icon
التغطية الحية

"الراتب يشتري 5 كيلو حلو".. كيف انعكس صرف الليرة التركية على الشمال السوري؟

2023.06.28 | 19:32 دمشق

آخر تحديث: 28.06.2023 | 21:30 دمشق

سوق اعزاز .jpg
حلب ـ خالد الخطيب
+A
حجم الخط
-A

تراجعت قيمة الليرة التركية إلى مستويات قياسية مؤخراً وذلك عقب قرار البنك المركزي التركي رفع أسعار الفائدة، ووصل سعر صرف الدولار الأميركي الاثنين 26 من حزيران/يونيو، إلى أكثر من 25 ليرة تركية، وهو ما أثر سلباً على الحياة المعيشية لملايين السوريين القاطنين في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة والتي يسود فيها التعامل بالليرة التركية في عمليات البيع والشراء شمالي سوريا.

وبدا أثر انخفاض قيمة الليرة وتذبذب أسعار الصرف واضحاً على حركة البيع والشراء في أسواق إدلب وسرمدا والدانا والباب وعفرين واعزاز ومارع وجرابلس وغيرها من المناطق في عيد الأضحى، إذ وصل سعر الصرف (السوق السوداء) في بعض الأحيان إلى مستويات قياسية، وسجل 27 ليرة تركية مقابل كل دولار.

ركود في الأسواق

جال موقع "تلفزيون سوريا" في أسواق اعزاز، وعدد من الأسواق الناشئة حول مخيمات النازحين القريبة من الشريط الحدودي مع تركيا، وكانت الألبسة وحلويات العيد، والمواد الغذائية الأكثر تأثراً بانخفاض قيمة الليرة وحلقت أسعارها عالياً بشكل لا يتناسب مع حجم المداخيل الشهرية بالليرة التركية بالنسبة للموظفين في قطاعات العمل العامة، والعاملين في المهن الحرة.

وجرت العادة أن يشهد السوق المسقوف في اعزاز ازدحاماً مميزاً وحركة غير مسبوقة للمتسوقين في الفترة قبيل الأعياد، إذ كانت المواد والسلع ولوازم العيد تعرضها الدكاكين بكميات كبيرة على جانبي السوق بأصنافها المتنوعة لتلبية رغبات الزبائن، لكن السوق اليوم أقل ازدحاماً وحركة البيع والشراء أقل، والمعروض من المواد والسلع لا يشكل النصف مقارنة بعيد الفطر السابق، قبل شهرين من الآن تقريباً.

ويعتقد أحمد العنيسي أن انخفاض قيمة الليرة التركية أثر على تجارته، ودفعه إلى عرض كميات قليلة من الحلويات المغلفة مقارنة بالكميات التي عرضها قبيل عيد الفطر خلال الأسبوع الأخير من شهر رمضان الماضي، ويرجع ذلك إلى توقعه بأن تكون حركة البيع أقل بسبب الغلاء الذي سببه انخفاض أسعار الصرف.

العنيسي التقاه"تلفزيون سوريا" في سوق اعزاز المسقوف حيث يمتلك دكاناً لتجارة المواد الغذائية، قال "انخفاض قيمة الليرة برأيي كان فيه ضرر بالغ ليس على المستهلك فحسب، بل على التاجر أيضاَ، فأنا رفعت الأسعار بشكل يتناسب مع تغيرات أسعار صرف الليرة التركية مقارنة بالدولار، وتركت هامشاً قليلاً للربح لعل محدودي الدخل يستفيدون وأنا أستمر في تجارتي ولو بالحد الأدنى من الأرباح، فرفع الأسعار ليس خياراً بالنسبة لنا، فهو أمر حتمي فكل البضائع التي نعرضها نشتريها بالدولار، ولا يمكن بالنسبة لي مثلاً البيع بسعر الجملة لأن هناك تكاليف وضرائب شهرية وسنوية على المحل أدفعها للمجلس المحلي ناهيك عن الكهرباء والمياه وأجور العمال والتي من المفترض تغطيتها من الأرباح".

