الكتاب الأحمر التركي 2024

2024.03.15 | 07:14 دمشق

الكتاب الأحمر التركي 2024
+A
حجم الخط
-A

يوجد مقولة في اللغة التركية تقول" الجغرافيا قدر" وقدر تركيا أن تكون بين الشرق والغرب بين آسيا وأوروبا، وهذا الموقع الجيوسياسي المميز يوقع على عاتق تركيا الكثير من التحديات الإقليمية والدولية، مما دفع المسؤولين الأتراك منذ زمن بعيد لصياغة الكتاب الأحمر الذي يمثل وثيقة سياسة الأمن القومي التركي، الذي يقول عنه البعض إنَّه دستور تركيا السري، ويعود تاريخ الكتاب الأحمر إلى عام 1949. حيث اجتمعت الهيئة العليا للدّفاع الوطني في أنقرة آنذاك لتطوير وتحسين القدرات الدّفاعية للدّولة التركية. وضمّت الهيئة حينها سبعة عشر شخصاً من المدنيّين إلى جانب رئيس هيئة الأركان، ولهذا يعدّ الكتاب الأحمر من أهم الكتب السياسية منذ العهد العثماني حتى يومنا هذا. حيث يحتوي هذا الكتاب أسرار الدّولة التركية، ويضمّ كل التّدابير الأمنيّة السرية تجاه أي تهديد داخلي أو خارجي بالنسبة لتركيا.

قبل أيام قليلة أصدر الرئيس أردوغان لأعضاء حكومته، تعليمات جديدة بخصوص تحديث هذا الكتاب على جميع الأصعدة، بسبب التطور السريع للأحداث داخل وخارج تركيا، حيث لم يحدث محتوى الكتاب منذ عام 2019، وخلال هذه السنوات شهدنا تهديدات جديدة كجائحة كورونا، ولهذا قررت القيادة التركية بدء الدراسات والمشاورات لتحديث بنود هذه الوثيقة بما يتناسب مع التحديات الحالية.

مدينة إسطنبول مهددة منذ زمن طويل بزلزال مدمر كما حصل في المدن الجنوبية في تركيا، ونظرا إلى أهمية إسطنبول السياسية والاقتصادية والسياحية يجب أن تكون الدولة مستعدة لهذا التهديد

تغيرات الكتاب الأحمر

في تقديري سيتم إدخال موضوع جائحة كورونا والأمراض المعدية إلى الكتاب الأحمر، بسبب خطورتها وصعوبة التعامل معها، ولا سيما أن الصحة العالمية تحذر الآن من مرض جديد سيغزو العالم، وسيكون أقوى من فيروس كورونا على حسب قولهم، ولهذا يجب أخذ تحذيرات الصحة العالمية بعين الاعتبار لمكافحة هذا المرض بأقل الخسائر في حال انتشاره في تركيا والعالم، الأمر الآخر هو ملف الزلزال، فكما نعلم إن مدينة إسطنبول مهددة منذ زمن طويل بزلزال مدمر كما حصل في المدن الجنوبية في تركيا، ونظرا إلى أهمية إسطنبول السياسية والاقتصادية والسياحية يجب أن تكون الدولة مستعدة لهذا التهديد عبر استراتيجيات وخطط ستكتب في وثيقة الأمن القومي التركي، بالإضافة إلى هذه الملفات، أعتقد أن يتم إضافة موضوع العنصرية لأول مرة في هذا الكتاب، بسبب تنامي العنصرية ضد العرب والأجانب في الشارع التركي، بسبب السلوك غير المسؤول من بعض السياسيين الأتراك الذين يحاولون الضغط على الحزب الحاكم من خلال استخدام ورقة اللاجئين، حتى إنَّ بعض القوى في تركيا عملت على ضرب السياحة في المدن التركية من خلال خطاب عدائي على مواقع التواصل الاجتماعي، ولهذا تكلم الرئيس أردوغان عن هذا الموضوع قائلا "لن نقبل مطلقا أن يطول أي شخص سوء، بالقول أو بالفعل، بسبب أنه أجنبي أو يتحدث لغة مختلفة أو بسبب الحجاب واللحية أو أي شيء آخر، وكل من يتورط في الإساءة لأحد سيعاقب".

