icon
التغطية الحية

الطحين الإيراني المفقود.. ماذا حققت طهران من ردها على إسرائيل؟

2024.04.14 | 13:40 دمشق

2345345
"مقلاع داوود" الإسرائيلي وصاروخ "خيبر" الإيراني
إسطنبول ـ عبدالله الموسى
+A
حجم الخط
-A

حلقت مئات الطائرات الإيرانية المسيرة والصواريخ في سماء أربع دول الليلة الماضية بسرعة لا تتجاوز سرعة السيارة، لتعلن طهران رسمياً عن بدء ردها على تدمير إسرائيل لقنصليتها في العاصمة السورية دمشق، وذلك بعد 12 يوماً من التهديد والوعيد، فتفخر طهران بنجاح ردها وتشيد إسرائيل بنجاح دفاعاتها، لكن علائم الصباح كشفت الحقيقية. خسرت إيران 330 مسيرة وخسرت إسرائيل 5 مليارات شيكل ولم يصب أحد بضرر.

تبحث إيران اليوم عن طحينها المفقود بين جعجعة رحى الحرب في المنطقة التي استنفرت بالكامل في ساعات الليلة الماضية، فتواصل تهديدها إسرائيل بعدم الرد على هجوم المسيرات، ويجتمع المجلس الإسرائيلي المصغر بعد ظهر اليوم لبحث الرد النهائي على الهجوم الإيراني، ويحذّر الرئيس الأميركي جو بايدن حليفته بأن واشنطن ستعارض أي هجوم إسرائيلي على إيران.

ناورت طهران بحذر شديد منذ بدء معركة السابع من أوكتوبر فأعلنت عدم معرفتها بطوفان الأقصى، لكن المذبحة الإسرائيلية المهولة في قطاع غزة استدعت تحركاً إيرانياً ونفذ المهمة نيابة عنها حلفاؤها في لبنان واليمن والعراق، ويقود الحرس الثوري الإيقاع المنضبط.

ارتكب الجيش الإسرائيلي أكثر من 2970 مجزرة في غزة، راح ضحيتها 40 ألفا و686 قتيلاً ومفقوداً، بينهم 14 ألفاً و560 طفلاً، و9582 امرأة. لكن المسيرات والصواريخ الإيرانية لم تتحرك إلا بعد أن شنت طائرة إسرائيلية من طراز F-35 غارة جوية بستة صواريخ دمرت مبنى القنصلية الإيرانية في حي المزة بدمشق، الملاصق لسفارة البلاد، وقتلت 7 قيادات من "الحرس الثوري" هم: "العميد محمد رضا زاهدي، والعميد محمد هادي حاجي رحيمي، وحسين أمان اللهي، وسيد مهدي جلالتي، ومحسن صداقت، وعلي آغا بابائي، وسيد علي صالحي روزبهاني".

لحقت الغارات الإسرائيلية قيادات الحرس الثوري الإيراني في مختلف المحافظات السورية، وسرّب الإعلام الإيراني مخاوف طهران من وجود اختراق استخباري سوري، فضاقت البلاد بقيادات الحرس الثوري حتى قرروا الاجتماع داخل القنصلية، بقيادة محمد رضا زاهدي الذي وصل دمشق قبل يوم واحد من مقتله.

تعلم القيادة الأمنية الإسرائيلية أن استهداف أرض إيرانية (القنصلية) سيتبعه رد مماثل، ففي حين واصلت طهران تهديداتها 12 يوماً كان الوسطاء الإقليميون ينقلون الرسائل بين المعنيين لتحديد وقت وهدف الرد وطمأنة الولايات المتحدة ودول الجوار، ثم وبعد أن أعلنت إيران عن بدء ردها الرسمي والكرنفالي لم تثر فضول كثيرين، لقناعة مواطني دول جوار فلسطين أن قواعد الاشتباك لن تكسر وأن أقصى ما يمكن جنيه ليلة هدوء نسبي في قطاع غزة.

