icon
التغطية الحية

الدراما وجدل المآلات.. عن إذلال المواطن وتمجيد السلطة في الدراما السورية

2023.07.07 | 06:29 دمشق

دراما
+A
حجم الخط
-A

تتوفر ثيمة إذلال الإنسان في الدراما السورية وكذلك في أدب السجون، وغالبا ما تتسم النهايات فيهما بالتَيْئِيس؛ ولكن تقييم هذه الثيمات تختلف في الدراما عنها في أدب السجون، فالأولى تُصنع صناعةً بينما ينتج أدب السجون -في أغلب الحالات- عن تجارب ذاتية توثيقية.

 ثيمة الذل والتَيْئِيس في مسلسل الولادة من الخاصرة

يخرج المقدم رؤوف من السجن ليبدأ انتقامه من المواطنين، إنه أحد الكلاب المسعورة التي أطلقها النظام في بداية الثورة. يقول في أحد المشاهد متوعدا الناس:

"حشرات تتطاول علي، قبل ما أفوت عالسجن كنت دوس أرض الشام صنوبر حلب يرجف، هلأ شوية صيصان يتهجموا علي أنا، شو صار بالبلد؟ العمى.. أوساخ بدا تتطاول على أسيادها. أقسم بشرفي لخليهن يقولوا اسمي قبل الصلاة وبعدا، لخليهن يركعوا قدامي واحد واحد".

 تتحول تهديداته إلى جرائم لينتهي المسلسل ورؤوف مستمر بقتل الناس، والفتك بهم، ويبقى خارج منظومة الحساب والعقاب؛ أي أن مشاهد إذلال الناس منسجمة مع روح اليأس التي تتكون لدى المشاهد في نهاية المسلسل في جزئه الأخير المعنون "منبر الموتى".

 ثيمة الذل ومحاسبة الضعفاء في مسلسل كسر عضم

مشهد تهديد المحامي لزوج القتيلة في مسلسل كسر عضم يوضح هذه الثيمة حيث أحضروا الرجل بطريقة تشبيحية علنية.

يصرخ الرجل بالمحامي: أي والله والنعم.. إزا عامل لي زلمة قانون وعم بتشبح، معناها البلد بخير.. فيني اشتكي عليك وأخرب بيتك؟

فيرد عليه المحامي: يا زلمة أنت مفكر حالك محسوب مواطن عالدولة؟ لك أنت وأمسالك حقك فرنك عند الدولة.. عندي حقك نص فرنك.. بس أنا ماني جايبك وباعت مرافقتي وسياراتي.. لحتى زلك لأنه أنت وأمسالك بتيجوا رضعانين الزل من حليب أمهاتكن.. يعني ما في داعي حدا يدوئكن إياه".

بالطبع وُضعت عيوب أخلاقية في شخصية زوج القتيلة تجعلنا لا نتعاطف معه، ويراد لهذه الشخصية تمثيل الناس البسطاء في الحارات المهمشة، بينما تمثل شخصية المحامي الفئة المتحالفة مع السلطة والمنتفعة منها.

 ينتهي المسلسل بالعبارة الآتية: "كم نتمنى أن تكون النهايات التي نصنعها في الدراما هي واقعنا فعلاً! إلى اللقاء في الجزء الثاني"، ليتبين لنا أن شخصية "الحَكَم" المسؤول الفاسد في مسلسل كسر عضم ونظيرتها شخصية "المقدم رؤوف" في مسلسل الولادة من الخاصرة يستمرون أحياء يملكون مفاتيح القوة والسلطة والمال، على الرغم من تسويقيات المسلسلين بعقوبة الحكم بقتل أبنائه الأبرياء وعقوبة رؤوف بتقطيع ابنه الرضيع.

كما يبقى المحامي الشبيح الذي يذل الناس حرا طليقا، ولا يوجد عليه أي مأخذ قانوني رغم أنه يتعامل بالرشوة والإرهاب والتشبيح وغسيل الأموال وكل الموبقات التي لا تخطر على قلب بشر.

النهاية الجميلة التي ساقها المسلسل أن الزوج الذي يُجبَر على الاعتراف بقتل زوجته كجريمة شرف يساق إلى السجن مرة أخرى مع أخي الزوجة المغدورة ومنفذ الجريمة الحقيقي، وهؤلاء جميعا من عامة الناس، وأبو مريم يعاقَب من دون التصريح بوفاته أو نجاته، وهو أيضا من عامة الناس التي تسعى للصعود بأدوات الفساد المتاحة.

