icon
التغطية الحية

الشاعر السوري كمال جمال بك.. "لاجئ في المشفى"

2022.05.06 | 18:32 دمشق

kmal_jmal_bk-_tlfzywn_swrya.jpg
+A
حجم الخط
-A

"لاجىء في المشفى" هو العنوان الذي حملته المجموعة الشعرية الثامنة للشاعر السوري كمال جمال بِك، بكل ما يضمّه هذا العنوان من قسوة وحزن وألم لا يشعر بها إلا لاجئ يتألّم قهراً، خاصة إن كان ذلك اللاجئ سورياً.

قصائد المجموعة التي صدرت أخيراً عن دار (SONCAG) في تركيا، توزّعت على 90 صفحة وخطّها جمال بك يوم دخل مستشفى للأمراضِ النفسية والعقلية في السويد "في أَعقابِ الحرب على الشَّعبِ في سوريا تحت تأْثيرِ نوباتِ جنونٍ هستيريَّة" وفق تعبيره.

ولنا أن نتخيّل مدى الوجع الذي اعتصر الشاعر وهو يحفر كلماته ليعبّر من خلالها عن حالة الدمار الإنساني قبل العمراني من جراء الحرب التي شُنّت على السوريين، وهو السقيم الموجوع بالحنين في أرض لجوئه القسري، السويد.

بعد أن يفتتح جمال بك كتابه بإهداء إلى "الحرية" وإلى "المعتقلين الأحرار في سوريا وكل مكان وأي زمان"؛ تنهال علينا 66 قصيدة في منتهى البساطة والعذوبة والرِقّة بمزيج واضح من الشوق والألم والقهر... وصولاً إلى الموت!

من فنجان القهوة في فرع الموت إلى الأمل بوطن حرّ

لقصائده، وضع جمال بك مقدّمة هي أشبه بتمهيد نفسي وذهني لما سيُقحم به القارئ من اختلاجاتٍ داخل المستشفى، تترواح بين الوحدة والوحشة والمرضى والأطباء... وصولاً إلى السجائر وصناديق البندورة وحصّالة الهاتف! 

فيقول في تلك المقدمة: إلى من كان ليس أنا، نزيلاً في مستشفى الأمراض النفسية والعقلية في السويد عدة مرات على مدار 5 سنوات، في أعقاب آثار الحرب على الشعب في سوريا. وخلال هذه الإقامات ولدتْ من داخل المستشفى وخارجها نصوص ومجموعات شعرية تحت تأثير نوبات جنون هستيرية.

"لاجئ في المشفى" كما نزفت داخل أروقة المستشفى، فالشخصيات والأحداث فيها مطابقة للواقع. وما تبقى من أثر الحالتين العقلية والنفسية هو جزء من شهادة في حالات استجواب صادمة لجحيم العينين والأذنين ببعض الجرائم بحق الناس في فرع الموت الأمني (215) بدمشق، والذي تظل كوابيس الناجي منه تطارده أنياب ضباعها.

فالداخل إلى هذه المسالخ ليس كالخارج منها، ولو كان الأمر محصوراً، كما يوهمونك، بأن (معلمهم) يعزمك إلى فنجان قهوة.

قهوة حامضة، لها رائحة عفونة أشباح الأجساد البشرية شبه العارية، المرصوفة كالعيدان في الممر الطويل، والمطمّشة الأعين، والمكبّلة الأيادي إلى ما وراء الظهر، ولها غليان يتعالى صراخه مع لسعات نار الجنازير الحديدية.

بعد كل ذلك الجحيم، يعود الشاعر المنفي "اللاجئ في المشفى" إلى ذاته العاشقة ليتساءل: هل من كان ليس أنا، هو اليوم أنا؟ في الخلاص الفردي حملتني جدائل الحب والشعر وأنقذتني بأغنية، وفي الخلاص الجماعي لن أتعلّق إلا بها أملاً بوطن حرّ.

بين البلاد والمستشفى والقصيدة

لا يفتأ جمال بك يتذكّر دياره البعيدة عند كل عيد وفي كل مناسبة، وكأنها تعيش بقربه وترتاد ذات المستشفى وتعاني من نفس الآلام والأوجاع. يقول في قصيدة بعنوان "عيد ميلادي.. وبلادي":

"لبلادي وردة في عيد ميلادي

بلادي

بذرة التكوين من مبسمها

وإلى تربتها يحلو رقادي

ومن الزيتون لي من زيتها قنديل أمه

ومن الغار علامهْ

ولعينيها السلامهْ

لبلادي

وردة ما مثلها وردٌ

سوى جمر فؤادي".

نفس تلك الديار، في شرقي البلاد والفرات، يكاد جمال بك يقحمها في كل صفحة من صفحات قصائده، فيقول في قصيدته "توركان":

"توركان نزيل آخر في مشفى

الأمراض النفسية بفاستاروس السويدية

يتعثّر بالكلام كما تتعثر قدماه الحافيتان

بالبلاط في الممرات

توركان الشامخ كنخل فراتي

ألبسته منذ قليل شحاطتي البلاستيكية

توركان كلمني

قلت له: "هِيْ.. هي" أي مرحباً

بالسويدية، فرد بأحسن منها: "فارشو غود" أي تفضل بالعربية

وكأنها (افرش واقعد)

توركان صار صديقي على مائدة الكلام"

وفي قصيدته "الأصفر عبد الألوان" يقول:

"الماءُ في تشرين الأَوَّلِ أَصفر

خارطةُ السُّويدِ على الأَرضِ

في قسمِ الأَمراضِ النَّفسيَّةِ بفاستاروس

حتَّى قلمُ الرَّصاصِ الَّذي أَعطوني إِيَّاهُ لأَكْتُبَ.. أَصفر

السُّويدُ تمْنحُ جائزةَ نُوبل للكيمياء والأَطفالُ في بلادي يموتونَ بالهواءِ الأَصفر!

 بعدَ كُلّ هذا كَيف يمكنُ أَن يكونَ قلبي أَحمر؟".

كمال جمال بك

  • شاعر وإعلامي سوري من مواليد مدينة البوكمال 1964. حاصل على دبلوم في الفلسفة من جامعة دمشق.
  • عضو اتحاد الكتَّاب السويديين.
  • صدرت له منذ عام 1992 بالإضافة إلى هذه المجموعة، سبع مجموعات شعرية أخرى هي: فصول لأحلام الفرات- سنابل الرماد- بعد منتصف القلب- فاتحة التكوين- مرثية الفرات العتيق- جسر الضلوع.. وهذه هويَتي- ذئب المنفى وعصافير الثَّلج.

الكتاب: "لاجىء في المشفى"
المؤلف: كمال جمال بك.
الإصدار: دار (SONCAG) أنقرة- تركيا- 2022.
الصفحات: 90 صفحة من القطع الوسط.
لوحة الغلاف وتصميمه: الفنان علي حمرة- فرنسا.