الكائن الذي ليس لاجئاً

2023.01.30 | 05:10 دمشق

آخر تحديث: 30.01.2023 | 05:10 دمشق

لاجئون
+A
حجم الخط
-A

(ليس جميلا هذا المكان .. فهنا يقبع مئات الشباب بلا ذنب سوى هويتهم السورية التي سَلخت عنهم قيمة الإنسان.. مخيم العثمانية، الاحتجاز القسري) بهذه الكلمات يعلق الناشط السوري خالد الحمصي على عملية اعتقاله في مخيم العثمانية إثر رفضه التوقيع على "العودة الطوعيّة"، حيث ناشد العالم وجميع السوريين لمساندته فأصدرت رابطة الصحفيين السوريين والعديد من هيئات العمل المدني والناشطين بيانات مساندة.

بحسب لقاء مع خالد لتلفزيون سوريا، وردّا على موظف في دائرة الهجرة أكد على خالد "ضرورة العودة الطوعية إلى سوريا" فقال خالد: إنّ الشمال السوري: "مناطق غير آمنة".

خالد وكما هو واضح من اسمه فهو من حمص التي تعرّضت أحياؤها إلى القصف والاقتحامات ومن ثمّ  تهجير من بقي حيّا من أحيائها على عدة دفعات كان آخرها عام 2017.

في شأن موازٍ ومن خلفية برلمانية عن حزب العدالة والتنمية، ومثابرة في مجال العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي، ورئاسة سابقة لـ " لجنة الهجرة واللاجئين والسكان" قبيل توليه منصب وزارة الخارجية التركيّة منتصف عام 2014 جاء وزير الخارجيّة التركي مولود جاويش أوغلو؛ إلّا أنّ توفيق الوزير بين الهجرة وبين وزارة الخارجيّة لم يكد يظهر للسوريين حتى 2016 العام الذي شهد حدثين مهمين:

الأوّل: محاولة الانقلاب الفاشلة على حكومة العدالة والتنمية.

الثّاني: التوقيع على اتفاق تركي أوروبي مشترك لمعالجة "الهجرة غير الشرعيّة" إلى أوروبا حيث تعهد الاتحاد بتقديم دعم مالي لتركيا - كبلد لعبور اللاجئين- للحد من الهجرة مقابل تعهد تركيا إدارة برامج "دمج السوريين" الذين بلغ عددهم حينذاك "422 ألفاً" بحسب تصريح سابق لوزير الداخلية التركي سليمان صويلو.

العام 2017 شهد حدثا مفصليّا أيضا إذ انطلقت أولى جلسات مسار أستانا بدعم تركي حكومي، والذي أصبح واضحاً أنّه يستند إلى قراءة  تفكّك القرار 2254 إلى أربعة سلال،  وعام 2018 شهد انعقاد مؤتمر سوتشي الذي اعتبر مرجعا أدبيّا لما سوف يسمّى فيما بعد سلّة "اللجنة الدستوريّة"!

نصّت المادة 14 من القرار الدولي على: (الحاجة الماسة إلى تهيئة الظروف المواتية للعودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين داخلياً إلى مناطقهم الأصلية وتأهيل المناطق المتضررة..).

من جانبها قرّرت الحكومة التركيّة إنشاء "منطقة آمنة" عبر ثلاث عمليّات عسكريّة: درع الفرات 2017،  وغصن الزيتون 2018،  ونبع السلام 2019، وأعلنت عام 2022 عن نيتها خوض عمليّة رابعة.

بحسب بيان صادر عن دائرة الهجرة التركيّة فإنّ عدد السوريين الحاصلين على وثيقة "الحماية المؤقتة" في تركيا عام 2022 اقترب من "4" ملايين!

لنكون متوازنين لابد من الاعتراف أنّ في إسقاط مفهوم "العودة الطوعيّة" الذي يتضمنه القرار 2254 على إعادة قسم منهم إلى الشمال باعتباره "منطقة آمنة"، إضافة إلى المصالحة مع حكومة الأسد إنّ في كل ذلك مصالح أمنيّة واقتصاديّة وسياسيّة للحزب الحاكم ولتركيّا ويعمل الساسة الأتراك بمثابرة على تأمين مصالحهم؛ لذا فإنّ التشكيك في أن الساسة الأتراك لا يلاحظون مصالحهم جيدا في سوريا سذاجة لا طائل منها والسؤال المنطقي الوحيد الذي يحق للسوريين أن يبحثوا عن إجابة له هو: أين مصالحنا كسوريين؟!

مطلع العام الحالي صرح وزير الخارجية التركي أنّه: (يجب على كل من تركيا والدول الأخرى التعامل مع النظام من أجل العودة الآمنة للسوريين، وأن النظام السوري يريد التعاون في هذا الشأن من أجل عودة السوريين) في حين أكّد رؤساء الائتلاف والتفاوض والحكومة المؤقّتة بعد زيارتهم الوزير التركي للسوريّين "تمسّكهم بأهداف الثّورة"!