غلاء فاحش

وبالنظر إلى قائمة أسعار حلويات العيد (المغلفة) التي يعرضها العنيسي في دكانه، فقد زادت الأسعار بمعدل 10/15 بالمئة عن السابق، ولم يعد هناك أي من الأصناف (شوكولا وسكاكر وراحة وبسكويت) يباع الكيلو الواحد منه تحت سعر 50 ليرة تركية، بل ظهرت أصناف جديدة من الحلويات قادمة من مناطق سيطرة النظام في حلب عبر ممرات التهريب، وأسعارها لا تقل عن المصنعة محلياً أو المستوردة من تركيا، وتتراوح أسعار الحلويات بالعموم بين 60 و 150 ليرة تركية للكيلو الواحد، والتي عادة ما يبحث عنها محدودو الداخل من الموظفين والعاملين في المهن الحرة، في حين ارتفعت أسعار الحلويات (المعجنات والحلويات العربية بالمكسرات) إلى أرقام خيالية لا يمكن معها لمحدودي الدخل وهم الشريحة الأوسع شراؤها، إذ تراوحت أسعارها بين 350 و 400 ليرة تركية، أي إن المعلم أو العنصر في قوات الشرطة والموظف في المجالس المحلية مثلاً عليه أن يدفع 75 بالمئة من راتبه الشهري كي يشتري 3 أو 4 كغ حلويات عربية، وتتراوح رواتب العاملين والموظفين في القطاعات الخدمية العامة بين 1400 و2400 ليرة تركية، أما المهن الحرة وعاملو القطاع الخاص (البناء والزراعة والعتالة وورش الخياطة والمشاريع الصغيرة) فالأجور بقيت على حالها دون أي تغيير برغم تغير أسعار الصرف.

التأثير مضاعف في المخيمات

إلى الشمال الشرقي من اعزاز وبالقرب من الحدود التركية تنتشر عدة مخيمات للنازحين، بينها باب النور والريان والسلامة والإيمان والقطري وشمارين وشمارخ وغيرها، حيث زار موقع "تلفزيون سوريا" مخيم الريان، إذ غابت أجواء العيد عن الشارع العام الذي يشبه السوق داخل المخيم والذي تنتشر على جانبيه عشرات الدكاكين الصغيرة، وتبدو على وجوه النازحين صدمة الأسعار التي سببها انخفاض قيمة الليرة، ويبدو أن الهم الشاغل لسكان المخيم هو تأمين المواد الأساسية (السكر والشاي والزيوت والخضراوات) فالسكر وصل سعر الكيلو الواحد منه إلى 23 ليرة تركية بعدما كان يباع بسعر 21 ليرة قبل تغير أسعار الصرف، وفي المخيم تبدلت هموم الأطفال من اللعب والبحث عن المتعة وثياب العيد إلى البحث عن أسعار أفضل للسلع الأساسية التي يرسلهم آباؤهم لشرائها من الدكاكين.

وعند المدخل الرئيسي لمخيم الريان يعرض عبدو نجار بضاعته من الخضراوات الطازجة في محله الصغير، ألوان زاهية للخضراوات الصيفية تجذب أبناء المخيم لكن أسعارها مخيفة بالنسبة للآباء والأمهات، جواهر لم تصمد أمام إلحاح طفليها فامتثلت لمطلبهم ودخلت المحل، وقررت شراء نوع من الفاكهة، تسأل جواهر: بكم المشمش؟ يجيب نجار، بخمس وثلاثين ليرة الصنف الثاني، وبخمسين للكيلو الواحد من الصنف الأول، وهناك تستجيب جواهر لنصيحة البائع، وتأخذ التفاح، بضع حبات بعشرين ليرة وهو مبلغ يتناسب مع دخلها اليومي من عملها في الأراضي الزراعية (قلع البطاطا والحصاد) والذي لم يتغير برغم انخفاض قيمة الليرة، وبقي عند حدود 30 ليرة تركية كأجر لعملها من الساعة الثامنة صباحاً وحتى 2 ظهراً. قالت جواهر النازحة من منطقة الحص جنوبي حلب خلال حديثها لموقع "تلفزيون سوريا" أنها "تعيل طفليها وزوجها الذي لا يقوى على العمل، وأجرها اليومي لا يكفي لشراء لوازم الطبخ، أما مستلزمات العيد وثياب الأطفال فهي أحلام لا يمكن تحقيقها".

