اللاجئون السوريون في لبنان بين المتاجرة والتشبيح

2024.04.16 | 06:22 دمشق

25555555555555555555424
+A
حجم الخط
-A

يكفي أي حادث يخص أيَّ سوري في لبنان، ليتحول إلى موجة اعتداءات وهستيريا جماعية ضد كل اللاجئين السوريين في هذا البلد، أو في بعض المناطق على الأقل.

وتأتي ردود الفعل من قبل بعضهم في لبنان على حادثة مقتل القيادي في حزب "القوات اللبنانية" باسكال سليمان بظروف غامضة، في سياق هذا الاستعداد المسبق والدائم لاتهام اللاجئين والاعتداء عليهم والمطالبة بترحيلهم، من دون أن نشهدَ في المقابل مواقفَ جديَّةً من جانب الحكومة اللبنانية لحماية هؤلاء اللاجئين، وفق ما يترتب عليها بموجب القوانين الدولية، ناهيك عن القانون اللبناني، واعتبارات الأخوّة والجيرة.

والواقع أن خطاب الكراهية ضد اللاجئين السوريين، بدأ يتنامى في لبنان خلال السنوات الثلاث أو الأربع الماضية، بالتوازي مع تفاقم الأزمة الاقتصادية التي يمرّ بها هذا البلد، ومع تفاقم التجاذبات السياسية الداخلية المرتبطة غالباً بمتغيرات إقليمية، وغذّت هذا الخطاب حملات إعلامية صريحة، حظيت أحياناً بغطاء من جانب بعض القوى السياسية المحلية.

يدفع اللاجئون الحقيقيون ثمن التقصير من جانب الجهات المعنية في لبنان.

لقد أخفقت الحكومة اللبنانية منذ البداية في التعامل مع قضية اللاجئين السوريين، فلم تُنظّم وجودهم على أساس قانوني، ضمن القوانين الدولية التي تحدد كيفية التعامل معهم، برغم تلقيها مساعدات مالية دولية لمساعدتها على مواجهة هذه المسألة. فخضع وجودهم تارة للمبادرات الأهلية والمجتمع المدني، وتارة للتجاذبات السياسية والطائفية المستوطنة في لبنان منذ عقود، وهو ما جعل قضية اللاجئين مكسرَ عصا للتوترات الداخلية، على نحو مشابه لما حصل في تركيا التي استقبلت اللاجئين في السنوات الأولى في إطار عاطفي (المهاجرين والأنصار) ثم جرى تحميلهم من جانب بعض القوى الداخلية مسؤولية الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.

ولا يخفى أن السوريين في لبنان يندرجون ضمن فئات عدة، وليسوا كلُّهم هاربين من الاضطهاد السياسي والملاحقات الأمنية لنظام الأسد. فبعضهم عمال عاديون موجودون في لبنان قبل عام 2011، وآخرون توجهوا إليه بعد هذا التاريخ، لكن لدوافع اقتصادية معيشية هربا من انعدام مقومات الحياة في سوريا، مثلما توجه آخرون إلى بلدان أخرى للأسباب نفسها، ومن بينهم ولا شكَّ موالون للنظام، ولا يستحقون صفة اللاجئ.

ويدفع اللاجئون الحقيقيون ثمن هذا التقصير من جانب الجهات المعنيّة في لبنان، وسرعان ما يتحولون، وعموم السوريين في لبنان، إلى مادة للتجاذب الداخلي، والتشبيح عليهم، باعتبارهم الحلقة الأضعف، في غياب المؤسسات والقوانين التي تحميهم، وهي حماية تفتقد إليها حتى الفئات الضعيفة من اللبنانيين أنفسهم، أي تلك غير المتحزبة، أو التي لا تنتمي إلى عائلات معروفة.

والواقع أن حملات التحريض الأخيرة ضد السوريين سبقت حادثة مقتل باسكال سليمان بعدة أسابيع، حيث اجتاحت شوارع لبنان لوحات إعلانية لحملة تحمل شعار "تراجعوا عن الضرر قبل فوات الأوان"، استهدفت هؤلاء اللاجئين، بزعم أن نسبتهم زادت على 40 في المئة من السكان، وبات وجودهم يهدد الأوضاع الاقتصادية والديمغرافية في لبنان.

وطبعًا التلاعب بأرقام اللاجئين يأتي في سياق التوظيف السياسي والطائفي، حيث تشير المفوضية السامية لحقوق اللاجئين في لبنان إلى أن عدد اللاجئين السوريين المسجلين لديها هو أقل من 800 ألف شخص، في حين أن عدد سكان لبنان يزيد على 5 ملايين نسمة، ما يعني أن نسبة اللاجئين السوريين لا تتعدى 15 في المئة من سكان لبنان.

إن ما يسهم في حل جزئي على الأقل لقضية اللاجئين السوريين هو انسحاب حزب الله من المناطق التي يحتلها في الداخل السوري.

والمحاولات المتكررة لتحميل اللاجئين السوريين مسؤولية الأزمات التي يمر بها لبنان هو مجرد تضليل وتلاعب بالحقائق، حيث المسؤولية الحقيقية تكمن في الفساد الاقتصادي والسياسي المتراكم منذ عقود تحت قيادة الأحزاب الطائفية التي حكمت البلاد منذ بدء الحرب الأهلية اللبنانية منتصف سبعينيات القرن الماضي. ويدرك اللبنانيون أن التردي الاقتصادي لم يبدأ مع اللجوء السوري بعد عام 2011، بل ربما أسهمت هذه الأزمة في تدفق الأموال الدولية إلى لبنان ووفرت تالياً فرصَ عملٍ ونشطت الأسواق، وخاصة سوق العقارات.

وتشير ردود الفعل المباشرة ضد السوريين، قبل استكمال التحقيقات في حادثة باسكال سليمان إلى أنها تأتي في سياق استعداد مسبق لتجييش الشارع ضد السوريين الذين تعرضوا لاعتداءات في الشوارع، واضطروا لترك أعمالهم وإغلاق محالّهم التجارية، في حين بادرت بعض البلديات إلى إصدار تعاميم بمنع تجوالهم وضرورة التزام بيوتهم.

ومن الواضح أن هناك تناقضاً في مواقف بعض القوى السياسية التي تعتبر أن ما حصل جريمة سياسية، وبالتالي لا ذنب للاجئين السوريين فيها، ما يعني أن هناك من يريد افتعال مواجهة مع اللاجئين بغية خلط الأوراق واللعب على الوتر الطائفي، هرَباً من استحقاقات داخلية لا علاقة للاجئين فيها.

ومن الواقعي القول إن ما يسهم في حلّ جزئيّ على الأقل لقضية اللاجئين انسحاب حزب الله من المناطق التي يحتلها في الداخل السوري، خاصة تلك المحاذية للحدود اللبنانية في ريفي دمشق وحمص، الأمر الذي سوف يساعد في عودة عشرات آلاف اللاجئين إلى هذه المناطق، فضلا عن تمحيص الموالين للنظام وإعادتهم إلى أحضانه، كونهم لا يستحقون صفة اللاجئ، إضافة إلى تنظيم وضع العمالة السورية في لبنان، وفصلها عن قضية اللجوء.