icon
التغطية الحية

الرَّقة حين تفتقد تاريخها وتبكي مئذنة جامعها الكبير

2022.06.28 | 07:25 دمشق

رقةةة
+A
حجم الخط
-A

رغم الانتقادات الكثيرة للحالة العامة السائدة حالياً في مدينة الرقة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي والخدمي، إلا أن معظم أهلها تنفسوا الصعداء بعد سجن (داعش) الذي دام بين عامي 2014- 2017.

إذا تجولنا في أحياء الرقة بعين المتقصي، فسنجد أن الدمار هو سيد المشهد. القصف المتتالي على الرقة جعلها مدينة أشباح، ناهيك عن الإهمال الذي أودى بها إلى الهاوية.

وإذا عدنا بالذاكرة قليلاً، إلى ما قبل الحرب، فسنشاهد الشوارع المكتظة بالضجيج والدفء، والتي على الرغم من بساطتها العمرانية إلا أن مبانيها نراها قد اتكأت على قلوب أهلها الطيبين جداً لا على ركائز إسمنتية.

يمتاز أهل الرقة بسمرتهم التي تبدو جلياً على بشرتهم الآيلة للسمرة بسبب أشعة الشمس، وبالمثل تجد قلوبهم وارفة بالرِقة، عذبة كماء الفرات..

يعاملون الضيف على أنه حدث تاريخي جلل قَدم إلى بيت أحدهم، فيكرمونه بما يقدمون له من ذبائح ومن أزكى أنواع الطعام. ولو طلبت من أحدهم ما شئت، فلن تعود البتة إلا ولك ما طلبت.

أيام صيفها الحارة نهاراً ونسيمها العليل ليلاً تبعاً لمناخها، جعل منها ذات يوم أهم مصايف هارون الرشيد. وهذا إن دل على شيء، فإنه يدل على طبيعتها المحببة وأهلها الطيبين، ليختارها الرشيد دوناً عن باقي المدن..

لا يمكن المرور بالرقة من دون ملاحظة الألفة التي ينعم بها أهلها، فالتراب أمام البيوت القديمة مشبع بالماء والمحبة التي ترش أمام بيوتها.. كؤوس الشاي تجمع الجيران.. الأطفال يلعبون في الشوارع وضحكاتهم وهم يتجمهرون أمام البيوت المكتظة بالبساطة، تغلّف القلب بالفرح. 

حتى بيوت الأبنية الحديثة في الرقة تحمل ذات المشهد؛ الرقّيون مجمعون على شرفات منازلهم يتبادلون الأحاديث والضحكات المتعالية.

كل غريب يُلقي التحية في الرقة سيلقى إجابة أهلها: أهلاً وسهلاً، تفضل بالدخول. ففي الرقة لا توجد ستائر للكرم.. تصل رائحة الطعام إلى الجار فلا يتوانى لحظة من طلب "سكبة" منه. فالناس في الرقة يتقاسمون الزاد وفتات الحب.

يوجد فيها الكثير من الموظفين والعاملين والمدرسين والتجار الذين جاؤوا من بقية المدن السورية، فيعاملون كأهلها وأبنائها. لم يعد أيّ منهم قطّ الى مدينته الأم بعد انتهاء خدمته أو عمله إلا كان ممنوناً، ويحتفظ في ذاكرته بأسمى صور العرفان والتوق لزيارتها مجدداً من دون أدنى شك.

الرقة في الماضي، بقيت مهمشة إعلامياً، ومظلومة على المستوى العام بالرغم من فراتها.. لا توجد مرافق عامة أو خدمات جيدة يمكن للمرء التمتع بها، في حين أن المدن الأخرى لا تمتلك نصف ما للرقة من طبيعة طاغية الجمال وإرث تاريخي. 

واليوم زاد تهميشها وظلمها، وبقصد أو بدونه تنتهج "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) ذات النهج من إهمال للمدينة المدمرة ولنهرها، ولمواقعها الأثرية التي تضمها أحياؤها وريفها، كقلعة جعبر وقصر البنات والرصافة وباب بغداد والسور القديم. وفوق كل ذلك يصدر أخيراً قرار مجحف بنقل مئذنة الجامع الكبير، ذي القيمة الاستثنائية داخل وجدان أهلها .

الجامع الكبير من أقدم وأكبر مساجد مدينة الرقة. يعود تاريخ إنشائه إلى عام 1897 في زمن السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، ولذلك أطلق عليه أيضاً اسم "الحميدي الكبير".

ويحاول اليوم أبناء الرقة المهجّرين في مختلف أصقاع الأرض، عبر حساباتهم وصفحاتهم على منصات التواصل الاجتماعي، منع "قسد" من نقلها. أما الأخيرة فلا تملك الإمكانات الكافية لذلك، وتزعم بأنها ستستعين بخبرات ألمانية وتشيكية لنقلها إلى حديقة متحف المدينة.

وبعد رصدها مئات ألوف الدولارات بحجة تكاليف النقل، يستمر أبناء المدينة في مطالبهم عبر وسم: "أوقفوا نقل المئذنة". فلم يعد في الرقة ما يكفي للبكاء بعدها.