العرب إذ يغذّون سوريا في الحضن الإيراني

2023.05.07 | 06:38 دمشق

العرب إذ يغذّون سوريا في الحضن الإيراني
+A
حجم الخط
-A

في الهوامش الكثيرة التي لا بد من تسجيلها على دفاتر النكسة، أو النكسات. ثمة من يريد دس السم في العسل، وتبرير التفاوض مع النظام السوري وإعادة تعويمه ربطاً بالجانب الإنساني. تلك الإنسانية التي تحرّكت بعد وقوع زلزال السادس من شباط، وكأن سوريا لم تعش على فالق الزلازل المتفجرة منذ 12 سنة. ولإضفاء المزيد من الطابع الإنساني يغّلف التعويم السياسي لدمشق بالسعي لحلّ ملف اللاجئين السوريين في دول الجوار ووقف معاناتهم. في حين جلّ ما يجري هو إعادة رميهم في فم الأسد، ومنحه أوراقاً كثيرة يمكن ابتزاز الآخرين بها. فهو الذي كان يبتز الجميع إما بعمليات إرهابية أو أمنية، وإما بعمليات تهريب المخدرات، وصلت إلى يده ورقة التحكم بمصائر اللاجئين الذين ستتم إعادتهم، بداية هو الذي سيتحكم بمناطق تمركزهم، وثانياً سيصبح قابضاً على أعناقهم. وثالثاً سيسطو على المساعدات التي يفترض أن تصل إليهم ليحرّكها ويوظفها كما يشاء.

واللافت أنه بالتزامن مع عملية إعادة التعويم هذه، تتصاعد وتيرة الحملات العنصرية ضد اللاجئين السوريين، ليس في لبنان فقط، بل في تركيا  حيث يتبارى المتنافسون في الانتخابات الرئاسية على تقديم الخطابات التي تشير إلى إعادتهم إلى ما وراء الحدود، ويصل التباري إلى حدود السعي للتطبيع مع النظام السوري واستعجال عقد لقاءات مع مسؤولين فيه. وملف اللاجئين ليس بجديد، غالباً ما ترتفع الحملات العنصرية تجاههم في محطات سياسية متعددة وعند الطلب، وهذا بالتحديد ما يحصل في لبنان، فمنذ العام 2011 كان موضوع اللجوء السوري يحمل ثلاثة هواجس أساسية لبنانية، الأول هو الهاجس الأمني ويتعلق بالتخوف من دخول مجموعات مسلحة كانت ناشطة على الحدود القريبة من لبنان، وأن غالبية الشبان السوريين خضعوا لدورات تدريب عسكرية في مراحل التجنيد الإجباري. الهاجس الثاني ذو طابع ديمغرافي لأن معظم اللاجئين يأتون من مناطق ذات انتماء طائفي معروف وواحد. أما الهاجس الثالث فكان الخوف من المزاحمة على أسواق العمل ما سيكون له تأثير على الواقع الاقتصادي.

لا يتحمل السوريون مسؤولية انعدام القدرة على إنتاج الكهرباء، كما ليسوا هم من يتحمل مسؤولية عدم الاستثمار بالبنى التحتية اللبنانية

لا تزال كل هذه الهواجس قائمة، مع الإشارة إلى أن هناك انخفاضا في نسبة التخوف من الواقع الأمني بفعل توقف العمليات العسكرية. أما معيشياً واقتصادياً، فلا يتحمل السوريون مسؤولية انعدام القدرة على إنتاج الكهرباء، كما ليسوا هم من يتحمل مسؤولية عدم الاستثمار بالبنى التحتية اللبنانية. في حين تبقى المشكلة الأساسية في تحميل السلطة السياسية اللبنانية مسؤولية الانهيار للآخرين وتحديداً للاجئين، بينما الطبقة السياسية ومصالحها المتشعبة هي التي منعت إيجاد الحلول للأزمة الاقتصادية، كما استمرت بدعم المصارف ورياض سلامة، وعدم العمل على وضع قوانين لمعالجة الأزمة مثل الكابيتول كونترول، فهذه كلها أسباب تفشي الأزمة. تحميل مسؤولية الانهيار للاجئين، يشبه إلى حد بعيد حديث أمين عام حزب الله حسن نصر الله الدائم عن الحصار الأميركي للبنان، وأنه هو الذي يتسبب بانهيار البلاد.

يظن البعض أنه بمسار سياسي بسيط يمكنه إعادة إيران إلى حدودها بمجرد الاتفاق معها وبدون أي مرتكزات سياسية أخرى تستند إلى قوة الأمر الواقع على الأرض وفي السياسة

وبعيداً عن ملف اللاجئين، والذي كان حاضراً أيضاً في اجتماع عمّان الخماسي لإجراء "اختبار" للنظام السوري. ومجانبة للعاطفة وبالعودة إلى السياسة. يبقى السؤال الأساسي الذي يطرح هو عن نجاعة هذا المسار السياسي الجديد في تحقيق أي تقدم على خطّ حلّ الأزمة السورية، والوصول إلى ما يُطلق عليه البعض عودة سوريا إلى "الحضن العربي". ذاك الحضن المتشظي بعد سنوات من الخراب، يظن البعض أنه بمسار سياسي بسيط يمكنه إعادة إيران إلى حدودها بمجرد الاتفاق معها وبدون أي مرتكزات سياسية أخرى تستند إلى قوة الأمر الواقع على الأرض وفي السياسة. ففي موازاة كل ما يحكى عن استعادة سوريا للحضن العربي، تسارعت وتيرة العلاقات السورية الإيرانية، من خلال إجراء الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي زيارته الأولى إلى دمشق وهي أول زيارة لرئيس إيراني تجري منذ اندلاع الثورة في العامة 2011. كان رئيسي قد امتنع عن زيارة دمشق من قبل بسبب رفض النظام تقديم الكثير من الالتزامات المرتبطة بتوقيع اتفاقيات استراتيجية وطويلة الأمد. وعليه، شكل الانفتاح العربي على دمشق دافعاً للزيارة الإيرانية ولتوقيع الكثير من الاتفاقيات العسكرية والأمنية والاقتصادية، في إطار تثبيت الحضور، وبذلك تبقى سوريا في الحضن الإيراني، في حين يعود العرب  من بعيد بما يسهم في تغذية القابع في ذلك الحضن.