icon
التغطية الحية

الغارديان تروي قصة مربي نحل سوري في يوركشاير ببريطانيا

2021.12.15 | 13:25 دمشق

مربي النحل السوري رياض السوس
مربي النحل السوري رياض السوس ـ الغارديان
الغارديان - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

في عام 2013، احتسى مربي النحل السوري رياض السوس آخر كوب من الشاي بالنعناع في شرفة شقته بدمشق، إذ كان على وشك مغادرة المدينة التي أمضى فيها كل حياته لينتقل إلى بريطانيا. وبعد مرور ثماني سنوات على ذلك، أصبح يشرب فنجان الشاي بالنعناع الذي يعده في القدر ذاته، بما أنه الشيء الوحيد الذي ما يزال بحوزته من بيته في سوريا، وهنا يحدثنا عن اللحظة التي غادر فيها فيقول: "كان الأمر صعباً للغاية، لكنه مفعم بالأمل أيضاً".

فقد قُصف المجمع السكني الذي كان يقيم فيه مرتين، وأخذت التفجيرات تتكرر بصورة يومية في الطرف الشرقي من المدينة. وفي اليوم الذي غادر فيه، تسبب صوت انفجار قوي وقع في الجوار بهبوط أعداد كبيرة من الحمام في شرفته حيث أخذت ترفرف بأجنحتها في الهواء.

كان من عادته أن يطعم الطيور، ولهذا أدرك أن تلك الحمائم لن تجد من يعتني بها بعد رحيله، وعن ذلك يقول: "فتحت نافذتي قرابة 25 سم بشكل يسمح للطيور بالدخول، كما فتحت كل الخزائن في المطبخ حتى تتناول الطيور كل شيء موجود لدينا. شعرت في تلك اللحظة بأنني أتبادل الأماكن مع الطيور، فهي أعطتني القبول لدخول المملكة المتحدة التي تعتبر دولة آمنة بالنسبة لي، وأنا أعطيتها بيتي الآمن لتقيم ولتأكل ولتشرب ولتبني أعشاشها ولتتكاثر".

كان قد نسي كل ذلك إلى أن طلب من جاره بعد مرور خمس سنوات على ذلك أن يرسل له صورة لشقته، فاكتشف أن الطيور بنت أعشاشها في المطبخ وفي غرف النوم وفي الخزائن وحتى في فردة حذائه القديم. أصبحت مدينته الجميلة مدمرة، إلا أن شقته أضحت مفعمة بالحياة.

إذ قُتل ما لا يقل عن 350 ألف شخص خلال سنوات الاقتتال في سوريا التي امتدت لعشر سنوات، ومن المرجح أن يكون العدد الحقيقي أعلى بكثير بحسب ما أوردته الأمم المتحدة، ناهيك عن 13.5 مليون نسمة نزحوا من بيوتهم بشكل قسري (أي ما يعادل نصف سكان سوريا).

بعد مرور بضع سنوات على وصوله إلى الممكة المتحدة برفقة زوجته وأولاده الخمسة، أقام رياض السوس مشروع Buzz وهو عبارة عن جمعية خيرية هدفها مساعدة اللاجئين المهتمين بتربية النحل، وهكذا أضحت قصة رياض مصدر إلهام بنيت عليها شخصية مصطفى في الكتاب الأكثر مبيعاً الذي يحمل عنوان: "مربي النحل الحلبي". فقد وصل مصطفى إلى يوركشاير حيث أقام منحلة للنحل الأسود النادر في بريطانيا، وأخذ يعلم اللاجئين فن إنتاج العسل، تماماً كما فعل رياض.

 

مربي النحل السوري رياض السوس

 

يخبرنا رياض أن مشروع Buzz هو عبارة عن مبادرة قائمة على التنوع الحيوي، يهدف منها لمساعدة أشخاص مثله يعيشون في المهجر بعيداً عن أوطانهم، وذلك ليشعروا بأنهم في بلدهم حتى ولو كانوا في أرض غريبة، ويعلق رياض على ذلك بقوله: "من خلال فهم التنوع البيئي بوسعنا أن نربط بين البشر والنحل، وبين البشر والبيئة، وذلك لنخلق أشخاصاً ناجحين". فقد ساعد رياض أكثر من 30 لاجئا من دول بينها سوريا والسودان وكردستان وتركيا.