كل ذلك ليثبت المسلسل المقولات التي طرحها الحكم بتعليقه الصوتي على مشاهد مداهمات عسكرية وأصوات الرصاص في بداية الحلقة الأولى:

 "السياسة انخلقت لحتى الضعاف يحصلوا جزء من حقوقهن.. ما حدا عنده ثقة بانتصاراته بيرضى يمضى الوقت بدون ما يفتعل حرب ليكسب غنائمها.. وحده اللي بيرسم حدود سلطانك هو عزمك وقت الحرب.. لما تطلع من معركة وأنت كاسر عظم خصمك وقتها تشوف أديش التفاوض سهل ورجلك ع الطاولة.. القاعدة الوحيدة اللي ما تغيرت من نشأت هادا الكون لهلأ هي أنه البقاء للأقوى.. للأقوى".

النقد الثقافي لثيمة الذل واليأس في مسلسل "ابتسم أيها الجنرال"

نتيجة لكثافة ثيمة الذل والتيئيس في المسلسلات السورية تحولت هذه الثيمة إلى نسق ثقافي يعمل بطريقة لا واعية كما يقول عبد الله الغذامي في كتابه النقد الثقافي، وبدأت تتسرب إلى شرائح واسعة من الكتاب والأدباء لدرجة أننا بدأنا نراها في أعمال معارضة وخارج إرادة السلطة وكمثال على ذلك مشهد الحوار بين حيدر وماريا في مسلسل ابتسم أيها الجنرال:

"بسباطي.. حليت كل اللي كنتوا متوهمين بأنه رح يعمل بلبلة بهالبلد.. مشكلة الناس اللي متلكن يا ماريا مفكرين حالن بيقدروا يغيروا الكون، ويعملوا أبطال على ناس مثلنا، بس أنتم انخلقتوا لتزحفوا.. انخلقتوا لتاخدوا أوامر.. بتعرفي بعد هالحركة السخيفة المجنونة اللي عملتوها طلع معي بأنكن مجرد حشرات، حشرات مو أكثر.. لازم تعترفوا عاد بدون أي ضغط وبدون أي إكراه بأنه قدراتكن العقلية والزهنية لا ترتقي لكعب البوط العسكري".

مشهد يتقاطع ويتطابق مع مشاهد ثيمة الذل في مسلسل كسر عضم ومسلسل الولادة من الخاصرة.

أما نهاية المسلسل فكانت نهاية يأس، إذ انتصر الجلاد في نهاية مسلسل خيالي "جميع شخصياته وأحداثه من وحي الخيال" وكان حريا بالخيال أن يقفز إلى الأمام لينبئنا بنهاية الديكتاتورية والاستبداد.

بديل نهايات التيئيس

تأتي أغلب مشاهد إذلال الناس ضمن سياق درامي منسجم مع نهايات التيئيس من خلال استمرار الظلم وإذلال الناس أو تناسخ الظلمة وكأن المسالة قدرية لا انفكاك منها ولا انعتاق.

حجج كتاب نهايات التيئيس أن الأعمال الدرامية مستمدة من واقع قاسٍ ومعقد، لكن هذا الواقع المليء بالظلم، هو مليء أيضا بصور لنهايات بشعة للطغاة والمستبدين، ولنا في تاريخ أوروبا عِبْرة فمِنْ رحم الدكتاتورية نشأت أنظمة ديمقراطية.

من الحجج الأخرى أن النهايات التي تتسم بانتصار الحق على الباطل نهايات طفولية سطحية، وهذه الحجج تضعنا أمام خيارين لا ثالث لهما، إما نهايات تيئيس أو نهايات طفولية، في حين أن الخيارات المتاحة لا محدودة، منها على سبيل المثال النهايات الواقعية التي شاهدناها في سلسلة ربيع قرطبة لحاتم علي، حيث بُنيت شخصيات عميقة تتطور مع تصاعد الأحداث لتصل إلى نهايات واقعية تؤكد الحتمية التاريخية لتفتت وزوال دول الاستبداد من دون الإساءة للشخصيات التاريخية التي تناولتها السلسلة.

أدركنا الثيمة.. ماذا بعد؟

تأتي خطورة هذه الثيمات من خطورة الدراما الأكثر تأثيرا على الناس، وهذه الثيمة بالتحديد شكلت نسقا ثقافيا يعزز نظرية المؤامرة وفكرة "عوجا ويا ما ح نشوف"، هذا النسق الثقافي التي تحاول الثيمة تأكيده وإبرازه واستنساخه بشكل واعٍ عند البعض (صناعة الأدلجة) ولا واعٍ عند جماهير المشاهدين وبعض الكتاب.

الحل يكمن بالوعي بهذه الثيمة وإدراك خطورتها من قِبَل المشاهد قبل الأديب والكاتب، هذا الانتباه كفيل بتخفيف حمولة اليأس والخنوع والخضوع في النصوص. لا يحق لنا أن نقول لكتّاب السيناريو لماذا جاءت هذه النهاية بهذا الشكل ولم تكن بذلك، ولكن يحق لنا المقارنة والتحليل في قراءات ذاتية قد تصل في يوم ما إلى دراسات تعتمد على الإحصاء والبحث العلمي في دراسة الأثر على المشاهد.