الحرب الروسية الأوكرانية لفتت نظر العالم لموضوع الحبوب، لذلك أعتقد إضافة ملف الأمن الغذائي إلى وثيقة الأمن القومي، حيث كنا على وشك مجاعة عالمية، بسبب توقف تصدير الحبوب الأوكرانية والروسية إلى دول العالم، لهذا يجب على تركيا أن تقوم بتقوية أمنها الغذائي، ومن التحديات الكبيرة التي ستأخذ حيزا من الكتاب هو الحرب الاستخبارية، فمنذ سنوات وجهاز الاستخبارات التركي يكافح نشاطات بعض أجهزة الاستخبارات الأجنبية كالموساد الإسرائيلي، الذي حاول استهداف شخصيات عربية وفلسطينية، ولكن المخابرات التركية كانت له بالمرصاد وبسبب الموقف التركي الداعم للقضية الفلسطينية ولغزة كثفت إسرائيل عمليتها في تركيا ولكن انصدمت بالواقع، حيث أصبح تفكيك خلايا الموساد في تركيا شيئاً طبيعياً وسهلاً للأمن التركي، وهذا ما أصاب إسرائيل بالدهشة والاستغراب.

يجب التركيز على ملف الكيان الموازي (جماعة فتح الله غولان) لكيلا يتكرر الانقلاب الفاشل في 15 تموز 2016

الأمر المهم أيضا هو التطورات على الحدود التركية العراقية السورية، فمنذ قرابة سنة وحزب العمال الكردستاني يحاول إنشاء ممر إرهابي بين شمالي العراق وشمالي سوريا، ولهذا سيكون لكل هذه التنظيمات نصيب من هذا الكتاب السري، فتركيا تتابع استهداف هذه التنظيمات وأخيرا تم استهداف المناطق الحيوية للطاقة لديهم، ومن الممكن أن تكون هذه الخطوة هي استراتيجية جديدة في هذا الكتاب تجاه هذه المنظمات.

برأيي المتواضع أعتقد أنه يجب التركيز على ملف الكيان الموازي (جماعة فتح الله غولان) لكيلا يتكرر الانقلاب الفاشل في 15 من تموز 2016 فالسبب الذي أدى إلى حدوث هذه العملية الانقلابية الغاشمة هو عدم التركيز على مثل هذه التهديدات في الكتاب الأحمر سابقا، طبعا لا نستطيع أن ننسى ما يحصل في شرق المتوسط وإقليم قرباغ وليبيا والصومال والتطورات في القارة الإفريقية، كل هذه الموضوعات سوف يكون لها نصيب بين سطور الكتاب الأحمر، وبسبب تقدم التكنولوجيا يجب تحديث موضوعات الأمن السيبراني والذكاء الصناعي والتقنية البلوك تشين والعملات المشفرة التي أصبح بعضها أداة لغسيل الأموال المشبوهة.

الكتاب الأحمر في الدراما التركية

تعرف المجتمع العربي والغربي لأول مرة إلى الكتاب الأحمر من خلال الدراما التركية في المسلسل الاستخباري المعروف بـ "وادي الذئاب"، حيث طرح المسلسل قصة هذا الكتاب من خلال بطله رجل المخابرات التركية مراد علم دار، وأعتقد أن طرح هذا الموضوع في مثل هذا المسلسل الذي حقق انتشاراً واسعاً، هو رسالة تركية مبطنة ومغزاها أن تركيا بالمرصاد لأي تهديد ممكن من أي جهة، وفي أي وقت.