icon
التغطية الحية

اللاجئون السوريون في غزة.. من حمم القذائف إلى نار الحصار

2018.10.01 | 17:10 دمشق

إضراب شامل يعم قطاع غزة رفضًا لقانون "القومية" الإسرائيلي (الأناضول)
غزة - بثينة اشتيوي - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

لم يستسلم الثلاثيني "أنس قاطرجي" للظروف المعيشية الصعبة في غزة، بعد أخذه زمام المبادرة بالمجيء إليها، وممارسة نوع من المغامرة في العمل، بعد محاولات من التأقلم مع الواقع داخل تركيا ومصر ولبنان والأردن إلا أنها فشلت، وقتها بدأت فكرة الاستثمار عبر مطعم سوري تسيطر في ذهنه بعد أن أقنعه شاب فلسطيني من قطاع غزة بها، فبدأت رحلة نجاح" مطعم جار القلعة 2" تعم أرجاء غزة، بنكهة حلبية مميزة.

في مخيم النصيرات للاجئين الفلسطينيين وسط غزة، وعلى طول الطريق الساحلي تبصر صباح مساء عيون المارة مطعم "جار القلعة 2"، في صورة حلبية تعيد الأذهان مجدداً إلى تاريخ وعراقة سوريا التي تعيش اليوم صنوفا من الدمار والتخريب، يظن الفلسطيني نفسه أنه يتجول داخل أروقة حلب الشهباء، نظرا لاكتساء جميع زواياه بالتراث السوري الأصيل من جدران ومصابيح وجلسة مميزة عن مطاعم غزة، وهو ما جذب الزبائن إليه.

 

 

" قرطاجي"، ابن سوريا الذي عاش في كنف مدنها وأحيائها، كان بصحبة عائلته في مدينة حلب يدير مطعم" جار القلعة"، ويعتاش منه العشرات من عائلته، بيد أن ظروف الحرب الدائرة في سوريا وتسويتها المطعم أرضا، وهو مصدر رزقهم الوحيد، إلى جانب حمم القذائف الصاروخية أجبرته على مغادرة البلاد، حاملا معه بعضا من أثاث المطعم، وذكريات حلب التي لن تمحى مهما تبدل الحال به.

على يافطة المطعم كتب "الشيف السوري"، الذي يتميز بطهي مأكولات شامية ظلت عالقة في أذهان الفلسطيني من خلال معايشة البعض منهم لها داخل سوريا، أو الحديث عنها في المسلسلات السورية" الفرع الأول: سوريا_ حلب الشهباء_ مقابل قلعة حلب" في إشارة منه إلى أن المطعم المدمر أعيد بناؤه في غزة بنفس الهيئة التي كان عليها، وعلى الجانب الآخر كتب أيضا:" معكم رايحين على حلب".

 

 

رائحة حلب!

والمطعم الذي لاقى رواجا بين الغزيين يقدم أطباقًا سورية، ذات الطابع الشرقي الحلبي، مثل التبولة السورية والشاورما السورية والكبة الحلبية وفتة الشاورما وغيرها من الأطباق المميزة، يشرف عليه اليوم" أنس"، وبعد معاناة تمكن من جلب بعض المعدات والحصول على بعض الآثار القديمة من داخل المطعم المدمر بمدينة حلب، ليزين بها فرعه الجديد من أواني وفخار وأطباق قديمة يعود أصلها لقبل 400 عام.

ليس سهلاً على اللاجئ القادم من سوريا سواء كان من أصل سوري أو فلسطيني أن يتأقلم مع ظروف الحياة في قطاع غزة المحاصر منذ اثني عشر عاماً، فهو قادم من "موت أكبر"، إلى "موت أصغر"، الحياة في غزة مغموسة بالإرهاق والانتظار المتعب لما ستؤول إليه الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية، وهو أشبه بموت سريري يفقد الفلسطيني فيه كل يوم بعضاً من طاقته الجسدية والنفسية.

ظروف صعبة

في دراسة حول الظروف الاجتماعية والاقتصادية الخاصة باللاجئين إلى غزة من "دول النزاع العربي"، أصدرتها وزارة الشؤون الاجتماعية في غزة أواخر العام الماضي، فإن اللاجئين والنازحين الفلسطينيين من "دول النزاع" كسوريا وليبيا واليمن، يواجهون التدهور الاقتصادي، والعزلة الاجتماعية، والخوف الدائم لعدم القدرة على توفير الاحتياجات الأساسية لعائلاتهم، حيث بلغ عددهم "495"، منذ قدومهم القطاع عام 2013، وهم الأكثر تهميشا في المجتمع الفلسطيني دون وجود عمل أو مسكن مناسب لهم، إلى جانب تراكم الديون عليهم.

