icon
التغطية الحية

الغارديان: كيف أوصلت جوازات السفر المزورة عناصر تنظيم الدولة إلى أوروبا وأميركا؟

2022.02.02 | 10:15 دمشق

تزوير الجوازات - المصدر: الإنترنت
تزوير الجوازات - المصدر: الإنترنت
الغارديان - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

كشف تحقيق أجرته صحيفة الغارديان عن تجارة جوازات السفر المزورة باحترافية، وكيف ساعدت عناصر وقيادات من تنظيم الدولة في الوصول إلى المملكة المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو كندا أو الولايات المتحدة، وبدء حياة جديدة بهوية جديدة.

وتقدم خدمة مزدهرة عبر الشابكة جوازات مزورة تحمل تأشيرات رسمية وأختام سفر، وتقوم إحدى هذه الشبكات المتخصصة ببيع الجوازات المزورة والتي يديرها شخص من التابعية الأوزبكية له صلاته المتطرفة ويعيش في تركيا، ببيع جوازات سفر ذات جودة عالية تصل قيمة أحدها إلى 15 ألف دولار، ويزعم أنها من دول مختلفة. ومن خلال عشر حالات على الأقل اطلعت عليها الغارديان، قام من اشتروا تلك الجوازات بعبور الحدود السورية إلى تركيا بطريقة غير شرعية ثم استعانوا بتلك الجوازات للمغادرة من مطار إسطنبول.

ويقول باعة تلك الجوازات بأن الاتحاد الأوروبي يمثل الوجهة الأكثر شيوعاً، لكنهم ذكروا بأن هنالك حالتين على الأقل لأشخاص تمكنوا من السفر من إسطنبول إلى المكسيك باستخدام جوازات سفر روسية مزورة، ومن هناك، تمكن هذان الشخصان من عبور الحدود للوصول إلى الولايات المتحدة بطريقة غير شرعية، في حين أصبحت النيجر وموريتانيا من أقل الوجهات طلباً، وكذلك الأمر بالنسبة لأوكرانيا وأفغانستان.

جوازات للهرب من وجه العدالة 

ولقد ازدهر هذا النشاط التجاري الذي يديره ذلك الشخص الأوزبكي لدرجة أنه افتتح مؤخراً قناة جديدة على تطبيق تيليغرام للرسائل المشفرة تحت اسم يبدو رسمياً وهو: "إسطنبول للاستشارات العالمية". وتوحي تلك التجارة المتنامية بأنه يمكن للمتطرفين الخطرين أن ينسلوا تحت رادار الجهات الأمنية في مختلف بقاع العالم، وأن يهربوا من وجه العدالة مع جرائمهم السابقة كما يرجح لهم أن يتمكنوا من مواصلة أنشطتهم الإرهابية في دول أخرى غير سوريا.

وفي رسالة ضمن محادثة مع الغارديان التي ادعت أنها زبون مهتم بالخدمة، قال صاحب المشروع الأوزبكي: "إنني لا أسأل الشخص عن الجماعة التي ينتمي إليها، فأنا على استعداد للتعامل مع الجميع، كما أنه ليس من شأني أن أبحث إن كان الشخص سيئاً أم لا، بل يتعين على الجهات الأمنية معالجة هذا الأمر".

جوازات.. فسفر.. فتفجيرات

يذكر أن مسؤولين أمنيين غربيين قد حذروا في عام 2015 من تمكن تنظيم الدولة من الحصول على معدات مهمة تضم جوازات سفر فارغة وأجهزة طباعة حتى تقوم بصناعة جوازات سفر سورية وعراقية تستخدم للتمويه عن عملاء تنظيم الدولة من بين أكثر من مليون شخص فروا إلى أوروبا عندما بلغت أزمة اللاجئين ذروتها.

وقد أعلن تنظيم الدولة عن مسؤوليته عن عدة هجمات وقعت في مختلف أرجاء القارة الأوروبية بعد وقت قصير من ذلك، وشملت الهجمات تلك الهجمة التي وقعت في تشرين الثاني عام 2015 على مسرح باتاكلان بباريس وتفجير ساحة مانشستر في عام 2017.

إجراءات جديدة

ومنذ ذلك الحين، استعانت الهيئات الأوروبية التي تقوم بحراسة الحدود بتقنيات وموظفين مدربين على تمييز جوازات السفر المزورة بشكل أفضل. وفي عام 2020، قامت طاجيكستان بتغيير طاقم موظفيها الكامل في قنصليتها بإسطنبول إلى جانب تغيير نظام التوثيق لديها في محاولة منها للتخلص من جوازات السفر الطاجيكية المزورة.

