"العنف الأُسري" قصص مؤلمة.. وما خفي أعظم

2023.07.25 | 18:39 دمشق

آخر تحديث: 25.07.2023 | 18:39 دمشق

"العنف الأُسري" قصص مؤلمة.. وما خفي أعظم
+A
حجم الخط
-A

الأسرة هي حجر الأساس الذي تُبنى عليه المجتمعات دائماً.. فهي تُعتبر قياساً لنجاح أو فشل عملية التنشئة الاجتماعية، فالأسرة المتفككة أو الفاسدة تنتج جيلاً فاسداً ومفسداً في المجتمع، وتربية الأطفال في بيئة مليئة بالعنف والجهل تخلّف رجلاً يحمل في أفكاره وتصرفاته كل ما يلزم للقيام بأعمال العنف والقتل والفساد في المجتمعات، وتُعتبر ظاهرة العنف الأسري من أسوأ ما تخلفه التربية السيئة.

نور.. ذات الـ 16 ربيعاً، التي كانت تُقيم في أحد الأحياء الشرقية بمدينة حلب، حاولت الهروب من منزل عائلتها، بعد أن بقيت أكثر من عشرة أيام سجينة غرفةٍ صغيرةٍ في إحدى زوايا البيت، كما تخبرنا "صديقتها" التي رفضت ذكر اسمها نظراً لحساسية الموضوع.

بدأت قصة نور عقب رؤية والدها لها وهي تحمل سراً هاتفاً نقّالاً (موبايل)، لينهال عليها بالضرب واللكم والشتم بمساعدة أخيها الكبير.

تسرد لنا صديقة نور ما كانت تتعرض له الشابة وأمها وأخواتها، من شتى أنواع العنف النفسي والجسدي والاجتماعي، وحتى المادي من الأب والإخوة الذكور.

تتابع صديقة نور.. قبل سنتين تقريباً اتصل بي والد نور ليسألني إن كانت نور قد جاءت إلي، لأتفاجأ بأنها قد هربت من منزل والدها، بعد كم العنف الذي تعرضت له، وهنا بدأت العائلة برحلة البحث عنها وبعد انقطاع الأمل، غادرت العائلة مع من تبقى منهم الحي خوفاً من انتشار الخبر بشكل أوسع.

تُضيف صديقة نور.. بعد أشهر من غياب نور علمت بأنها تزوجت، لتكون الزوجة الثالثة وهي "قاصر"، بالإضافة لقيامها بثلاث عمليات إجهاض بسبب رفض زوجها، لتكون نور ضحيةً مرة أخرى، بعد عنف الأب والأخ.

ما المقصود بالعُنف الأُسري؟

يُعتبر العنف الأسري ظاهرة اجتماعية ونفسية، قد تحدث بين أحد الأبوين والأبناء أو بين الزوجين أو الأشقاء من كلا الجنسين، وفي جميع الثقافات والتوجهات والتقاليد والأعراف، فهو لا يتعلق بالمستوى الاقتصادي أو التعليمي للأسرة والخلفيات المورثة والأعمار، وتُعدّ ظاهرةً خطيرةً وسلبيةً في مجتمعنا لما تحمله من تهديدِ لكيان الأسرة واستمرارها.

وأشارت الصحفية والباحثة الاجتماعية "وضحة العثمان" إلى أن الآثار الاجتماعية للعنف الأسري، سيئة جداً وسلبية على النساء بالدرجة الأولى، فالمرأة المعنّفة توجد في محيطها نساء أخريات سواء أخت أو بنت أو أم، مما يترك أثراً سيئاً للغاية على الوسط الاجتماعي.

وتتابع العثمان: مجتمعنا لا يزال يحكم بالعقلية الذكورية، سواء الأخ أو الزوج أو الأب، وفي بعض المناطق الجغرافية حتى الأقارب الذكور منهم يتحكمون بحياة المرأة، لتدفع ثمناً لأفكارٍ واعتقاداتٍ موجودة فقط في عقول الرجال وغير متّصلة بالواقع.