 تتوافق الدراسة مع ما أصدره " المرصد الأورو متوسطي لحقوق الإنسان"، في تقرير له قبل أشهر من الآن، بأن نحو  1000 لاجئ من فلسطينيي سوريا ينتمون لقرابة 130عائلة – يعيشون في قطاع غزة، وقد انخفض هذا العدد من 220 عائلة سُجلت عام 2013، بسبب قيام العشرات منهم بالسفر إلى ليبيا ومصر للتوجه من تلك البلدان إلى أوروبا.

ويستعرض التقرير، الذي حمل عنوان (فلسطينيو سوريا.. هجرات تتجدد: واقع التشرد والظروف الإنسانية المتدهورة لفلسطينيي سوريا في المهجر)، حالة التشرد واللجوء المتكرر لفلسطينيي سوريا في ظل استهدافهم، حيث تجاوز عدد ضحايا اللاجئين الفلسطينيين في سوريا أكثر من 3600 لاجئ، من بين إجمالي عدد اللاجئين الفلسطينيين في سوريا والبالغ 526 ألف لاجئ.

تقرير آخر للمرصد نفسه لفت إلى الواقع المعيشي والاقتصادي السيء الذي يعيشه اللاجئون الفلسطينيون من سوريا في قطاع غزة، إضافة إلى قلة فرص العمل وارتفاع إيجارات المنازل بشكل كبير، بالتزامن مع الحصار الإسرائيلي، حيث أكد التقرير وفقا لشهادات اللاجئين من فلسطيني سوريا، أن "وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (الأونروا) لم تلتزم بتقديم مساعداتها لهم بشكل منتظم، بسبب ضعف التمويل، كما لم تقدم لهم الجهات الرسمية ومنظمة التحرير الفلسطينية سوى بعض المساعدات القليلة وغير الدورية، حيث يقدر مجموع ما تم تقديمه من مساعدات مالية للأسرة الواحدة خلال السنوات الماضية 300 دولار أمريكي فقط.

واقع مجهول

الجدير ذكره هنا أن سوريا كانت من أهم الدول التي لجأ إليها الفلسطينيون بعيد النكبة عام 1948، وقدرت أعداد الفلسطينيين الذين وصلوا إليها آنذاك بـ 85 ألف لاجئ، يرجع معظمهم إلى سكان الجزء الشمالي من فلسطين، وخاصة صفد وحيفا ويافا، وسط ظروف معيشية أفضل بكثير من بعض الدول العربية، وهو تاريخ لا يمكن الفلسطيني الذي مكث لسنوات طويلة أن يمحوه من ذاكرته.

لكن، اليوم وبعد سنوات من التشريد والنزوح للسوريين داخل بلدانهم بفعل الحرب الدائرة هناك، وجد بعضهم قطاع غزة ملاذاً آمناً للعيش فيه، رغم ضبابية الواقع السياسي والاقتصادي الذي بدأ البعض منهم التعايش معه، والبعض الآخر اضطر مرة أخرى مغادرة غزة صوب بلدان أوروبية أكثر أمناً وسلاماً من بعض الدول العربية التي لفظت الكثير منهم بعد الهرب من سوريا، ليعيش السوري والفلسطيني معا أكثر من نزوح في أعوام قليلة.

ما يقارب الخمس سنوات مضت على تواجد العشرات من العائلات السورية في غزة، ذاقت مع الفلسطيني ويلات الحصار الإسرائيلي والحروب الأخيرة، وجولات من الانقسام الفلسطيني بين "فتح وحماس"، وقلة فرص العمل بفعل تفاقم البطالة التي تعدت الـ40% بين صفوف الشباب الفلسطيني لا سيما من حملة الشهادات الجامعية، وعجز الحكومة الفلسطينية عن توفير مساكن وفرص عمل كانت صعبة لـ "ابن البلد"، فكيف باللاجئ السوري القادم إلى غزة؟.

لا يمكن الجزم أن القادمين من سوريا بفعل الحرب الدائرة هناك إلى قطاع غزة يعيشون ظروفا معيشية جيدة، فهم بالكاد اليوم يتعايشون مع مدخلات ومخرجات الحصار الإسرائيلي المطبق على معظم مناحي الحياة، بالكاد يستطيع الكثير منهم توفير لقمة العيش المغمسة بالعناء تارة، والإذلال تارة أخرى، ليتمنى البعض منهم أن يغادر القطاع إلى دولة أكثر أمنا وسلاما وأفقا واضحة للعيش، فيما البعض الآخر بدأ حياته من جديد وكَوّن علاقات اجتماعية وأسرية أصبحت اليوم في نظره الرصيد الأكبر رغم الحنين والشوق الذي يلاحقه بالعودة إلى سوريا.