ماذا حققت إيران في ردها؟

أطلق الحرس الثوري الإيراني بالتنسيق مع وزارة الدفاع الإيرانية الليلة الماضية 185 طائرة مسيرة من طراز "شاهد"، و110 صواريخ باليستية، و36 صاروخ كروز.

بدأ اعتراض المسيرات والصواريخ لحظة دخولها الأجواء السورية، وقال مصدران بالمخابرات الغربية اليوم الأحد لوكالة رويترز إن معظم الطائرات الإيرانية بدون طيار التي حلقت فوق جنوبي سوريا في محافظة درعا ومرتفعات الجولان السورية وعدة مواقع في شرق سوريا على طول الحدود مع العراق، أسقطتها طائرات إسرائيلية وأميركية قبل أن تصل إلى أهدافها في إسرائيل.

شاركت منظومات الدفاع الجوي الأميركية متعددة الطبقات في الاعتراض من قواعدها في التنف والحدود السورية الأردنية جنوب شرقي سوريا وتلك المنتشرة في شمال شرقي سوريا، بالإضافة إلى طائرات اف 15 واف 16 واف 35 الأميركية والإسرائيلية.

وأظهرت مقاطع مصورة وصول بعض المسيرات أو الصواريخ إلى سماء الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكن القبة الحديدية أسقطتها كلها.

وقال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في بيان: "بتوجيه من الرئيس بايدن، اعترضت القوات الأميركية في الشرق الأوسط في 13 أبريل/نيسان عشرات الصواريخ والطائرات بدون طيار في طريقها إلى إسرائيل، والتي تم إطلاقها من إيران والعراق وسوريا واليمن. وتظل قواتنا في وضع يسمح لها بحماية القوات الأميركية وشركائها في المنطقة، وتقديم المزيد من الدعم للدفاع الإسرائيلي، وتعزيز الاستقرار الإقليمي".

وساعدت الدفاعات الجوية الأميركية الأردن أيضاً في إسقاط ما لا يقل عن عشر طائرات بدون طيار وصواريخ كانت تحلق فوق البلاد باتجاه القدس قادمة من العراق وحلقت فوق جنوبي الأردن ومدينة العقبة وكانت متجهة إلى ميناء إيلات الإسرائيلي.

ومن جهته قال جيش الاحتلال الإسرائيلي إنه تم اعتراض معظم الطائرات المسيرة والصواريخ الـ 330 التي تم إطلاقها من إيران؛ في حين تعرضت القاعدة العسكرية في جنوبي إسرائيل لأضرار طفيفة؛ وأصيبت فتاة تبلغ من العمر 7 سنوات بجروح خطيرة.

وكان مسار المسيرات والصواريخ الإيرانية قاعدة نيفاتيم الجوية جنوبي الأراضي المحتلة في صحراء النقب، وتعد هذه القاعدة الحظيرة الرئيسية لطائرات F-35 الإسرائيلية، في رمزية بأن طهران تستهدف الطائرات التي شنت غارة القنصلية.

 

 

تعلم طهران أن مسيراتها التي حققت اختراقات في الحرب الأوكرانية؛ لن تصل الأراضي المحتلة، وأن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ستستهدف معظمها، لكنها كانت مرغمة على الرد، فشنت للمرة الأولى هجوماً عسكرياً مباشراً على إسرائيل، لكن صور بقايا الصواريخ التي تم إسقاطها بدأت تنتشر على الصفحات السورية والعراقية والأردنية واللبنانية.

صباح اليوم أعلن طرفا الاشتباك الليلي تحقيق كل منهما غايته، فقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: "أطلقت إيران أكثر من 300 تهديد وتم اعتراض 99% منها... هذا نجاح".

وقال القائد العام للحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي: "العملية كانت أكثر نجاحاً مما كان متوقعاً... هذه العملية أدت إلى إنشاء معادلة جديدة".

