الضربات الجوية الإسرائيلية وبعدها الجيوبوليتكي في سوريا

2024.05.12 | 05:14 دمشق

66
+A
حجم الخط
-A

لقد أضحت استراتيجية سلاح الجو الإسرائيلي في ضرباته على المواقع الإيرانية والمواقع المشتركة مع نظام الأسد، بالتزامن مع الحرب على غزة، ووضع كل مقدرات الكيان الإسرائيلي العسكرية والسياسية والاقتصادية والإعلامية في حالة الجاهزية القتالة الكاملة وبأعلى درجات الاستعداد القتالي من أجل خدمة المجهود الحربي في قطاع غزة.

تقوم طائرات الاستطلاع الإسرائيلية بالتعاون مع طائرات "الأواكس" الأميركية والطائرات (P-8A بوسيدون) وعلى مدار 24 ساعة بالمناوبة الجوية من أجل رصد وكشف واستطلاع التحركات الجوية والأرضية والبحرية، وتدقيقها وتحليلها بشكل دقيق، ومن ثم تقديرها واتخاذ التدابير المناسبة من أجل وضع الخطط للرد على الطبيعة المحتملة التي تنتج عن أي تغيير في المواقع، وإعادة الانتشار والتحركات المحيطة بالأذرع الإيرانية المنتشرة على الأراضي السورية. وخاصة بعد قيام "حزب الله" بتعزيز أنظمته الإلكترونية والبرمجية، واستخدام كاميرات حرارية وكاميرات مراقبة وعدد كبير من التجهيزات الإلكترونية المتطورة وأجهزة اتصال وكاميرات تصوير حراري وكاميرات مراقبة متطورة وأجهزة تنصت عالية الدقة وأجهزة إلكترونية تستخدم في غرف العمليات، وتحديثها داخل معظم المطارات العسكرية السورية، وتعزيز سيطرته الأمنية والعسكرية، وتمكين قبضته التكتيكية على المطارات العسكرية بريف حمص الشرقي داخل مطار الشعيرات، وريف دمشق في مطار السين، وفي مطار تدمر، ومطار دير الزور، بالاشتراك مع قوات نظام الأسد، التي ينحصر دورها في عمليات التخزين وشحنات التصدير الترانزيت داخل الأراضي السورية، واتخاذ الترتيبات الأمنية والتأمين الإداري والحراسة  فقط، وحصد ما يتبقى من الفتات كالحصول على بعض الطائرات المسيرة ليقوم باستخدامها ضد المدنيين في الشمال السوري.

في الآونة الأخيرة لوحظت كثافة عالية وازدياد حركة العتاد المصفح الخاص بنقل المواد الكيماوية الأولية، من العراق إلى مدينة البوكمال السورية بريف دير الزور الشرقي، بإشراف إيراني وعناصر مختصة بنقل سلاح الحرب الكيماوية، الذين يرتدون بدلات من الرداء الورقي المضادة للإشعاع ويلبسون أقنعة واقية، ونقلها إلى مناطق ريف حمص الغربي، في منطقة القصير بالقرب من الحدود اللبنانية واستقرت في إحدى المطارات العسكرية بالمنطقة.

تهدف العقيدة الإسرائيلية إلى التفوق الدائم في منطقة الشرق الأوسط من خلال الذراع الجوية الطويلة فهي خصصت قسما خاصا بالطائرات المسيرة من دون طيار في (القاعدة الجوية) مطار بالمخايم وفرزت له سربا من المسيرات من طراز "هيرمز - السرب147 للطائرة Hermes 900Kochav المعروفة باسم "النجم" القادرة على البقاء 30 ساعة بالجو وعلى ارتفاع 30 ألف قدم وحمل حمولة تزن 350 كغ، مع قدرة على مساحة واسعة من المسح الجوي الشاسع.