ولكن رداً على ذلك، عمد بائعو الجوازات المزورة إلى الانتقال لمستوى أعلى في تلك اللعبة، حيث أصبحوا يستعينون بتشكيلة أوسع من الجنسيات حتى يبيعوا جوازات سفرها لأي زبون.

قام ذلك الأوزبكي بإرسال العديد من مقاطع الفيديو التي صور فيها بضاعته، والتي تشمل جوازات سفر فرنسية وبلجيكية وبلغارية وروسية حديثة تظهر عليها علامات مائية أصلية وصور ثلاثية الأبعاد تثبت أنها مؤمنة.

جوازات مزورة لكنها حقيقية!

وعند وضع تلك الجوازات تحت نور داكن، تبين وجود جوازي سفر روسيين يحملان موادَّ حساسة للأشعة فوق البنفسجية استخدمت لمنع تزوير الجوازات، في حين تمكن ماسح ضوئي شبيه بالماسحات الضوئية التي تستخدم في المطارات من قراءة أحد الجوازات البلجيكية بشكل صحيح، حيث ظهرت جميع معلومات صاحب الجواز على الشاشة.

وبحسب ما ذكره بائعو تلك الوثائق، فإنه يستحيل تزوير الرقاقة البيومترية التي تعمل بشكل صحيح، إلا أن المسؤولين الذين يقومون بتفتيش الجوازات عند أي معبر حدودي يتجاهلون بكل بساطة أي رقاقة لا تعمل، ويسمحون لحامل جواز السفر بالمرور.

هذا وقد أفاد مصدر لدى وزارة الداخلية الأميركية استعان بعدة أشخاص يتحدثون الروسية والعربية ولغات أخرى حتى يقوموا بدور زبائن مختلفين بأن: هنالك بائعا معينا يقيم في تركيا ويزود عناصر تنظيم الدولة بوثائق ذات مستوى عال (أي مزورة بطريقة احترافية)، ولقد علمنا بأن عناصر تنظيم الدولة الذين استعانوا بتلك الجوازات المزورة قد وصلوا إلى أوروبا، وبأن الأمن الأوروبي لم ينجح في اعتقال أي منهم".

في الوقت الذي تلبي فيه أكثر خدمة رائجة لدى بائعي جوازات السفر المزورة المقاتلين الأجانب في سوريا المرتبطين بتنظيم الدولة وغيرهم من المقاتلين المنتمين لجماعات مسلحة، حيث تقوم بتزويدهم بوثائق تساعدهم على السفر إلى أوروبا، استطاعت تلك المجموعة من البائعين تحديد مجالات أخرى للتوسع في عملها.

خدمات الجوازات من المخيمات 

فمن خلال محادثة عبر تطبيق تيليغرام جمعت أشخاصاً من مخيم الهول الواقع شمال شرقي سوريا والذي يؤوي قرابة 60 ألف امرأة وطفل مرتبطين بتنظيم الدولة، قامت إحدى المسوقات لهذه الخدمة التي يقدمها ذلك الأوزبكي عبر الشابكة، وهي امرأة أجنبية محتجزة في مخيم قريب آخر، بنشر الآتي: "إن كنتم بحاجة لوثائق مزورة من روسيا أو وسط آسيا أو تركيا أو أوروبا، فتواصلوا معي على الخاص".

قاعدة زبائن جديدة

إن وقوع أفغانستان بأيدي طالبان خلق قاعدة زبائن جديدة تضم لاجئين أفغاناً في تركيا، بحسب ما ذكره ذلك الرجل الأوزبكي. إذ بالرغم من أن خدماته مكلفة للغاية بالنسبة لغالبية المهجرين الأفغان، فإنه يخبرنا بأن زبائنه يستخدمون جوازات السفر المزورة ليصعدوا على متن الطائرات المتوجهة إلى الدول الغربية، وبمجرد وصولهم إلى هناك يقدمون طلب لجوء.

نادراً ما يكون لدى مقاتلي تنظيم الدولة من الرتب المتدنية مال يكفي لشراء جواز سفر واحد، إلا أن العناصر من الرتب الرفيعة التي ترغب بقطع صلاتها مع تلك الجماعة تماماً، تشتري عادة العديد من الوثائق التي تعود لبلدان مختلفة، وتستعين بها للتنقل بصورة متكررة، مع تغيير جواز السفر في كل رحلة جديدة بحسب ما ذكره أحد باعة جوازات السفر المزورة من التابعية الروسية.

