السوري المستباح

2023.07.14 | 05:47 دمشق

السوري المستباح
+A
حجم الخط
-A

فشل مجلس الأمن في تمرير قرار تمديد إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا بسبب الفيتو الروسي، وأعلن برنامج الأغذية العالمي عن أنه سيوقف الدعم الممنوح للاجئين السوريين في الأردن ابتداء من شهر آب المقبل، يحدث هذا تزامناً مع قمة الناتو الصاخبة والتي تعهد المشاركون فيها بمواصلة تقديم الدعم لأوكرانيا بمختلف أنواعه، الإنساني والاقتصادي والعسكري مما يشمل صواريخ بعيدة المدى ومقاتلات F16 المتطورة.

السوريون الذين خبروا صواريخ الروس وقنابلهم العنقودية جيداً حين كان يتفاخر بوتين وكبار ضباط جيشه بأنهم جعلوا من السوريين وبيوتهم وأحلامهم مسرحاً لتجريب كل أنواع الأسلحة يدركون أهمية هذا الدعم المقدم للشعب الأوكراني حتى يحمي نفسه وأرضه من قطعان المجرمين الروس وميليشياتهم المرتزقة. لكن السؤال يحضر بقوة مع كل صاروخ جديد يمنح للأوكران: لماذا منعنا من امتلاك أسلحة تحمينا من إجرام بوتين وحلفائه ولماذا لم نعط مضاد طيران لوقف حرق المدن بواسطة الطيران الروسي!

شاهدنا كيف عُلقت لافتات الكراهية في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وكأنها مشانق متنقلة زرعت في شوارع تركيا لتذكر السوري بأنه منبوذ ووحيد وغير مرغوب به

ويحدث هذا أيضاً في وقت تتصاعد فيه الأصوات المنادية بضرورة طرد - عودة السوريين إلى مدنهم من دول الجوار السوري وتحديداً من تركيا ولبنان، فبعد أكثر من عقد على وجود السوريين في تركيا تغير الخطاب وتغيرت السياسات وتغيرت الأنفس أيضاً فمن كان يرى من الأتراك سابقاً بأن لجوء السوريين لتركيا هو حقن لدمائهم من آلة القتل "الأسدروسية" صار اليوم يطالب بعودتهم دون الاكتراث لمصيرهم، ومن كان يرى بوجودهم منفعة اقتصادية وثقافية صمت اليوم خوفاً من هذه الأصوات التي لم يبق لها من مشروع سياسي وتنموي في تركيا سوى طرد-عودة السوريين إلى محرقة الأسد. شاهدنا كيف عُلقت لافتات الكراهية في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وكأنها مشانق متنقلة زرعت في شوارع تركيا لتذكر السوري بأنه منبوذ ووحيد وغير مرغوب به. تنفس السوريون الصعداء بعد أن فاز الرئيس رجب طيب أردوغان بمنصب الرئاسة وبعد أن حصل مع شركائه في التحالف على الأكثرية النيابية المريحة، هذا التفاؤل السوري لم يعمر سوى أيام قليلة قبل أن يعود الخوف والقلق يسيطر على طيف واسع من السوريين لأن وزارة الداخلية بدأت حملة جديدة من أجل مكافحة الهجرة غير الشرعية، هذه الحملة طالت عدداً من السوريين صحيح أن السوري هنا لا يعتبر مهاجراً غير شرعي لأنه يقيم في تركيا تحت قانون الحماية المؤقتة لكن هذا القانون بحد ذاته بحاجة إلى إعادة نظر وتقييم جديد لأنه وضع على عجل قبل عشر سنوات ويوجد فيه ثغرات كثيرة حسب ما يجمع عليه طيف واسع من الحقوقيين الأتراك والسوريين، وبسبب وجود عدد لا بأس به من السوريين ممن يحمل بطاقة إقامة مؤقتة صادرة عن ولاية تركية لكنه يعيش في ولاية أخرى بات خطر التوقيف وربما الترحيل يهددهم لأنه وبحسب قانون الحماية المؤقتة يجب على الحاصل عليها أن يقيم في الولاية ذاتها.

وسط كل هذا الضجيج يشعر السوري بأنه مستباح وساهم بعض العرب في المزيد من استباحته بعد أن استقبلوا القاتل في جدة وصافحوه بحرارة رغم كل هذه الدماء التي تقطر من بين أصابعه وأعادوا له مقعده في جامعة الدول العربية في حفل مهيب

الظروف في شمالي سوريا معروفة للقاصي والداني وهي مناطق غير مستقرة أمنيا ولا يوجد فيها دورة اقتصادية تؤسس لقيام مشاريع تستوعب القاطنين فيها فكيف ستستقبل وافدين جدداً ضمن هذه الظروف فضلاً عن أنها عرضة للقصف بشكل دائم، القصف الذي لم يتوقف يوماً وكان ضحاياه على مدار السنوات الماضية سوريين وأتراكاً!

وسط كل هذا الضجيج يشعر السوري بأنه مستباح وساهم بعض العرب في المزيد من استباحته بعد أن استقبلوا القاتل في جدة وصافحوه بحرارة رغم كل هذه الدماء التي تقطر من بين أصابعه وأعادوا له مقعده في جامعة الدول العربية في حفل مهيب، وكأنهم يكافئونه على ما اقترفت يداه ليقولوا لشعوبهم بكل صراحة: هذا هو مصير من يخرج عن طاعة الحاكم. مستباح لأنه خرج من بيته هرباً من الكيماوي والسكود وطائرات الميغ ومستباح لأنه منع من امتلاك أسلحة يدافع بها عن بيته وروحه ولأنه يتمنى اليوم لو يحصل على ربع ما حصل عليه الشعب الأوكراني.

في تركيا يشعر اليوم السوري بالمرارة والحسرة لأنه وبعد عشر سنوات من الاستقرار هنا وبناء حياة جديدة يجد نفسه مضطراً للتضحية بكل شيء والبحث عن منفى جديد وهو بالكاد استطاع أن يتأقلم ويشعر ببعض التوازن النفسي في منفاه الحالي، وفي لبنان والأردن مصيره مجهول بعد أن قررت المنظمات الأممية تقنين الدعم المقدم. هي استباحة مديدة ولا يعلم أحد ماذا يمكن أن ينتج عنها في حال تزايدت هذه الضغوط وارتفعت نبرة المستبيحين.