لإسرائيل باع طويل في التفوق الجوي والحرب الإلكترونية فهي تمتلك أقوى منظومتين إلكترونيتين في المنطقة (BB LCC بي بي لام إس إس، وسولد بريكر SOLD BRIKAR)

كل هذه الإمكانيات الإسرائيلية الجوية التي تنفذ طلعات وضربات جوية بشكل متواصل في سوريا على مواقع عسكرية غالبيتها إيرانية ومنها مشترك مع قوات نظام الأسد أحياناً، أجبرت ميليشيا حزب الله خاصة الموجودة في الجنوب اللبناني إلى تغيير مواقع انتشاره وتوزيع قادته مع بعض قواته على مقار تابعة لنظام الأسد، متبعاً مناورة تضليلية بالمقار العسكرية من أجل خلط الأوراق واتخاذ تدابير وقائية منعاً لإعطاء إحداثيات مكان وجود قادته للإسرائيليين.

 لقد باتت الميليشيات الإيرانية في وضع ارتباك منقطع النظير، هل تقوم بنقل قواتها من المنطقة الشرقية في دير الزور أم تغطي انسحاب قواتها التي دخلت من الجنوب باتجاه سوريا وخاصة الجنوب السوري، المحاذي للجولان السوري المحتل، فالأمر لم يعد يتعدى الإخفاء والتمويه، في ظل وجود أجهزة استطلاع إسرائيلية متمركزة في جبل الشيخ قادرة على مسح الجغرافية السورية بكل حيثياتها المدنية والعسكرية، وحتى أصغر هدف بحجم الكرة في أثناء تدحرجه على مدرج  أبعد مطار في أقصى الشرق من سوريا، بالإضافة لطيران الاستطلاع الجوي والإلكتروني الكثيف.

إسرائيل تبعث برسائلها إلى روسيا

لن يخفى على وسائط الرصد الإسرائيلية الجوية والسطع الإلكتروني والكشف الراداري تلك المناورات العسكرية المشتركة بين القوات الروسية والإيرانية والأذرع القتالية المحسوبة على الطرفين، مناورتهما بالقوات والعتاد التي تجري على الجغرافية السورية (الموقع الجيوسياسي الجيوبولتيكي ذي الأفضلية الأولى للبعد الاستراتيجي العسكري الإسرائيلي). التنسيق العسكري الإيراني الروسي على أعلى المستويات في التصنيع والأبحاث والتدريب المتبادل بين الحرس الثوري الإيراني والروسي والفرقة 25 مهام خاصة التي كان يقودها العميد سهيل الحسن المحسوب على الروس وتبادل الخبرات على الأرض السورية والتعديل على الطائرات المسيرة الذي تزايد بشكل مكثف في المطارات ومراكز التدريب وحراسة المستودعات، المشتركة التي أصبحت تعج بالطائرات المسيرة وقطع الغيار لكل السلاح المُعد توريده إلى أوكرانيا.

لذلك تأتي هذه الضربات من أجل ذلك كله وكي لا تستغل إيران النشاط الروسي الكبير في المطارات ونقل الشحنات العسكرية الكبيرة من معسكراتها في سوريا إلى الأراضي المحيطة بالجولان السوري المحتل والجنوب اللبناني، واستغلال الأنفاق القديمة التي تربط ريف دمشق بمنطقة بعلبك لتوريد الشحنات إلى مستودعات سرغايا وبعلبك والقصير، وتقريب السلاح الاستراتيجي إلى القرب من منطقة الجبهة القريبة في محيط الجنوب الغربي بريف دمشق الغربي، ومنع المدنيين من العودة إلى منازلهم بحجة ترميم المقامات والعتبات المقدسة وترميمها، تحت ذريعة أن المنطقة أصبحت منطقة عسكرية تابعة لحزب، إضافة إلى التلال الاستراتيجية في الجبهة الغربية السورية المحاذية  للجولان السوري المحتل.

في نهاية المطاف لا بد من القول إن الملعب السوري سيبقى ورقة ضغط لكل الأطراف يرفعها الطرف المسيطر الرابح وسيستمر متاحاً لكل اللاعبين الدوليين والإقليميين.