لعل الواقع يشهد أنّ السعي لحل مشكلات اللاجئين السوريين في تركيا دور يهتم له ناشطون مؤثّرون وفاعلون في المجتمع المدني كالسيّد طه الغازي، أو الدكتور مازن شيخاني، أو منظمات وهيئات مدنيّة لا صلة مؤسسيّة بينها وبين الائتلاف أو الحكومة المؤقّتة: كنادي الصحفيين السوريين، ومنتدى حقوق الإنسان والأمن المجتمعي، ومنظمة "عدالة لحقوق اللاجئين" و"الرابطة السوريّة لكرامة المواطن" وغيرها؛ أمّا الائتلاف -الذي لا تتوجّه إليه صرخات استغاثة حتّى- فيتابع شؤون اللاجئين عبر ما يسمّى "اللجنة السوريّة المشتركة لشؤون اللاجئين" ولدى السؤال عن اللجنة أفاد ناشطون بأنّ العاملين السوريين فيها يصفون أنفسهم كـ "لجنة مقترحات للجهات المعنيّة؛ لا لجنة حلول"!

بالمقابل فقد شارك وزير الإدارة المحلية والخدمات في الحكومة السورية المؤقتة يوم 04‏/08‏/2022 في مؤتمر "العودة الآمنة الطوعية والكريمة" الذي عقد في العاصمة التركية أنقرة -بحسب موقع الحكومة المؤقّتة وبحسب الموقع ذاته فقد: (ركّز المؤتمر على دور الحكومة السورية المؤقتة في توفير البيئة الآمنة.. وخلص المؤتمر إلى عدة نقاط من أهمها: رفع مستوى التنسيق والتعاون مع الجانب التركي..)!

لابد من التأكيد مرة أخرى على أنّ المقصود بـ "البيئة الآمنة" في القرار 2254 ليس الشمال السوري؛ رغم أنّ كل سوري شريف يتمنى لو يصبح الشمال بالفعل "بيئة آمنة"؛ لكن وفي لقاء آخر مع وسيلة إعلامية: يذكر خالد الحمصي أنّ موظفا في دائرة الهجرة قال له: ارجع إلى الشمال السوري. فردّ خالد: "الشمال جزء من سوريا وليس موطني؛ أنا موطني مدينة حمص"!

بالنسبة لمواطن أسترالي أو تركي ليس لديه مبرر كافٍ ليمرّ على جغرافيا سوريا فإن مروره على أخبار وزارة الإدارة المحلّية في الحكومة المؤقّتة وحدها كفيل بمنحه شعورا بالأمن والأمان؛ إذ أدارت الوزارة في الأشهر الأخيرة انتخاب العديد من مجالس النواحي والمناطق، وقبل ذلك بسنة أي في الشهر الأخير من عام 2021 و(بتوجيه من رئيس الحكومة السورية المؤقتة.. مديرية المجالس المحلية في وزارة الإدارة المحلية والخدمات تنتهي من انتخاب مجلس محافظات القنيطرة.. ومحافظة درعا كذلك) في أجواء من الديمقراطيّة بين أعضاء الهيئات العامّة المجتمعين في "كفرجنة"!

يمكن للمواطن الأسترالي أن يتفاءل بالبيئة الآمنة لولا أنّه قد يعثر مصادفة على بعض التفاصيل الواقعيّة من مثل: أنّ محافظتي درعا والقنيطرة قرب الحدود الأردنيّة في أقصى جنوب سوريا، وأنّ  "كفر جنّة" ناحية تقع في أقصى الشمال السوري القريب من الحدود التركيّة وقد اجتاحتها مؤخّرا هيئة تحرير الشام!

يمتلك الإنسان ثلاثة مستويات للهويّة: طبيعي: كذكر أو أنثى أو جنس ثالث، ومدني: كمواطن يعمل في الزراعة أو الصناعة أو الصّحافة.. وسياسي: كناخِب أم مُنتخب للدفاع عن المصالح الطبيعيّة والمدنيّة التي لا يمكن أنّ تتفق إلى درجة التطابق لا مع حليف قوي كتركيا -على حد تعبير رئيس الائتلاف- ولا مع حليف ضعيف، وليست مهمّة السياسي أنْ يبدو مهذّبا متسامحاً بل إنّ مهمّته  الدفاع عن الحقوق والمصالح!

ينتظر المواطن التركي استحقاقه الانتخابي منتصف العام الجاري؛ ليختار من بين المرشّحين من يراه مناسباً لتولي مهمّة الدفاع عن مصالحه في حين ينتظر السوريون في الشمال فرج الله!

أما السوري في الداخل التركي فلا يمتلك هويّة لاجئ لينال استحقاقاً قانونيّا بمعاملته بحسب حقوق الإنسان، بل يحمل ورقة حماية مؤقّتة تستند إلى "مراعاة التوازن في ما بين مسالة حقوق الإنسان مع الأمن والسلامة العامة" بحسب وزارة الداخليّة التّركيّة؛ ولاشك أنّ السلامة العامة مقدّمة على حقوق الإنسان لدى أوّل اشتباه ليظل الكائن السوري كما قال خالد الحمصي: "بلا ذنب سوى هويته السورية التي سلخت عنه قيمة الإنسان"!