في حين ذكر مواطن روسي حارب في صفوف تنظيم الدولة حتى عام 2015 ما يلي: "لم يكن لدي سوى مئتي دولار عندما أتيت من سوريا، ولهذا اشتريت أرخص جواز سفر، وهو جواز طاجيكي ذي جودة رديئة بالفعل، لكنه لم يجد نفعاً، إذ تم اعتقالي في المطار بإسطنبول، ثم قامت عائلتي في الوطن بجمع ما يكفي من المال لمساعدتي على شراء جواز بنوعية أفضل، وهكذا حصلت على جواز سفر روسي وأضيفت صورتي عليه، فتمكنت من السفر إلى أوكرانيا بواسطته، إذ كان نافعاً بالفعل، ولكن استوقفني أحد رجال الشرطة في أوكرانيا ذات مرة وأخذوه مني لكنهم أعادوه لي بعد أسبوع وأخبروني بأن الأمور على ما يرام. ولسوء الحظ انتهت صلاحية هذا الجواز الآن، ولهذا أحاول اليوم أن أحصل على المال لشراء جواز جديد".

اختفاء كامل بموجب شهادة وفاة

ولضمان اختفاء شخص بشكل كامل، مقابل 500 دولار، يمكن لبائع الجوازات الأوزبكي أن يؤمن شهادة وفاة تركية بحيث ترسل لقنصلية الدولة التي يعتبر هذا الشخص من مواطنيها، ويعلق الأوزبكي على ذلك بقوله: "ما لم تكن أبا بكر البغدادي، فلن يتوجه أحد إلى المشرحة للتأكد من وفاتك، بل سيوقعون بالموافقة على تلك الوثيقة وبعدها تدخل إلى السيستم".

تصنيفات للجوازات المزورة

هنالك العديد من الخيارات بالنسبة لجوازات السفر، وذلك تبعاً لإثنية الزبون واللغة التي يتحدث بها، والوجهة التي يرغب في السفر إليها، وكم من المال يريد أن يدفع، ويعتبر الجواز الروسي أرخص وثيقة يمكن للمرء السفر بواسطتها إلى أوروبا، يليه جوازات كل من قيرغيزستان وكازاخستان، والتي يكلف أحدها ما بين 5-6 آلاف دولار، ضمن حزمة تأشيرات شنغن. وثمة خيار أغلى وأكثر شيوعاً وهو الجواز الأوكراني والمولدوفي، الذي يسمح لحامله بالسفر إلى دول الاتحاد الأوروبي دون الحاجة للحصول على تأشيرة.

أما أغلى خيار فهو الجواز الأوروبي، الذي قد يكلف الزبون نحو 8 آلاف دولار، وعادة ما يطلبه الغربيون والعرب الذين يتحدثون بعض الفرنسية إذ بوسعهم السفر بواسطته على أنهم فرنسيون أو بلجيكيون. وعادة يصل المواطن الأوروبي إلى تركيا وهو يحمل جواز سفره، حيث يقوم ببيعه للشخص الأوزبكي ورفاقه بمبلغ 2500 يورو، بعد ذلك يتم تغيير صورة الجواز واستبدالها بصورة الزبون، ثم يدعي صاحب الجواز الأصلي بأنه فقد جواز سفره ويتقدم بطلب للحصول على بدل ضائع لدى قنصلية بلاده في إسطنبول.

وهذا يعني بأن الجوازات طبعت في دول المنشأ وتم نقلها للبلد الذي ينتظرها الزبون فيه، حيث يحصل الزبون على أختام دخول رسمية، ما يؤكد شرعية تلك الوثيقة.

ويعلق بائع الجوازات المزورة الروسي على ذلك بقوله: "إن الجواز بحد ذاته لا يكلف أي شيء نسبياً، بل إن الكلفة تقع على الأختام، لأن معظم الأموال تدفع كرُشىً من أجل الحصول على تلك الأختام... في الماضي كانت نوعية جوازات السفر الموجودة في السوق سيئة، ولهذا كان عدد الدول التي بوسع الزبون أن يسافر إليها من سوريا محدوداً، أما اليوم، فتتمتع هذه الجوازات بجودة عالية لذا يمكنك السفر إلى أي مكان قطعاً إن كان لديك ما يكفي من المال".

المصدر: غارديان