتمبر أيلول 2022 للإفراج عن أموال إيرانية كانت تحتجزها لتساعد النظام الولي الفقيه في موقفه الصعب.

اتهامات إسلامية ولعب على العاطفة الدينية

النظام الايراني يدرك أن العاطفة الدينية هي العاطفة الأقوى التي تحرك جموع المسلمين وخصوصاً الإيرانيين والعرب، ولذلك فهو يعمد إلى تلفيق اتهامات ذات طابع ديني من النوع الثقيل مثل تهم "الإفساد في الأرض" و"الرّدّة بهتك حرمة القرآن الكريم من خلال إحراقه" تصل عقوبتها للإعدام، وهو ما حكمت به بالفعل محكمة إيرانية ضد شاب يدعى جواد روحي قبل أيام.

وكذلك فعلت بإصدارها أحكاماً بالإعدام بحق ثلاثة شبان اتهمتهم بـ"الحرابة"، وأدانتهم بالضلوع في عملية قتل ثلاثة من عناصر قوات الأمن في محافظة أصفهان .

ووجهت السلطات الإيرانية تهمة "التجديف" لابنة الرئيس الأسبق رفسنجاني النائبة في البرلمان الإيراني.. بسبب تعليقات كتبتها عبر وسائط التواصل الاجتماعي. ولقد قام المدعي العام، مؤخرا بتوجيه الأوامر للشرطة الإيرانية بمعاقبة صارمة لكل مخالفة لقانون وضع الحجاب في البلاد".

وقال مسؤول إيراني إن "كشف الحجاب هو مخالفة صريحة، وعلى قوات حفظ النظام توقيف كل من يرتكبه وتقديمه إلى السلطات القضائية المتخصصة من أجل أن تطبق في حقه العقوبة المناسبة".

وفي وقت يظهر فيه أن خلع الحجاب هو الهدف الجوهري لثورة الإيرانيات الأخيرة فإن الطبيعة الدينية للعقوبات والتعليمات السالفة الذكر توحي للمتابع أن نظام إيران حريص على تطبيق الشريعة، وهو أمر لا شك يدغدغ مشاعر قطاع كبير من المعارضة وجمهور الثورة السورية، وربما تكون السبب في موقفهم البارد من ثورة النساء الإيرانيات.