تقول العثمان: على سبيل المثال إذا أرادت المرأة أن تختار شريك حياتها، أو السفر من دون محرم لها أو حتى إذا طالبت بحقها في الميراث ورفعت صوتها بالحق، قد تصل أحياناً لمرحلة القتل وقد تُقتل أيضاً بحجة الشرف إذا رفضت أحد أقاربها، وهذا له تأثير على المجتمع إن لم يكن هناك نساء قويات، فهو مجتمع معاق فكرياً واجتماعياً بالدرجة الأولى.

وحول ظاهرة العنف الأسري ضد النساء السوريات في بلدان اللجوء التي تعتبر بعضها العنف جريمة ويحاسب عليها القانون تعتبر "العثمان" أن الرجل سواء في بلده أو في بلاد اللجوء لايزال يحمل العقلية ذاتها، ويخاف من القضايا الاجتماعية التي كان محكوماً فيها ببلده الأصلي.

فالعادات الاجتماعية التي تحكمنا نُقلت دون تفكير ووعي ودون معرفة نتائج هذه العادات فيما إن كانت ضارة أو نافعة، وهل تسيئ للمرأة أم لا؟!

وبالتالي تؤكد "العثمان" أن المرأة ستبقى معرضة للعنف حتى تتغير عقلية الرجل تغيراً حقيقياً وليس حسب الظرف، كما أن معظم النساء في بلدان اللجوء وحتى في النزوح الداخلي، هي المعيلة لأسرها، بينما يرفض الرجل منح المرأة الحرية الكافية لها، خوفاً من محيطه الاجتماعي سواء الأقارب أو أشخاص من بيئته نفسه.

وبرأي "العثمان" فإن المجتمع المحيط بالأُسِر والنساء يحكم بشكل كبير على حياة الأسرة، فأحياناً يكون لدى الأب أو الأخ عقليةٌ مختلفة، لكن خوفاً من الوصمة الاجتماعية وكلام المحيطين ومن أشياء كثيرة، تُعامَل المرأة بشكل سيئ وتحرم من حقوقها الأصلية.

وعن حماية القانون للمرأة بشكل عام تقول "العثمان": إن القانون غير منصف في معظم الأحيان، حيث تُعاقب المرأة فقط في حال قام الرجل والمرأة ببعض الأفعال في المجتمع، وحتى اجتماعياً فإن المرأة تتلقى ضربات قاسية من المجتمع المحيط بها والإساءة لها، وأحياناً تُسجن وتُحرم الخروج من المنزل، بينما يُتاح للرجال كل شيء، بحجة أنه لا يُعاب!

وبحسب" العثمان" الحد من العنف الأسري يبدأ من العمل على تغيير السياق الاجتماعي من خلال خلق جيل من اليافعين واليافعات يؤمنون بحقوقهم المتساوية والمشتركة، كحضور النساء والرجال لورشات وتدريبات اجتماعية، والتركيز على جيل الشاب، حتى يكون التغيير نابعا عن قناعة ورغبة حقيقية في تغيير الصورة النمطية للمجتمع من قبل الرجل قبل المرأة، بيد أن القضية تحتاج لزمن أطول.

وتختم "العثمان" قولها بأن القوة الحقيقية للمرأة هي أسرتها، فإذا صانت الأسرة المرأة بشكل حقيقي، وكان الأبوان بالقرب من أبنائهم، سيكونون قادرين على حمايتهم ليصلوا إلى المراحل القاسية، فأحياناً يُعالج الخوف البسيط بتصرفات سيئة جداً، قد تتحول إلى كوارث حقيقية كما حدث مع الشابة نور.

وأخيراً.. يقول الفيلسوف الألماني كارل ماركس: لمعرفة مقدار تقدم أو تخلف أي مجتمع، ما عليك سوى معرفة مكانة المرأة.