يقول سلامي إن "هذه المعركة كانت مجهولة وغامضة إلى حد ما" رغم أن المسؤولين الأمنيين الغربيين والإسرائيليين توقعوا حدوثها قبل أيام ثم قبل ساعات، كما أن سرعة المسيرات البالغة 180كم/سا تمنح إسرائيل 6 ساعات للتأهب، لكن سلامي يزعم أن المسيرات والصواريخ الباليستية الإيرانية استطاعت خرق المنظومات الدفاعية من "القبة الحديدية" و "مقلاع داوود" و"آرو".

الحقيقة أن عدداً من الصواريخ ضربت قاعدة نيفاتيم الجوية، وخلص خبراء رصد عسكريين إلى أن جميع المسيرات وصواريخ كروز الإيرانية تم إسقاطها في حين وصلت 7 صواريخ بالستية إلى هدفها.

هل ما حدث مسرحية؟

قبل أن تصل المسيرات والصواريخ الإيرانية إلى أجواء فلسطين المحتلة راجت على وسائل التواصل الاجتماعي فرضية أن ما يحصل في هذه الليلة مسرحية متفق عليها.. هل هي مسرحية حقاً؟

سقطت الصواريخ الإيرانية الناجية من الاعتراضات بالقرب من قاعدتي نيفاتيم ورامون الجويتين في جنوب فلسطين المحتلة وقرب قاعدة المخابرات الإسرائيلية في جبل الشيخ شمال الجولان المحتل.

23454

ترقب الراصدون إشارات لضرر في القاعدتين الجويتين، لكن جيش الاحتلال الإسرائيلي بث ظهر اليوم مقطع فيديو يظهر طائرة مقاتلة من طراز F-35 تهبط في قاعدة نيفاتيم بعد أن زعمت إيران أنها تسببت في أضرار جسيمة لها.

 

قالت تقارير إن قاعدة نيفاتيم أصابها أضرار ضئيلة من جراء الصواريخ، لكن المدرج سليم وكذلك جميع الطائرات لأنها في الأجواء حينذاك تتصدى للمسيرات والصواريخ في أجواء سوريا وفلسطين المحتلة.

يظهر في هذا الفيديو بشكل واضح كيف نجت الصواريخ الإيرانية من الاعتراض في اللحظات الأخيرة.

 

دخلت الصواريخ البالستية الإيرانية أجواء النقب تحت غطاء كثيف من المسيرات التي أشغلت الدفاعات الإسرائيلية، بالإضافة إلى أن صواريخ كروز كانت ترافق البالستية وتتكفل بحمايتها، إما بأن تضحي بنفسها أو أن تضرب صاروخ القبة الحديدية قبل أن يصل للبالستي.

بهذا التكتيك يبدو من المنطقي أن تنجو بضعة صواريخ من الاعتراض. لكن يبقى السؤال: لماذا لم تصب صواريخ "خيبر" المتطورة المدرجات أو مقرات القيادة في القاعدتين؟ وهي صواريخ قالت إيران إن هامش الخطأ فيها لا يتعدى العشرة أمتار.

يبدو أن طهران لا تريد أكثر مما حصل، ولا تريد إثارة سلسلة من الردود المتبادلة، ومن الممكن أيضاً أن إسرائيل سمحت لهذه الصواريخ بالسقوط لأنها لن تحدث ضرراً.

تتمسك الولايات المتحدة الأميركية بسياسة عدم جر المنطقة إلى حرب شاملة وهذا ما يشجع طهران لبدء "معادلة جديدة" بحسب ما وصفها باقري، ويعزز ذلك ما نقله موقع أكسيوس بأن بايدن أبلغ نتنياهو في اتصال أمس معارضته أي هجوم إسرائيلي على إيران.

طحين إيران بعد 12 يوماً من التهديد والوعيد لا يكفيها قوت أيام، في حين تبدو الحرب الهمجية على غزة أطول من ذلك بكثير.