الزلزال يحدث في مصر

2019.09.28 | 00:09 دمشق

whatsapp_image_2019-09-27_at_6.17.22_pm.jpeg
+A
حجم الخط
-A

تحدث الزلازل عادة بسبب كسر في القشرة الأرضية، ووصول الصخور فيها إلى حالة عدم الاحتمال، تعبّر الزلازل عادة عن صرخة كامنة في الأرض، حاولت كتمها طويلاً فلم تُفلح، كما أنها تعبير آخر عن نفاد الصّبر، فلا مجال بعد اليوم لأن يتوهم الجميع أن الأمور طبيعية ومستقرّة، فعند نقطة حساسة ومفصلية يغدو مهماً للغاية أن يحدث زلزال ما من أجل استقرار وثبات جديد، مهما كان ثمن هذا الزلزال صعباً.

ومع أن المتأمل لحالة الزلازل الطبيعية يأمل دائماً ألا تُحدث مكروهاً لأحد، إلا أن الناظر في حقيقة الزلازل البشرية يأمل حدوث شيء واحد، أن تحقق غايتها في زوال من حدثت لإزالته.

الزلازل البشرية التي تشق الأرض التي امتلأت بالجور والفساد والظلم، لتغيّرها وتحدث فيها التوازن المطلوب، هي ذاتها التي تمتلئ بها الشوارع والساحات، حاملة شباب الحرية، وطلاب التغيير، من شعوب حرّة حاولوا كسرها طويلاً تحت سياط التجبّر والقهر، وسنوات صبر ممتدة، تكررت فيها محاولات وضع الملح على الجرح، إلا أن الجرح لم يلتئم، ومحاولات الصبر لم تنجح، وعندما حانت اللحظة التي تفسح مجالاً للصراخ خرجت ثورة، بأهدافها المحقة، بعض الألم مهم كي يسد الصدوع ويُحدث ثباتاً لازماً للمستقبل، وبعض الألم ينتج عنه خسائر كبيرة ربما، لكنها ليست أكبر من استمرار الصمت والصبر، ليس لأنه صعب فقط بل لأن إمكانية ذلك باتت مستحيلة.

اليوم يعود الشعب المصري العظيم إلى الشوارع ليهتف من أجل حريته، يعود بسلميّته، بمطالبه المحقة، بأهدافه التي خرج لأجلها قبل أعوام، وإن تغيّر اسم الحاكم، فمنظومة الفساد باتت أكبر، مادام الحكم يؤخذ بالقهر وقوة العسكر.

تغدو المظاهرات اليوم في مصر مهمة على جميع الأصعدة، فاستعادة الشعب المصري ثقته بنفسه، ونزوله إلى الشوارع متحدياً الديكتاتور الذي ظن بأنه أحكم قبضة الإغلاق عليه وهزمه؛ مؤشر واضح أن الشعوب لا تُقهر، ولا تموت، وبأن التفنن في أساليب القمع والقهر والسجن والإعدام والتعذيب أسلوب فاشل، لا يسكت صاحب الحق عن حقه، فهو وإن كتم قهره فلن يحتمل كسره، وسيحدث زلزاله ليبتلع سجانه.

الزلازل البشرية التي تشق الأرض التي امتلأت بالجور والفساد والظلم، لتغيّرها وتحدث فيها التوازن المطلوب، هي ذاتها التي تمتلئ بها الشوارع والساحات

يصعب التنبؤ بالزلزال، لأنه يحدث فجأة، بعد أن يطمئن الحاكم ويُشغل بتشييد قصوره وسجونه، وتغدو غطرسة الحاكم العربي وغروره كافيين لئلا يتوقعوا أن يثور الشعب ضده، ولكن الشعوب العربية خارج التوقعات دائماً، وما نراه في مصر رأيناه في تونس والسودان والجزائر، فموجة الربيع الحر تتجدد، ولا تعترف بأحوال الطقس الجوية، وزلزال الشعوب يحدث، ولا يهتم بصلابة أو مرونة القشرة الأرضية.

إن حرية الشعوب وكرامتها هي بؤرة الزلزال، منها يتحرك، ويزداد اتساعاً وتأثيراً، وكلما زاد إيمان الشعب بحريته وكرامته، كانت القوة أكبر، وأسفرت عن زلازل مرتدة في غير مكان، ولعل الحكام يتعلمون يوماً أن الوحشية التي عاملوا بها شعوبهم ارتدت عليهم، ولعل دول العالم تدرك أن القلق سيبقى الحالة العامة للمنطقة، ما لم يدفعوا باتجاه تحقيق الحرية لتلك الشعوب.

يُقال إن الزلازل لا تهدأ، وإن اصطدمت بوسط أكثر صلابة أو كثافة، فهي تغير اتجاهها، لكنها أبداً لا تستكين، والاهتزازات الناجمة عنها لابد أن تأخذ مجراها الطبيعي، ولعلنا نأمل في أن تسفر زلازل الثوار عن حرية حقيقية للشعوب التي ضحت ومازالت لتنالها.

ويُقال إن البراكين تسبقها حدوث الزلازل، فتجاهل سنوات من الزلازل المتكررة في المنطقة ذاتها لابد وأن يحول تلك الحمم إلى براكين محرقة.

ونحن نتابع أخبار الزلازل الطبيعية في إسطنبول، ونسأل الله تعالى السلامة لكل من فيها، نراقب الزلازل البشرية الهادرة في مصر، ونسأل لمصر السلامة والتعافي من نظامها وحاكمها، ولشعبها ولشعب سورية العظيمة الحرية والكرامة.