السودان في طريقه إلى المجهول

2023.05.21 | 06:12 دمشق

آخر تحديث: 21.05.2023 | 06:12 دمشق

دقلو والبرهان
+A
حجم الخط
-A

أعلنت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية عن توقيع ممثلين عن القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع على إعلان الالتزام بحماية المدنيين في السودان في جدة في المملكة يوم 11 أيار/مايو 2023.

يقر هذا الإعلان بالتزامات الطرفين بموجب القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان لناحية تيسير العمل الإنساني الذي يلبي الاحتياجات الطارئة للمدنيين.

وسبقوم هذا الإعلان بتوجيه الإجراءات التي يتخذها الطرفان لتمكين الإيصال الآمن للمساعدات الإنسانية واستعادة الخدمات الأساسية وسحب القوات من المستشفيات والعيادات ودفن الذين قضوا بطريقة كريمة.

من نافلة القول إن الفوضى التي خلفها اندلاع الاشتباكات العسكرية في العاصمة السودانية الخرطوم، وفي أحياء المدنيين السكنية، اندلعت دون أن يكترث الطرفان المتحاربان على السلطة بأمن هؤلاء العزل الآمنين في أحيائهم ومنازلهم، ودون أن يعيروا أي قيمة للحيوات التي تهدر والدماء التي تسفك دونما واعز منهما، أخلاقي أو إنساني، بصفتهما طرفين مسؤولين أصلاً عن أمن المواطن السوداني وواجب الحفاظ عليه، وليس التفريط به وهدره.

لقوات الدعم السريع التي يتزعمها حميدتي ماضٍ مثير للجدل. فبالرغم من أنها تشكل المجموعة شبه العسكرية الأبرز في السودان، والتي تتمتع بموارد ضخمة تجعلها قابلة للاستمرا في القتال إلى أجل غير محدد، إلا أنها قد فقدت تماماً مصداقيتها في الشارع السوداني.

فخلال نزاع دارفور في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان زعيمها قائداً لقوات الجنجويد السودانية سيئة السمعة، والتي تعتبر متورطة في انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب التي ارتكبت هناك. إلا أن الاحتجاجات التي اندلعت على الرئيس المخلوع، عمر البشير، ودورها الذي لعبته خلال الاحتجاجات، أضفى عليها طابعاً رسمياً متصاعداً، وظهرت كقوة عسكرية موازية عرفت بداية باسم وحدات استخبارات الحدود. وفي العام 2007، أصبحت قواتها جزءاً من أجهزة المخابرات في البلاد، ثم قام البشير بتنظيمها وتوسيع سلطتها تحت اسم قوات الدعم السريع. إلا أن حميدتي انقلب على البشير في العام 2019، ولم توفر قواته دماء المدنيين خلال الاحتجاجات عندما فتحت النار على اعتصام مناهض للبشير ومؤيد للديمقراطية في الخرطوم، ما أسفر عن مقتل 118 متظاهراً مدنياً على الأقل.

أما في الأحداث الأخيرة، فقد بدا دور قوات الردع السريع مشبوهاً حين هرب مسؤولون سابقون كبار مقربون من البشير من السجن الذي احتجزوا به إثر سقوط النظام وذلك على مشهد من قوات حميدتي وفي المنطقة التي كانت قواته تنتشر فيها

 

أما في الأحداث الأخيرة، فقد بدا دور قوات الردع السريع مشبوهاً حين هرب مسؤولون سابقون كبار مقربون من البشير من السجن الذي احتجزوا به إثر سقوط النظام وذلك على مشهد من قوات حميدتي وفي المنطقة التي كانت قواته تنتشر فيها.

كثير من التسريبات تدور حول الغرض من جعل الأمر ممكناً لأعوان البشير في الهروب بالتعاون (أوالتغاضي) من قوات الردع السريع. ومعظم تلك الروايات تدور حول نظرية واحدة أن حميدتي يخطط للتحالف من جديد مع أطراف من نظام البشير بهدف قلب الطاولة على خصمه البرهان، قائد القوات المسلحة، والاستيلاء على السلطة بتوليفة جديدة من بقايا النظام السابق وقوات الردع السريع.

وتشير تسريبات أخرى إلى تورط مجموعة المرتزقة الروسية، فاغنر، في تعزيز إمدادات الصواريخ لقوات الدعم السريع والتدخل مباشرة في الصراع المحتدم بين الطرفين السودانيين. وهذا الأمر سيكون وصمة عار على جبين حميدتي لجلبه ميليشيات أجنبية لتقاتل إلى جانبه ضد ابن جلدته وشريكه السياسي.

يأتي هذا الدعم إثر تعميق العلاقات بين موسكو وقيادة الدعم السريع إثر زوال حكم البشير. فقد منح السودان روسيا حق الوصول إلى ثروات الذهب في الدولة مقابل الحصول على الدعم العسكري والسياسي من موسكو. وكانت قوات حميدتي من المتلقين الرئيسيين للتدريب والأسلحة الروسية. وقد ساهمت صواريخ أرض - جو التي وفرتها فاغنر بشكل كبير في تمكين مقاتلي الدعم السريع وقائدهم حميدتي.

وبينما تشير تقديرات رسمية إلى أن عدد القوات المسلحة السودانية يتراوح بين 210 و220 ألفاً، يُعتقد أن عدد قوات الدعم السريع يبلغ نحو 70 ألفاً، لكنهم مدربون بشكل أفضل.

من الجدير بالذكر أن المحادثات الجارية في جدّة لوقف إطلاق النار بين الرجلين، حميدتي والبرهان، لم تكن قادرة على تيسير وصول البرهان لتمثيل بلده السودان في أعمال القمة التي تعقد في مدينة جدة أيضاً.

فهل سيتمكن العرب في اجتماعهم من التخفيف من غلواء المتحاربين الشرسين في السودان، ونزع فتيل حرب قد تمتد في الزمان والمكان على أرض السودان إلى أمد غير محدود؟

عقد مجلس الأمن الدولي الأسبوع الفائت اجتماعه الأول بشأن الأزمة في السودان بعد أن استمر القتال متنقلاً في الخرطوم. وإن لم تفلح محادثات جدة وما سيتلوها من مخرجات القمة العربية في وقف كامل لإطلاق النار والعودة إلى الطاولة السياسية لإيجاد تسوية بين الطرفين، فإن السودان بثرواته البشرية والطبيعية والجيوسياسية ذاهب للأسف نحو المجهول!