أقام رياض أول خلية للنحل في المملكة المتحدة في عام 2015، بفضل امرأة اسمها ديبي من مانشستر تعرف إليها عبر فيس بوك، واليوم أصبح لديه مئة خلية، ولهذا صار يبحث عن ديبي التي غيرت رقم هاتفها فقط ليشكرها على ما قدمته له من صنيع.

إن المملكة المتحدة تمثل بالنسبة لرياض أرضاً للتنوع والتعدد، حيث يقول: "أريد أن أريكم شيئاً من السعادة التي أنعم بها"، إذ في زاوية مطبخه أقام العديد من خلايا النحل وهذا هو السبب في انتشار رائحة طيبة في أرجاء بيته، بما أن العسل موجود في كل مكان، وكذلك الأدوات المعدة لاستخلاصه، وعن ذلك يقول رياض: "إنني سعيد لأن كل شيء في بيتي مرتبط بالنحل، لدرجة أني تحولت إلى نحلة في خلية".

أغرم رياض بالنحل منذ أن كان في الحادية والعشرين من عمره، وأخذ يدرس حياة النحل في كلية الزراعة، ثم ادخر من ماله واشترى خليتي نحل، وسرعان ما تحولت تلك الخليتان إلى مستعمرات للنحل، فصار يكسب المال الوفير عبر بيع العسل لأصدقائه وأقربائه. ثم حصل على شهادة الدكتوراه في تركيبة العسل وقوامه ونكهته. ففي سوريا، يقوم النحل بجمع الرحيق من أزهار القطن وعباد الشمس والكينا والخلنج والحمضيات، لذلك يعرف رياض نوع الأزهار التي جمعت منها النحلات الرحيق بمجرد أن يتذوق طعم العسل.

 

معدات استخلاص العسل في بيت رياض السوس

 

وساهم رياض السوس أيضاً في تأسيس جمعية تربية النحل في سوريا، ويخبرنا أن عدد مربي النحل تضاعف ليصل إلى 25 ألف مربي بين عامي 1989-2011، بالرغم من عدم توفر إحصائيات رسمية تدعم ذلك، ويقدر رياض بأن أكثر من ثلاثة أرباع مستعمرات النحل في سوريا قد دُمرت بسبب الحرب. ثم إنه كان أستاذاً جامعياً مرموقاً في جامعة دمشق، وكانت لديه 500 خلية نحل، إلا أنها دُمرت بأكملها، سواء بسبب حرائق شبت فيها أو بسبب حرمان النحل من الغذاء  لعدم زراعة المحاصيل في سوريا خلال فترة الحرب.

وفي صورة له يظهر فيها وهو يتسلم جوازه البريطاني في تشرين الأول من عام 2019، يخبرنا بأنه يحب هذه البلاد، فقد تزوجت إحدى بناته مؤخراً هنا وصارت تقيم في لندن. ولديه بنتان أخريان إحداهما تعيش في المملكة المتحدة والأخرى في الولايات المتحدة، إلى جانب ولدين أحدهما في بريطانيا والآخر في أستراليا، كما أصبح لديه سبعة من الأحفاد، وبذلك أصبحت عائلته السورية تمد جذورها في بلاد جديدة وتتعرف إلى ثقافات مختلفة.

يرى رياض أن حياة النحل ترسم مجتمعاً مثالياً، فالكل يتعاون مع الكل، والكل يهتم لأمر الكل، دون أن يخذل أحد أحداً كما يحدث في عالم البشر، وعن ذلك يقول: "النحل يعني السلام مع الحياة، فهم يقومون بعملهم وينتجون العسل".

 

المصدر: غارديان