وعلى بعد كيلو مترات قليلة من مخيم الريان يؤوي مخيم باب النور آلاف النازحين أيضاَ، التقى موقع "تلفزيون سوريا" محمد حاج علي، نازح من حلب ويقيم في مخيم باب النور، قال "المشكلة ليست في ارتفاع الأسعار فقط، بل في البطالة، وتوقف الكثير من أصحاب المهن عن العمل بسبب الأجور المتدنية وقلة الفرص (نجارة وحدادة وبيتون وبناء وبلاط) فالغالبية من أبناء المخيم الذين يعيلون أسرا كبيرة لا يعتمدون على الحصص الإغاثية بل على أعمالهم الحرة لتغطية مصاريف المعيشة التي بات تأمينها اليوم شبه مستحيل".

ويورد موقع "تلفزيون سوريا" أسعار بعض السلع التي استطلعها خلال الجولة، وتراوحت أسعار أضاحي العيد بين 250 دولارا للأضحية الأقل ثمناً، وتعادل (6500 ليرة تركية وهي ثمن فطيمة) و500 دولار للاضحية الأعلى سعراً (12500ليرة تركية وهي ثمن خروف يزن 100 كغ)، أما بالنسبة لألبسة الأطفال لأسرة مؤلفة من 5 أطفال فتكلف 2500 ليرة تركية تقريباً/تعادل 100 دولار، وأسعار البالة ارتفعت أيضاَ، ووصلت إلى 200 ليرة لأحذية الكبار، و100 ليرة لأحذية الصغار.

حلول مفترضة وإجراءات  

يرى الدكتور ياسر الحسين (محاضر في كليات الاقتصاد في عدة جامعات بالشمال السوري) أن "التضخم يأكل القوة الشرائية للعملة، وبالتالي كمية السلع والخدمات تكون أقل، ومستوى المعيشة يصبح متدنيا، فتدخل فئة جديدة من سكان المنطقة حلقة الفقر". ويقترح الحسين خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا أن " يتم تحديد حد أدنى للأجور، وأن يكون هناك دراسات جدية تحدد خط الفقر للسكان، وبناء على النتائج يمكن تحديد الحد الأدنى للأجور، كذلك يمكن تحديد الأجور بالدولار، أساس الأجر بالدولار والإبقاء على التداول بالليرة التركية، ولا بد من أن يكون هناك دور للنقابات بحيث تقوم بالضغط على أصحاب المهن والمستثمرين كي يكون الحد الأدنى للأجر متماشياً مع المستوى المعيشي للأفراد، كذلك يجب أن تأخذ المجالس المحلية دورها في ضبط الأسعار".

من جهته يرى حمدو الجاسم، مدير العلاقات العامة في وزارة الاقتصاد والموارد التابعة لحكومة الإنقاذ في إدلب، أن قيمة الليرة التركية تراجعت بنسبة 10%، وهناك العديد من السلع تأثرت، وهي السلع ذات القيم المنخفضة والتداول اليومي، أما السلع أو المنتجات المنتجة في تركيا والمستوردة بالليرة التركية فلم تتأثر كثيرا، مثل الخضر والفواكه، أما السلع المستوردة بالدولار فتأثرت بشكل كبير.

يضيف الجاسم لموقع "تلفزيون سوريا": " تعمل المديرية العامة للتجارة والتموين على جانبين، الأول عبر قيام دائرة الأسعار بمراقبة أسعار جميع السلع والمنتجات الموجودة بالسوق بشكل يومي وأي تغير طفيف في سعر أي مادة تقوم بالتنسيق مع دوريات الرقابة التموينية لتسيير دوريات على الفعاليات التجارية الموجودة في المحرر والوقوف على أسباب تغير سعر هذه المادة ومعالجتها اذا كان هناك أي حالة احتكار أو تلاعب بها"،  أما بالنسبة للأجور فقال الجاسم : " ستتغير بالأيام القادمة نتيجة العرض والطلب، وبشكل تدريجي، ومعظم الأجور في المنطقة المحررة مثبتة على الدولار، أي إن معظم المعامل والمنشآت والورش تعطي الأجور بالدولار، وبالتالي لا تتأثر بشكل كبير بتغير صرف الليرة التركية".